ثقافة

انتصار الشراح تلحق بالراحلين .. و تلوح من لندن "باي باي" جمهوري

01 أغسطس 2021
نجمة الدراما والمسرح.. وسيدة الكوميديا الخليجية
01 أغسطس 2021

من على خشبة مسرح يحمل رائحة لندن بدأت المسيرة، ومن ذات العاصمة البريطانية ودعت جمهورها ومحبيها، لتخلف وراءها ملفات طويلة من العطاء الفني، لا يمكن أن يكتب إلا بملكية الفنانة "انتصار الشراح"، وكأن لسان حالها يقول "عرفتموني من لندن.. وسأغادركم منها".

عرفها الجمهور وهي ابنة شارد بن جمعة في "باي باي لندن"، ولكنها في لندن نامت نومتها الأخيرة لتقول "باي باي جمهوري"، فالمسيرة التي بدأت في 1980، انتهت في 2021، وبين عام وآخر 3 عقود من الزمان، كانت فيها بأدوار كوميدية، وتراجيدية، واجتماعية، تارة دور الأم الحنون التي تخشى على أبنائها من نسمة الهواء، وتارة دور "الخالة" التي لا تكل ولا تمل من اللوم والعتاب، بلسانها السليط، وأفعالها الشديدة.

ابنة الكويت التي ولدت في مصر عام 1962م، تعلقت بالفن والتمثيل منذ الصغر، ودرست في المعهد العالي للفنون المسرحية، وكانت الوحيدة من أبناء جيلها التي تشارك في الأعمال الكوميدية، مسرحا ودراما، وقفت إلى جانب الكبار، وتعلمت منهم، وأثبتت حضورها، فهي زميلة وتلميذة الراحل عبدالحسين عبد الرضا، وغانم الصالح، فكانت ابنة عبدالحسين في "باي باي لندن"، وكانت المطربة السمراء "مرزوقة سيسم" في قاصد الخير، وشكلت ثنائي مثالي مع الفنان داوود حسين، الذي لم تكتفي بالمشاركة معه في المسرحيات، بل اتجهت إلى الدراما، والمسابقات، والبرامج الكوميدية، وأبرز أعمالهما المشتركة البرنامج الكوميدي "فضائيات"، "مع داوود وانتصار"، و "فوازير داوود في هوليوود".

ارتدت الراحلة انتصار الشراح الحجاب في عام 2002، ولكنها لم تترك الفن، على الرغم من حرب المنتجين لها، مما تسبب في قلة ظهورها، ولكنها استمرت تعطي للفن، وحافظت على وعدها ألا تتوقف رسالتها، وتستمر في الظهور المميز في الشاشات الخليجية، بمختلف أدوارها، وتقصمها لشخصيات متباينة.

من أعمالها الأخيرة جزئي المسلسل "نوايا" و"هم نوايا"، حيث لعبت دور لؤلؤة "أم راكان"، حيث كانت الجارة الفقيرة لـ"شيخة"/ سعاد العبدالله، ويرغب ابنها الوحيد راكان بالزواج من ابنة شيخة "بسمة"، ورغم دخول الاثنين في دوامة بسبب رفض شيخة لهذا الزواج، إلا أن "لؤلؤة" كانت هي البلسم الشافي، والحنونة التي احتوت بسمة بعد إصرار ابنها على الزواج منها، وهي القوة التي دفعت ابنها للنجاح في عمله ومسيرته، وعلى خلاف الشخصية تلك فقد شاركت في مسلسل "عشاق رغم الطلاق" بدور وداد "أم سلمان"، وكانت تعالج كسرها من طلاق زوجها لها وزاجه من أخرى بالقسوة على أبنائها، بل وحتى على زوجة ابنها "سلمان"، وإجبارها ابنها "فيصل" من الزواج بغير الفتاة التي يحبها، ورغم أنها كانت الصارمة الشديدة القوية والمتسلطة في هذا الدور، إلا أن بعض المشاهد لم تكن تخلو من "كوميديا انتصار" المعهودة، لطفت أجواء المسلسل بدورها المتناقض بين ما تكون فيه أمام الناس وما تكون فيه بينها وبين نفسها، وحنينها المستمر لزوجها الذي خسرته نتيجة لسانها السليط.

وأدت دور الحنونة في مسلسل "جنة هلي" في دور سميرة، وهي أيضا هنا كانت صديقة وجارة سعاد عبدالله، ورغم أفعال ابنها "خليفة" التي تسببت لها بالخجل أمام صديقتها الوحيدة، استمرت بتقديم النصيحة لابنها، ودافعت عنه حتى النهاية في مواقف شتى، وعلى النقيض في مسلسل "ورود ملونة" كانت تلعب دور "أم نبيل"، المرأة القاسية التي تضع زوجة ابنها "نبيل" شماعة لكل الأخطاء التي تحدث في المنزل، تلقي عليها اللوم على دخول ابنها في غيبوبة لمدة سنوات، كانت شدتها وقسوتها بالتصرفات والألفاظ توجع حتى المشاهد، دون أن تكل أو تمل من أسلوبها الفظ حتى وفاة ابنها ورحيل زوجته من بيتها.

تباين الأدوار كان يثبت أن انتصار الشراح ورقة رابحة، أينما وضعتها أقنعت وأجادت وأثبتت حضورها، لا يمكن نكران أن الخبرة لها دور، وحب الفن له دور أيضا، ودون شك روح انتصار المرحة المحبة الصادقة هي الدور الأساس لنجاحها الذي لا يختلف عليه اثنان.

رحلت الفنانة القديرة، وسيدة الكوميديا الخليجية، رحيلا دون وداع، فهي التي لم تكن تشكو إلا من آلام في المعدة، ثبت أنها تقرحات واستدعى الأمر أن تخضع لجراحة تسببت في تعب جسدها، غادرت الكويت تحفها دعوات أبناء الخليج إلى العاصمة البريطانية، دعوات أن تعود بوافر الصحة، وأن لا يكون "مطر صيف" هو ختام أعمالها الدرامية، بل أن تستمر في عطائها، ولكن يبدو أن روحها كانت على موعد مع الرحيل، تدهور سريع في صحتها لم يمهلها الكثير حتى فاضت روحها الطاهرة، وخلفت ابتسامتها التي تركتها في ذاكرة جمهورها بوجع وبكاء وحزن دفين.