ترجمة

في ذكرى 11 سبتمبر - الإفراط في التشاؤم خاطئ

11 سبتمبر 2021
11 سبتمبر 2021

تسترجع أمريكا "هذه الأيام" ذكرى تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر وما أعقبها من أحداث في أفغانستان بتشاؤم عميق. فانتصار طالبان في كابول بدا أنه يُنهِي ليس فقط حربَ عشرين عاما ولكن حقبةً كاملة في الحياة الأمريكية.

هذا التقييم الكئيب يتقاسمه مقالان لاثنين من أفضل معلقي الصحافة، يستعيدان بهما ما مضى من أحداث.

"بعد الحادي عشر من سبتمبر- الولايات المتحدة أخطأت في فهم كل شيء تقريبا،" كان هذا عنوان مقال جارييت جراف في مجلة آتلانتيك. أما المقال الآخر فعنوانه "الحادي عشر من سبتمبر اختبار فشلنا فيه" لكارلوس لوزادا ونشر في صحيفة واشنطن بوست.

الشيء الذي أجمع عليه هذان التقييمان وتقييمات أخرى عديدة، وهي صحيحة لكنها غير مكتملة، أن أمريكا سلكت الطريق الخاطئ بعد هجمات القاعدة.

بدأت أمريكا جهودها بوحدة "نادرة" في الهدف. لكنها تلاشت تدريجيا. ويعود ذلك لأسباب منها الأخطاء التي ارتكبت في الخارج والانقسامات الداخلية. فالأعلام التي علقت في كل بيت تقريبا يوم 11 سبتمبر تحولت إلى الأعلام التي استخدمت كَحِرابٍ في تمرد السادس من يونيو 2021 (في الهجوم على مبنى الكونجرس).

يرى توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق في انسحاب أمريكا من أفغانستان فقدانا "للإرادة الإستراتيجية". هذا تعليق مفرط في القسوة. لقد أُنجِزت المهمة الأساسية والمتمثلة في الثأر لأحداث الحادي عشر من سبتمبر والقضاء على القيادة المركزية للقاعدة منذ فترة طويلة.

أنا لا أوافق على قرار بايدن بسحب القوة الصغيرة المتبقية هناك. لكن المنطق وراء ذلك القرار كان بسيطا جدا لأغلبية الأمريكيين الأمريكيين. فأنت إذا كنت في حفرة عليك أن تكف عن الحفر.

المبالغة في التشاؤم خطأ في الذكرى العشرين للحادي عشر من سبتمبر. حقا شهد هذان العقدان (منذ 11 سبتمبر) العديدَ من الغلطات الأمريكية الفادحة. ولكن أيضا دروسا جرى تعلمها. كما اكتشف قادتنا العسكريون الكيفية التي يمكن بها عرض القوة بتكلفة منخفضة نسبيا في العراق وأفغانستان. وعلى الرغم من انتصار طالبان إلا أن راديكالية الإرهابيين تضمحل تدريجيا في بلدان الشرق الأوسط وأماكن أخرى عديدة.

ما لا يُنازع أحد في صحته أن دورةً في تاريخ الولايات المتحدة انتهت. وأنا لا أعني فقط مساعي ما بعد الحادي عشر من سبتمبر لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بالقوة.

كانت هنالك عملية أكبر تحدث في القرن الماضي مع حلول الولايات المتحدة بالتدريج محل القوى الاستعمارية الأوروبية وتوليها أعباءها. وما يُحمَد، أن هذه الحقبة التي تلت مرحلة ما بعد الاستعمار لم تعد موجودة. فالشعب الأمريكي لن يطيقها بأكثر مما فعل ولا باقي العالم.

قد يبدو ما حدث في أفغانستان وكأنه هزيمة. لكنه أقرب إلى أن يكون تقهقرا مسلَّحا. غزوات بريطانيا في أراضي القبائل الأفغانية إبان القرن التاسع عشر شبيهة بما حدث. فهي بدأت بأحداث عنيفة وقاسية كانت تبدو لأهل لندن مثل تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.

