1657590
1657590
ترجمة

آن أوان إنهاء علاقة أمريكا الخاصة بإسرائيل

05 يونيو 2021
05 يونيو 2021

ستيفن إم وولت -

ترجمة - أحمد شافعي -

انتهت جولة القتال الأخيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين على النحو المعتاد: بهدنة تركت الفلسطينيين أسوأ حالا، وتركت القضايا الجوهرية دونما علاج. كما قدَّمت دليلا جديدا على أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تقدم لإسرائيل دعما اقتصاديا وعسكريا ودبلوماسيا غير مشروط. ففوائد هذه السياسة معدومة، وتكاليفها باهظة وتزداد ارتفاعا. والولايات المتحدة وإسرائيل بحاجة ـ بدلا من هذه العلاقة الخاصة ـ إلى علاقة طبيعية.

في يوم من الأيام، ربما كان وجود علاقة خاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل له مبررات على أسس أخلاقية. فقد كانت إقامة دولة يهودية تعد رد فعل ملائما لقرون من العنف المعادي للسامية في الغرب المسيحي، منه «الهولوكوست» لكنه لا يقتصر عليها. غير أن الحجة الأخلاقية لم تكن مقنعة إلا بتجاهل العواقب التي ترتبت على العرب الذين عاشوا في فلسطين على مدى قرون كثيرة من قبل، وباعتقاد المرء أن إسرائيل بلد يشترك مع الولايات المتحدة في قيمها الأساسية. وهنا أيضا كانت الصورة معقدة. فربما كانت إسرائيل هي «البلد الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط»، لكنها لم تكن ديمقراطية ليبرالية مثل الولايات المتحدة حيث يفترض أن تكون لجميع الأديان والأعراق حقوق متساوية (مهما تكن عيوب تحقيق هذا الهدف). فبالاتساق مع الأهداف الجوهرية في الصهيونية، كانت إسرائيل تخصص مزايا لليهود على غيرهم وفقا لتخطيط تم بناء على وعي.

غير أننا نرى اليوم أن عقودا من السيطرة الإسرائيلية القاسية قد قوضت هذه الحجة الأخلاقية بدعم غير مشروط من الولايات المتحدة. إذ قامت الحكومات الإسرائيلية ـ على تباين اتجاهاتها ـ بتوسيع المستوطنات، وأنكرت على الفلسطينيين الحقوق السياسية المشروعة، وعاملتهم معاملة مواطنين من الدرجة الثانية داخل إسرائيل نفسها، واستعملت القوة الإسرائيلية المتفوقة في قتل وترويع سكان غزة والضفة الغربية ولبنان في ظل ما يشبه الحصانة. في ضوء هذا كله، ليس مفاجئا أن منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة بيتسليم الإسرائيلية لحقوق الإنسان قد أصدرتا تقارير مقنعة ومحكمة التوثيق تصف مختلف هذه السياسات بأنها نظام أبارتيد. ولقد أدى جنوح السياسات الداخلية الإسرائيلية يمينا والدور المتنامي الذي لعبته الأحزاب المتطرفة في السياسة الإسرائيلية إلى تلويث صورة إسرائيل حتى بين اليهود الأمريكيين.

وأيضا، كان يمكن في الماضي القول بأن إسرائيل من الأصول الاستراتيجية القيمة للولايات المتحدة، برغم المغالاة الدائمة في تقدير تلك القيمة. فخلال الحرب الباردة، على سبيل المثال، كان دعم إسرائيل طريقة فعالة لكبح النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط لأن جيش إسرائيل كان أكثر تفوقا كقوة مقاتلة من القوات المسلحة للبلاد التابعة للسوفييت مثل مصر وسوريا. كما كانت إسرائيل تقدم معلومات استخباراتية مفيدة عند اللزوم.

