No Image
عمان الثقافي

افتتاحية

26 أكتوبر 2022
26 أكتوبر 2022

لا يمكن أن نختزل قيمة المكان، أي مكان كان، في شكله الخارجي، مجرد معالمه، ومبانيه، التي يمكن أنها لا تحمل أي دلالة، إنما قيمة المكان تتحدد بالمعنى الذي يشكله في دواخلنا، فلكل مكان معانٍ كثيرة تختلف من شخص لآخر. فقد يمر أحدنا على مساحة مكانية مرورا عابرا بينما يمر عليها شخص آخر وتثير في نفسه الكثير من الحنين، والكثير من الذكريات التي يولد بعضها بعضا.

ومن المكان وما يحمله من معانٍ تتولد الكثير من الثيمات الكبرى التي لا تنفصل عن المكان ومعناه مثل الوطن والمهجر، والحنين والغربة وتحول مكان الهجرة أو المنفى القسري أو الاختياري إلى وطن بديل بقيم ومعانٍ جديدة.. رغم أن هذا الطرح ما زال يواجه الكثير من النقاش الذي ينطلق من سؤال جوهري: هل يتحول حقا المنفى إلى وطن؟ أم هل تتحول أرض المحتل أو المسُتَعمِر إلى وطن جديد؟

في هذا العدد من ملحق جريدة عمان الثقافي نطرح سؤال «المكان والمعنى» ليكون ملف العدد.. ورغم ثراء الموضوع من الجوانب الفلسفية والإبداعية إلا أنه لامس الكثير من الألم في نفوس الكثيرين ممن تركوا أمكنتهم الأثيرة بكل ما تحمله في ذاكرتهم من معانٍ وقيمة إلى أمكنة جديدة حاولوا فيها ترميم انكساراتهم السابقة وبناء جذور جديدة في مكان جديد على أمل أن تستطيع تلك الجذور الغوص في التربة الجديدة.

تقول الدكتورة أم الزين بن شيخة في مقالها «في معنى المكان بين السكن والترحال»: «ليس المكان قطعة من الجغرافيا الخرساء بل هو قيمة وكيان، المكان والكيان حقل تتشابك فيهما دروب الكينونة وينفتح المدى وبينهما ينغرس المعنى من أجل ضمان العبور إلى الوجود في العالم».

وفي مقال آخر ينطلق من بعد فلسفي، أيضا، يكتب الدكتور الزواوي بغورة مقالا بعنوان «الغربة من منظور الفلسفة الاجتماعية». ويكتب الدكتور عمر علوي مقالا بعنوان «حكايات المكان والمعنى» من زاوية تداخل الممارسات الفنية المعاصرة في إبداع معنى المكان منطلقا من معرض تشكيلي للفنان جورج ديدي هيبرمان.. وكلها مقالات تحاول الغوص في البعد الفلسفي لمعنى المكان ولمعنى تركه إلى منفى جديد بمعنى جديد.

كما يكتب الروائي السوري هيثم حسين تجربته الذاتية مع المكان في مقال بعنوان «حين تتحول المنافي إلى أوطان بديلة».

ويترجم المترجم أحمد زكريا نصوصا تنقل للعربية لأول مرة من إبداع الشاعر التركي ناظم حكمت تدور جميعها حول ثيمة الوطن وحب الوطن والتعلق به بوصفه مكانا ذا معنى كبيرا في نفس الشاعر.

كما يترجم المترجم كاميران حوج فصلين من رواية جديدة للكاتب الألماني ساشا ستانيشسيتش تحمل عنوان «الأصول» بعنوان «إلى دائرة الأجانب».

ويستطلع الصحفي فيصل العلوي آراء عدد من المبدعين العرب تركوا أماكنهم ومرابع صباهم إلى أماكن بديلة أخرى تحت عنوان «بحثا عن معنى المكان في دواخل المنكسرين» ويجد القارئ حجم ذلك الانكسار في اللحظة التي يستعيد فيها المبدع المكان الذي تركه لمكان آخر بشكل قسري في أغلب الأحيان. فيما تكتب أمل السعيدية عن «سينما المخيم أو رجال يحلمون ببيع ظهورهم» وتدخل أمل في قراءتها إلى عمق المخيمات والمنافي عبر شاشة السينما لترى الأمكنة ومعانيها ودلالاتها. ويترجم في ملف العدد عن المكان والمعنى المترجم أحمد شافعي حوارا أجري مع الحاصلة على نوبل آني إرنو التي تقول بشكل صريح في حوارها: «الكتابة عندي مكان». ويكتب الدكتور محمد زروق مقالا بعنوان «اغتراب الغريب في الأدب»، وتستعرض القاصة ليلى عبدالله رواية «أيام شمس المشرقة» عبر محور أزمة الهجرات العربية.

ويتضمن العدد إضافة إلى ملف المكان والمعنى حوارا مع الروائي البحريني رسول درويش، ومقالا للكاتب أحمد فرحات عن المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري، ويبحث الدكتور حمود الدغيشي عن فكرة «التجذر» في رواية «أمي كولجهان»، فيما تستقرئ الكاتبة السورية بسمة شيخو العلاقة العميقة بين الفن والحرب. ويختتم العدد بنص شعري حالم للشاعر الكويتي دخيل الخليفة.