حين تقرأون تاريخ المغامرات الفاشلة لبريطانيا ستدركون أنها نفس الحكاية التي ظللنا نعيشها. فحملة البنادق البريطانيون وفرسان "الألوية الخفيفة" لم يكن في مقدورهم إخضاع المقاتلين القبليين شديدي الاعتداد باستقلالهم في أفغانستان. كما لم تستطع ذلك أيضا طائراتنا المُسَيَّرَة.

اعتاد البريطانيون على الجدل حول أيهما الأفضل: هل ما أسموه استراتيجية الاشتباك "المستمر" والغزو في مناطق مثل أفغانستان أو سياسة مواجهة أكثر تحفظا أطلق عليها أحيانا وصف "السكون الحاذق". وفي العادة يكسب المتشددون هذا النزاع، متبعين في ذلك منطق اللواء روبرت كلايف بالتقدم "دائما وأبدا إلى الأمام". لقد اشتهرت عن كلايف والذي يعرف أيضا بلقب "كلايف الهند" عبارته التي أطلقها في بدايات تشكل الإمبراطورية البريطانية في القرن الثامن عشر "التوقف خطر والتراجع هلاك". من المرحب به أن تخسر أمريكا فكرة "كل شيء أو لا شيء" في أفغانستان. نحن في هذه الذكرى، نفكر في نهايات الحروب الحديثة الأخرى وفي الشعور بالإنهاك والبلبلة الذي يعقبها. ذلك بالتأكيد كان صحيحا بعد الحرب العالمية الأولى التي دمرت فيها حربُ الخنادق ليس ملايين الجنود فقط ولكن أيضا الثقافةَ الواثقةَ من نفسها التي يقودها الأرستقراطيون وبعثت بهم إلى القتال.

جلبت الحرب العالمية الثانية المزيد من التفاؤل ولكن أيضا الحزن من إبادة عشرات الملايين. وكما يذكرنا لوي ميناند في كتابه الجديد والممتاز عن التاريخ الثقافي "العالم الحر"، انتصار عام 1945رافقته الصدمة المروعة لهجوم الشمولية النازية والشيوعية على "الفرد". بعد عام 1945 كانت أمريكا فخورة بنفسها ولكن أيضا وَجِلَة. ومع عودة طالبان إلى كابول بعد 20 عاما فقط من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، من المغري أن نعتبر ما حدث حتميا. لكنه ليس كذلك.

لقد انتقلنا من بداية تلك الأحداث إلى الحاضر بعد سلسلة من نقاط التحول. إنها حوادث وخيارات كان من الممكن أن تتخذ مسارات مختلفة. فقد كان من الممكن الانتباه إلى "وميض" إشارات التحذير الحمراء من مخطط القاعدة. وكان من الممكن القضاء على أسامة بن لادن حين فراره إلى جبال "تورا بورا" في عام 2001. وربما كان من الممكن أن ينصت جورج بوش إلى تحذيرات مستشاري الأمن القومي السابقين برنت سكوكروفت وزبيغنيو بريزنسكي بعدم غزو العراق في عام 2003. وربما أن حاكما أمريكيا في بغداد بخلاف بول بريمر ما كان ليقوم بحل الجيش العراقي. والقائمة تطول.

قبل عقد وفيما كنت أفكر بحرب الولايات المتحدة في أفغانستان اطلعت على مقطع من قصيدة "الفردوس المفقود" للشاعر البريطاني جون ميلتون جاء فيه "الانتقام رغم حلاوته في البداية إلا أنه مُرٌّ، وسرعان ما سيرتدًّ على نفسه." ربما لغة القصيدة عتيقة. لكن بعد مرور عشرين عاما "من أحداث 11 سبتمبر" نحن نعرف ماذا تعني.

• عن واشنطن بوست