غير أن الحرب الباردة انتهت منذ ما يربو على ثلاثين سنة، والدعم غير المشروط لإسرائيل اليوم يتسبب لواشنطن في مشكلات أكثر مما يحل من مشكلات. فلم يكن بوسع إسرائيل أن تساعد الولايات المتحدة في شيء في حربيها في العراق بل لقد تحتم أن ترسل الولايات المتحدة إلى إسرائيل صواريخ باتريوت خلال حرب الخليج الأولى لحمايتها من هجمات صواريخ سكود العراقية. وحتى لو أن إسرائيل تستحق اعترافا بالفضل لتدميرها مفاعلا نوويا سوريا وليدا سنة 2007 أو لمساعدتها في صنع فيروس ستاكسنت الذي خرب مؤقتا بعض أجهزة الطرد المركزية الإيرانية، فإن قيمتها الاستراتيجية أقل كثيرا مما كانت عليه خلال الحرب الباردة. فضلا عن الولايات المتحدة غير مضطرة إلى إمداد إسرائيل بدعم غير مشروط لتحصل منها على فوائد كتلك.

في الوقت نفسه، ترتفع تكاليف تلك العلاقة الخاصة. فمنتقدو الدعم الأمريكي لإسرائيل غالبا ما يبدأون بالمساعدات العسكرية التي تتجاوز ثلاثة مليارات دولار والدعم الاقتصادي الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل سنويا، برغم أن إسرائيل حاليا بلد ثري يحتل دخل الفرد السنوي فيه المرتبة التاسعة عشرة عالميا. وثمة بلا شك طرق أفضل لإنفاق تلك الأموال، وإن لم تمثل إلا غيضا من فيض للولايات المتحدة ذات الاقتصاد البالغ واحدا وعشرين ترليون دولار. ولكن التكاليف الحقيقية للعلاقة الخاصة هي تكاليف سياسية.

وكما رأينا على مدار الأسبوع الماضي، فإن دعم إسرائيل غير المشروط يزيد على الولايات المتحدة من صعوبة الزعم أمام العالم بأنها بلد يلتزم بمعايير أخلاقية رفيعة. وهذا في وقت تتلهف فيه إدارة بايدن على استرداد سمعة الولايات المتحدة وصورتها بعد أربع سنوات في ظل حكم رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب. وتريد أن تضع خطا واضحا يفصل بين سلوك الولايات المتحدة وقيمها وسلوك وقيم خصومها من أمثال الصين وروسيا، وتعيد في ثنايا ذلك تأسيس نفسها كدعامة أساسية في النظام القائم على القواعد. من أجل هذا السبب، قال وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن الإدارة سوف تضع «الديمقراطية وحقوق الإنسان في مركز سياستنا الخارجية». لكن حينما تقف الولايات المتحدة منفردة لتستعمل حق الفيتو ضد ثلاث قرارات هدنة منفصلة من مجلس الأمن الأممي، وتصر على تأكيد «حق الدفاع عن النفس» لإسرائيل، وترخص إمداد إسرائيل بأسلحة إضافية بقيمة 735 مليون دولار، ولا تعرض على الفلسطينيين إلا عبارات جوفاء عن حقهم في الحياة بحرية وأمن مع دعم حل الدولتين (الذي لم يعد إلا أقل القليلين من المطلعين ينظرون إليه بجدية)، فإن زعمها بالتفوق الأخلاقي يصبح عاريا وأجوف ومنافقا. فلم يكن غريبا أن سارعت الصين باستغلال موقف الولايات المتحدة فأبرز وزير الخارجية الصيني وانج يي عجز الولايات المتحدة عن العمل كوسيط محايد وعرض استضافة محادثات سلام إسرائيلية فلسطينية بدلا منها. ولعل ذلك لم يكن عرضا جادا، لكن بكين يصعب أن تكون أسوأ أداء من واشنطن في العقود الأخيرة.

