455455555
455455555
رأي عُمان

دروس من وحـي الـجـائـحـة

20 يونيو 2021
20 يونيو 2021

يدور حديث مكثف هذه الأيام في وسائل الإعلام وفي الاجتماعات الرسمية على مستوى القيادات العليا في دول العالم وفي المنظمات الأممية حول الدروس المستفادة من جائحة كورونا، رغم أن الجائحة ما زالت تعصف بالعالم أجمع وتحصد ملايين الأرواح، ومرد ذلك أن الجائحة كشفت الكثير من الفجوات في النظام العالمي السائد وفي استعداد الدول مفردة أو عبر تكتلات لمواجهة جائحة بهذا الحجم. والدول في هذا الأمر مشتركة، تقريبًا، حتى تلك الدول التي كانت تعتقد أن لديها استعدادًا تامًا لمواجهة أعتى الحروب النووية أو «أي غزو من الفضاء الخارجي». لقد عرت الجائحة الكثير من تلك الخطط، وهذا منطقيٌ؛ لأن آخر جائحة بهذا الحجم تعرض لها العالم كانت تعود إلى عام 1917 عندما حلت «الإنفلونزا الإسبانية» وسرعان ما اجتاحت العالم رغم قلة التواصل بين شرقه وغربه في ذلك الوقت.

وإذا كان مصير الجائحة الانتهاء ولو بعد حين، فإن المهم الآن الاستفادة من الدروس التي تعلمناها خلال فترة مرورها الثقيل علينا، وسرعة معالجة الثغرات التي أظهرتها أحداثها لأن البشرية معرضة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى تكرار مثل هذه الجوائح الطبية، وخلال فترات زمنية أقل بكثير من الفترات السابقة التي تكون بين كل جائحة وأخرى.

والمجتمعات القوية هي تلك التي تتعلم من الدروس التي تمر عليها، وتستطيع أن تحول محنها إلى منح تدفعها نحو المستقبل بقليل من المخاطر.

ومن بين أهم تلك الدروس التي علينا التفكير فيها مليًا درس «الوعي الصحي»، ويمكن البناء على ما تحقق من وعي صحي خلال هذه المرحلة سواء لدى الكبار أو حتى الأطفال.. وهذا يطرح السؤال حول المانع من وجود مساق تعليمي منذ التعليم الأساسي حول الجانب الصحي يُطور في كل مرحلة حتى يندمج في مساق «الأحياء» الموجود في الوقت الحالي. وهذا من شأنه أن يشكل وعيًا في المجتمع بخطورة الأمراض وآلية التعامل مع مثل هذه الأزمات الصحية.

ومن بين الدروس التي علينا أن نستفيد منها ما حدث في العالم أجمع من نقص في الأدوات الطبية سواء كان النقص صناعيًا أو بسبب سلاسل التوريد التي تعطلت كثيرًا خاصة في المراحل الأولى من الجائحة.

ومن بين الدروس الأخرى التي علينا الاستفادة منها ما يتعلق بتطوير التصنيع الطبي. لقد واجهنا الكثير من التحديات في أبسط الصناعات الطبية وهي صناعة الكمامات وهي صناعة لا تحتاج إلى تقنيات كبيرة ومعقدة، في المقابل فإن الاستثمار فيها مربح جدًا سواء كانت هناك جائحة أو كان العالم في مأمن منها. وإذا كان الاستثمار في الكمامات والأدوات الطبية البسيطة مهمًا فإن الاستثمار في تطوير تقنية الأحياء الدقيقة والتقنيات الطبية والدوائية أكثر أهمية وفي السلطنة كوادر قادرة على تطوير هذه التقنيات متى ما توفر الاستثمار، سواء استثمار تقوده الحكومة أو يقوده القطاع الخاص. وتكمن أهمية هذه الاستثمارات في أن العالم أجمع سيكون محتاجًا لمخرجات هذه الصناعات في المرحلة القادمة إن لم يكن على سبيل الحاجة الملحة فعلى سبيل الاستعداد لأي جائحة جديدة. والدول الناجحة ستكون تلك التي تصدر هذه التقنيات للعالم في تحدياته القادمة لا تلك التي ستبقى دومًا مستوردة.

ومن الدروس التي فرضت نفسها علينا ضرورة الاستثمار في بناء الموارد البشرية في القطاع الصحي، وهو استثمار متحقق ولكنه يحتاج إلى مزيد من الاعتناء إضافة إلى بناء المؤسسات الصحية من حيث العدد ومن حيث القدرة الاستيعابية التي تضع في اعتبارها حدوث مثل هذه الجوائح في المستقبل، كما تضع في اعتبارها أن أي ضعف في المؤسسات الصحية يمكن أن يتحول إلى ضعف في المنظومة الأمنية لأي دولة؛ لأن الأمن الصحي هو محور أساسي في أي منظومة أمنية في العالم.