مارجريت آتوود
مارجريت آتوود
ترجمة

دروس قيادة السيارات

25 يوليو 2021
25 يوليو 2021

كان العام 1960، وأنا في العشرين. وقيل إن الوقت حان لأن أتعلم قيادة السيارات. لم تكن مهارات القيادة تعد آنذاك ضرورة مثلما هي الآن، إذ الناس، وبخاصة الشباب منهم، ما كانوا يحصلون على سيارات بصورة آلية. ومع ذلك كان لتعلم القيادة أن يكون نافعا. قال أبي إنه سوف يعلمني.

ولكن الأقوال أسهل من الأفعال. فبعد أن خلطت بين دواسة الوقود ودواسة المكابح كدت أنطح بسيارته جدارا حجريا، فتمَّ إسقاط خطط القيادة هذه في هدوء. لم تنهمر مني دموع: فقد كانت في ذهني أمور أخرى، منها الفلسفة الوجودية، وإلهة القمر، وكتابة الشعر المعذَّب.

محاولتي التالية كانت سنة 1964، وفي هذه المرة، كان معلم القيادة البطولي المنتظر صديقا لطيفا للغاية. والده كان تاجر سيارات مستعملة معروفا بفرانك القرصان، فكان ذلك الصديق يقود سيارة فرانك القرصان الخاصة (التي انفجرت لاحقا).

بعد ثلاث حصص ـ استمتعت بما فيها من فرح ومرح، واحتملها صديقي بمفاصل أصابع مبيضَّة وأسنان مجزوزة ـ إذا به يستسلم قائلا "ليس بوسعي أن أعلمك" ويقول "أنت بلا مخاوف".

كان ذلك خبرا جديدا عليّ. فقد كنت أحسب أن لديّ الكثير من المخاوف – العواصف الرعدية، وحرائق الغابات، والدببة– لكنها لم تكن المخاوف المناسبة اللازمة لتعلُّم القيادة. لم أكن أخاف السائقين الآخرين، أو حواف الطرق، أو كتل الفولاذ الضخمة المندفعة عليّ بسرعات جنونية.

ومرّة أخرى لم تنهمر دموع. لم يكن لديَّ من المال ما يكفي لامتلاك سيارة، ولا حتى سيارة فرانك القرصان الخاصة، ففيم القلق؟

ونقفز ثلاثة عشر عاما، فنحن في 1977. صار لديّ شريك لحياتي ـ هو جراييم جيبسن ـ وطفل. كنا نعيش في مزرعة تشاركنا فيها سفينة نوح من الحيوانات والطيور. ومن تلك الحيوانات الكلب فِن، وهو كلب ذئبي أيرلندي لطيف. وذات يوم حاول الكلب فِن أن يقفز فوق سياج من سلك شائك فعلقت ساقاه الخلفيتان فيه. خرج جراييم بمقص الأسلاك ليخلص الكلب، فإذا بالكلب فِن في غمرة ذعره يتشبث في أقرب داعم إليه، ولم يكن ذلك الداعم غير رأس جراييم. فعل ذلك بأنيابه، فليس للكلاب أيد. انتهى جراييم من قص الأسلاك، وأطلق سراح فن، ثم ساق السيارة إلى المستشفى ـ على بعد عشرين ميلا ـ والدم ينصب منه. كان فين قد أخطأ الشريان الوداجي ببوصات قليلات.

قلت "انتهينا، عليّ أن أتعلم القيادة". في هذه المرة استعنت بمحترف فولاذي الأعصاب. وحينما كنت أمتحن أعصابه، كان يسرع من مضغه العلك. وحينما كنت أحسن الأداء، كان مضغه العلك يبطؤ. مررت بالقائمة كلها: القيادة الدفاعية، الانزلاق في الثلج، الجليد الأسود. ووقعت أمور لم تكن بردا وسلاما على الأسرة، منها قيادتي شاحنتنا، وإسراعي بها نازلة التل باتجاه بيتنا، ومعي ابنا شريكي المراهقان يصرخان "كوابح الطوارئ"، فلسبب ما لم أستطع العثور على الكوابح العادية، لكن برغم تلك النكسات، حصلت على رخصتي، ورضيت عن نفسي، وقد بدا أنني بت أمتلك المخاوف المناسبة. أي أنني صرت راشدة مسؤولة.

لسنين ظل سجلي نظيفا من الحوادث. ووفقا لرأي أختي، كنت شديدة الحذر بحيث أمثل أنا نفسي خطرا، فقد كنت أبطئ في مواقع غريبة، بحثا عن مجانين متأهبين للاصطدام بي. لكننا انتقلنا إلى مدينة وقلّت الحاجة إلى القيادة، وسرقت رخصة قيادتي في غرفة تبديل الثياب بأحد محلات ماكيز، ولم أستخرج بدل فاقد قط.

أشعرني تعلم القيادة أنني صرت أنضج وأكبر، طالما دام لي. لكن ماذا عن فقدان المهارة؟ هل جعلني أنتكس؟ لم يزل بوسعي أن أسوق قاربا بمحرك، وهي مهارة اكتسبتها منذ سنوات المراهقة، وفي الفترة الأخيرة أضفت إلى مخزوني قيادة دراجة كهربائية رباعية العجلات، وإذن فأنا لم أفقد كل شيء. وفي هذه الأيام أوجه فقداني غير اللائق للمخاوف في وجهات مفزعة أخرى، مثل المناشير الكهربائية، وكتابة المقالات السيرية.

• نشرت هذه المقالة السيرية في عدد 12-19 يوليو 2021 من مجلة ذي نيويوركر

• مارجريت آتوود (1939) أديبة كندية شهيرة ترجم العديد من أعمالها إلى العربية.