من التكاليف الدائمة أيضا لـ»العلاقة الخاصة» ما تستهلكه تلك العلاقات مع إسرائيل من طاقة السياسة الخارجية وهو استهلاك غير متوازن. إن لدى بايدن وبلينكن ومستشار الأمن الوطني جاكي سوليفان مشكلات يجب أن تشغلهم أكثر من أفعال بلد صغير في الشرق الأوسط. وها هنا مرة أخرى نرى الولايات المتحدة متورطة في أزمة هي إلى حد كبير من صنعها، وتنحرف بانتباهها ووقتها الثمين بعيدا عن التغير المناخي والصين والوباء وفك الارتباط بأفغانستان والانتعاش الاقتصادي وجملة من المشكلات الجسيمة الأخرى. فلو كانت للولايات المتحدة علاقة طبيعية مع إسرائيل لما استوجبت إلا قدرها المستحق من الاهتمام ولا مزيد.

ثالثا، يضفي الدعم غير المشروط لإسرائيل تعقيدا على جوانب أخرى من دبلوماسية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فالتفاوض على اتفاقية جديدة لتحجيم وتعطيل القدرات التسلحية النووية الإيرانية المحتملة كان ليصبح أسهل كثيرا لو أن الإدارة لا تواجه معارضة دائمة من حكومة نتانياهو، ناهيكم عن المعارضة الراسخة من العناصر المتشددة في اللوبي المناصر لإسرائيل داخل الولايات المتحدة. ومرة أخرى، فإن علاقة طبيعية مع البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يمتلك بالفعل أسلحة نووية سوف تساعد جهود واشنطن المستقرة للحد من الانتشار النووي هناك.

رابعا، ساعدت عقود من الدعم غير المشروط لإسرائيل في خلق الخطر الذي تواجهه الولايات المتحدة بسبب الإرهاب. ولقد كان أسامة بن لادن وغيره من كبار عناصر القاعدة واضحين وضوح الكريستال في هذه النقطة: فالمزيج من دعم الولايات المتحدة الثابت لإسرائيل ومعاملة إسرائيل القاسية للفلسطينيين كان من الأسباب الرئيسية التي جعلت الجماعة تقرر مهاجمة «العدو البعيد». لم يكن ذلك هو السبب الوحيد، ولكنه أيضا لم يكن بالسبب التافه. ومثلما جاء في تقرير لجنة أحداث الحادي عشر من سبتمبر فيما يتعلق بخالد شيخ محمد الذي وصفه التقرير بـ»المخطط الرئيسي» للهجمة: «وفق روايته، لم ينبع عداء خالد شيخ محمد للولايات المتحدة من تجاربه فيها كطالب، وإنما من الخلاف العنيف مع سياسة الولايات المتحدة الخارجية المحابية لإسرائيل». لن تختفي مخاطر الإرهاب إن أقامت الولايات المتحدة علاقة طبيعية مع إسرائيل، ولكن من شأن موقف عادل يمكن الدفاع عنه أخلاقيا أن يساعد في تقليل المواقف المعادية للولايات المتحدة التي أسهمت في التطرف والعنف على مدار العقود الماضية.

كما تتصل العلاقة الخاصة ببلايا أكثر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومنها قرار غزو العراق سنة 2003. لم تكن إسرائيل تحلم بمثل تلك الفكرة المجنونة ـ ولكن الشرف المشكوك فيه ينسب إلى المحافظين الجدد المناصرين لإسرائيل في الولايات المتحدة ـ وعارض بعض القادة الإسرائيليين الفكرة في البداية وأرادوا من إدارة جورج دبليو بوش أن تركز على إيران بدلا من العراق. لكن ما أن قرر رئيس الولايات المتحدة جورج دبليو بوش أن تكون الإطاحة بالرئيس العراقي آنذاك صدام حسين هي الخطوة الأولى في برنامج أوسع لـ»تغيير إقليمي»، حتى انضم إليه مسؤولون إسرائيليون كبار منهم نتانياهو ورئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك وشيمون بيريز وساعدوا في ترويج الحرب لدى الشعب الأمريكي. فكتب باراك وبيريز حججا وظهروا في الإعلام الأمريكي ليحشدوا الدعم للحرب، ومضى نتانياهو إلى الكونجرس ليوجه له رسالة مماثلة. وبرغم أن استطلاعات الرأي أظهرت أن اليهود الأمريكيين أقل تأييدا للحرب من بقية الشعب، فإن منظمة لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية -ايباك- وغيرها من منظمات اللوبي الإسرائيلي وضعت ثقلها وراء الحرب أيضا. فلا يمكن القول بأن العلاقة الخاصة هي التي تسببت في الحرب، لكن الروابط الوثيقة بين البلدين ساعدت في تمهيد طريقها.

كما أن العلاقة الخاصة ـ والمقولة الشائعة بأن التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل «لا يتزعزع» ـ جعلت من مناصرة إسرائيل اختبار صلاحية للعمل في الحكومة ومنع عددا ما من الأمريكيين الأكفاء من الإسهام بمواهبهم وتفانيهم في الحياة العامة. فليست الحماسة في مناصرة إسرائيل مانعا من الوصول إلى المناصب الرفيعة في الحكومة ـ وإنما هي مؤهل ـ ولكن مجرد الانتقاد المعتدل يعني مشكلات فورية لأي متقدم لوظيفة. اعتبار شخص «مناصرا لإسرائيل» بدرجة غير كافية كفيل بإخراجه من مسار وظيفة، مثلما حدث للدبلوماسي المخضرم ووكيل وزارة الدفاع الأمريكية السابق تشاس دبليو فريمات عند اختياره لرئاسة المجلس الوطني للمخابرات سنة 2009، أو قد يرغم مرشحين على القيام بأعمال مشينة للتنصل وإبداء الندم. وحالة كولين كال الأخيرة ـ الذي لم يحظ ترشيحه لمنصب وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية بموافقة مجلس النواب إلا بشق الأنفس برغم المؤهلات الناصعة ـ مجرد مثال آخر لهذه المشكلة، ناهيكم عن كثير من الأفراد ذوي المؤهلات الرفيعة الذين لم يفكروا مجرد التفكير في التقدم للوظائف لعزوف فرق التعيين عن إثارة الجدل. واسمحوا لي أن أؤكد أن الخوف لا يتثمل في أن هؤلاء الأفراد كانوا غير متفانين بالقدر الكافي في خدمة الولايات المتحدة، بل لقد كان الخوف هو أنهم ليسوا ملتزمين التزاما راسخا بمساعدة بلد أجنبي.

هذا الوضع غير الصحي يمنع كلا من إدارات الديمقراطيين والجمهوريين من البحث عن أفضل المواهب ويضيف إلى زيف الخطاب العام في الولايات المتحدة. إذ سرعان ما يتعلم خبراء السياسة الطموحون الصمت عما يفكرون فيه حقا في ما يتعلق بالقضايا المتصلة بإسرائيل وبدلا من ذلك يتفوهون بالتفاهات المألوفة وإن تعارضت مع الحقيقة. وحينما ينشب صراع كالصراع الأخير في غزة تجد المسؤولين الحكوميين والمتحدثين الصحفيين يتنقلون أمام المنصات محاولين ألا يقولوا أي شيء قد يوقعهم أو يوقع رؤساءهم في مشكلات. ولا تتمثل المشكلة في الخوف من الوقوع في الكذب، بل إن الخطر الحقيقي أنهم قد يقولون الحق. كيف يمكن لامرئ أن يجري نقاشا أمينا حول إخفاقات الولايات المتحدة المتكررة في سياسة الشرق الأوسط حينما تكون لمخالفة الرؤية الراسخة عواقب جسيمة محتملة على المستوى المهني؟

من المؤكد أن تصدعات العلاقة الخاصة آخذة في الظهور. فالحديث في هذا الموضوع اليوم أيسر مما كان (إلا على من يسعى إلى وظيفة في وزارتي الخارجية والدفاع)، والأفراد الشجعان مثل بيتر بينارت ونيثان ثرول أسهموا في خرق ستار الجهل الذي أحاط طويلا بهذه القضايا. ولقد تحول بعض أنصار إسرائيل في مواقفهم تحولات تستوجب لهم اعترافا كبيرا بالفضل. ففي الأسبوع الماضي فقط، نشرت نيويورك تايمز مقالة تعرض بالتفصيل وقائع الصراع على نحو نادرا ما فعلته، أو لعلها لم تفعله من قبل. والكليشيهات القديمة عن «حل الدولتين» و»حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» تفقد سلطانها الخادع، بل إن من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب من ضبطوا دعمهم لإسرائيل في الفترة الأخيرة، ولو على المستوى الخطابي. لكن السؤال المحوري هو ما إذا كان هذا التغير في الخطاب سيفضي إلى تغير حقيقي في سياسة الولايات المتحدة.

ليست الدعوة إلى إنهاء العلاقة الخاصة مناصرة للمقاطعة، وسحب الاستثمار، والعقوبات أو إنهاء للدعم الأمريكي كله. إنما هي دعوة لأن تقيم الولايات المتحدة علاقة طبيعية مع إسرائيل شبيهة بعلاقات واشنطن مع أغلب البلاد. وفي ظل علاقة طبيعية، سوف تدعم الولايات المتحدة إسرائيل إن فعلت ما يتسق مع مصالح الولايات المتحدة وقيمها وتنأى عنها إذا فعلت غير ذلك. ولن تستمر الولايات المتحدة في حماية إسرائيل من إدانة مجلس الأمن الأممي إلا إن استحقت إسرائيل ذلك استحقاقا لا لبس فيه. ولن يستمر مسؤولو لولايات المتحدة في الإحجام عن النقد المباشر الصريح لنظام الأبارتيد الإسرائيلي. وسوف يكون ساسة الولايات المتحدة ومنظروها وصناع سياساتها أحرارا في الثناء على أفعال إسرائيل أو انتقادها ـ كدأبهم مع غيرها من البلاد ـ دونما خوف من فقدان وظائفهم أو التعرض لتشويه السمعة من الجوقات المغرضة سياسيا.

ليست العلاقة الطبيعية طلاقا: فسوف تستمر الولايات المتحدة في التبادل التجاري مع إسرائيل، والشركات الأمريكية سوف تستمر في التعاون مع نظيراتها الإسرائيلية في أي عدد من المشاريع. سوف يستمر الأمريكيون في زيارة الأرض المقدسة، وسوف يستمر الطلبة والأكاديميون من كلا البلدين في الدراسة والعمل في الجامعات هنا وهناك. وسوف يكون بوسع الحكومتين الاستمرار في تبادل المعلومات في بعض القضايا والمشورة في عدد من قضايا السياسة الخارجية. سيكون بوسع الولايات المتحدة أن تبقى مستعدة لمساعدة إسرائيل إذا تعرض بقاؤها لخطر كما قد تفعل مع بعض الدول الأخرى. ستبقى واشنطن أيضا معارضة بحزم لمعاداة السامية الأصيلة في العالم العربي، وفي بلاد أخرى، بل وفي فنائها الخلفي نفسه.

ومن شأن علاقة أكثر طبيعية أن تفيد إسرائيل أيضا. فمنذ وقت طويل، أتاح شيك الدعم الصادر من أمريكا على بياض أن تتبع إسرائيل سياسات طالما أدت إلى نتائج عكسية وعرَّضت مستقبلها بعيد المدى لمزيد من الشكوك. والأبرز في هذه السياسات هو المشروع الاستيطاني نفسه والرغبة غير الخفية تماما في إقامة إسرائيل الكبرى التي تضم الضفة الغربية وتحصر الفلسطينيين في أرخبيل من الجزر المعزولة. ولكن بوسع المرء أن يضيف إلى القائمة غزو لبنان سنة 1982 الذي أنتج حزب الله، وجهود إسرائيل السابقة لدعم حماس بهدف إضعاف فتح، والهجوم القاتل على سفينة الإغاثة «مافي مرمرة» في غزة في مايو 2010، والحرب الجوية الوحشية على لبنان في 2006 التي زادت من شعبية حزب الله، والهجمات السابقة على غزة في 2008 و2009 و2012 و2014. كما أن عزوف الولايات المتحدة عن ربط المساعدات لإسرائيل بشروط تخول للفلسطينيين دولة قابلة للحياة ساعد في تدمير عملية سلام أوسلو، وتبديد أفضل فرصة لحل الدولتين الحقيقي.

ومن شأن علاقة أكثر طبيعية ـ يكون فيها الدعم الأمريكي مشروطا لا آليا ـ أن ترغم الإسرائيليين على إعادة النظر في مسارهم الراهن وبذل المزيد لتحقيق سلام حقيقي دائم. وبصفة خاصة، سيكون عليهم أن يعيدوا التفكير في الاعتقاد بأن الفلسطينيين سوف يختفون ببساطة ويبدأون النظر في حلول تضمن الحقوق السياسية لليهود والعرب على السواء. وليس النهج القائم على الحقوق بالترياق السحري، فلسوف يواجه عقبات كثيرة، ولكنه سيكون متسقا مع قيم الولايات المتحدة الراسخة ويفسح مجالا للأمل في المستقبل بدلا مما تفعله إسرائيل والولايات المتحدة اليوم. والأهم من كل ذلك أنه سوف يتعين على إسرائيل أن تبدأ في تفكيك نظام الأبارتيد الذي خلقته على مدار العقود العديدة الماضية لأنه سيصعب حتى على الولايات المتحدة أن تديم علاقة طبيعية إذا بقي هذا النظام على حاله. وليس في هذه المواقف ما ينطوي على أدنى موافقة أو دعم لحماس، فهي مدانة بالقدر نفسه بجرائم حرب في القتال الأخير.

هل أتوقع لتغييرات ممّا فصَّلْتُ هنا أن تحدث في القريب العاجل؟ لا. برغم أن علاقة طبيعية مع إسرائيل ـ مماثلة لعلاقات الولايات المتحدة بجميع بلاد العالم تقريبا ـ لا ينبغي أن تكون بالفكرة المثيرة للجدل، فلم تزل ثمة جماعات مصالح خاصة تدافع عن العلاقة الخاصة والكثير من السياسيين الثابتين على رؤية للمشكلة عفا عليها الزمن. غير أن التغيير قد يكون أرجح وأسرع حدوثا مما قد يتصور المرء، ومن هنا دفاع المدافعين عن الوضع القائم ومسارعتهم إلى تشويه وتهميش كل من يقترح بدائل له. إن بوسعي أن أتذكر أيام كان يمكن التدخين على متن الطائرة، وحين كانت موسكو تحكم أوروبا الشرقية بالقبضة الحديدية، وحين كان قليلون هم الذين يندهشون من ندرة النساء والملونين في مجالس الإدارات، أو في الجامعات، أو في الوظائف الحكومية. فلا يكاد موضوع يتاح للنقاش العام حتى يصبح أكثر انفتاحا وصدقا، وقد تتغير المواقف البالية بسرعة مدهشة، فما كان لا يخطر في يوم على عقل أحد، إذا به يتحول إلى ممكن، بل وإلى طبيعي.

كاتب المقال هو أستاذ كرسي روبرت ورينيه بيلفر للعلاقات الدولة بجامعة هارفرد

نشر المقال في مجلة فورين بوليسي الأمريكية في 27 مايو 2021