العرب والعالم

روسيا تتبنى استراتيجية عالمية جديدة معتبرة الغرب "تهديدا وجوديا"

31 مارس 2023
الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الوضع النووي في العالم
31 مارس 2023

الجناح الشرقي لحلف الأطلسي يطالب واشنطن بتعزيز وجودها العسكري بالمنطقة -

عواصم "وكالات": حلت "الحرب الهجينة" محل الحرب الباردة بعدما تبنت روسيا الجمعة عقيدة جديدة في السياسة الخارجية تصنف الغرب على أنه "تهديد وجودي" لموسكو ينبغي أن تحارب "هيمنته".

ويؤكد تبني هذه الاستراتيجية الجديدة الانقسام العميق القائم بين روسيا والدول الغربية منذ بدء الهجوم على أوكرانيا، والذي دفع حلف شمال الأطلسي إلى رص صفوفه مع تحول موسكو إلى الصين.

في وثيقة جاءت في أكثر من 40 صفحة تذكر بمضمونها ولهجتها بحقبة المواجهة بين الاتحاد السوفياتي وأمريكا في القرن الماضي، تطرح روسيا نفسها حصنًا للعالم الناطق بالروسية ضد الغربيين المتهمين بأنهم يريدون "إضعافه بشتى الطرق".

خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، قال الرئيس فلاديمير بوتين إن هذه التغييرات جاءت بسبب "الاضطرابات على الساحة الدولية" التي تلزم روسيا ب "تكييف وثائقها للتخطيط الاستراتيجي".

تكشف العقيدة الجديدة "الطبيعة الوجودية للتهديدات... الناتجة من اعمال الدول غير الصديقة". وتصف الولايات المتحدة بأنها "المحرض والقائد الرئيسي للخط المعادي لروسيا" كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

وأضاف "بشكل عام توصف سياسة الغرب المتمثلة في إضعاف روسيا بأي وسيلة بأنها نوع جديد من الحرب الهجينة".

تحدد عقيدة السياسة الخارجية الأولويات التي تعطيها الدول لنفسها في الشؤون الدولية، ولمعرفة الطريقة التي تنظر بها الدول المعنية إلى علاقاتها مع العالم.

في هذه الحالة، فان الوثيقة الجديدة التي تحل مكان نسخة يعود تاريخها إلى عام 2016 ونشرت على موقع الكرملين، لا توارب.

وجاء في الوثيقة أن "روسيا تعتزم إعطاء الأولوية للقضاء على آثار هيمنة الولايات المتحدة والدول المعادية الأخرى في القضايا العالمية".

التحول نحو آسيا

وفرضت واشنطن وحلفاؤها عقوبات اقتصادية شديدة على موسكو التي تتهمهم بشن حرب بالوكالة في أوكرانيا لا سيما من خلال تسليم كييف أسلحة.

في غمرة عزلتها في الغرب، تسعى روسيا إلى التقارب اقتصاديا ودبلوماسيا مع آسيا ولا سيما الصين، وهي أولوية حيوية تنعكس في العقيدة الجديدة.

وجاء في الوثيقة، في الفصل المخصص للصين والهند أن "التعميق الشامل للعلاقات والتنسيق مع المراكز العالمية للنفوذ والتنمية السيادية الصديقة في القارة الأوراسية له أهمية خاصة".

وأظهر بوتين قربه من نظيره الصيني شي جينبينغ خلال القمة التي عُقدت في موسكو في وقت سابق من مارس، مشيرا إلى "الطبيعة الخاصة" للعلاقات بين بلديهما والتي يبدو انها تصب اكثر واكثر في مصلحة بكين لان اعتماد موسكو عليها يزداد.

كما تولي العقيدة الروسية الجديدة مكانة مهمة للعلاقات مع الدول الافريقية في حين تسعى موسكو لتعزيز وجودها في افريقيا.

وفي اطار النزاع في اوكرانيا حيث تؤكد موسكو انها تسعى لمنع التجاوزات بحق السكان الناطقين بالروسية، تصف الوثيقة الجديدة روسيا بانها "حضارة" تضم الشعوب التي تشكل "العالم الروسي".

في الوقت الذي يقدم فيه بوتين نفسه على أنه قائد "القيم التقليدية" للكنيسة الأرثوذكسية في مواجهة الفكر الغربي، فإن العقيدة الجديدة تتطرق أيضا الى المجال الأخلاقي.

وجاء ايضا في الوثيقة انه "لا بد من تحييد محاولات فرض المبادئ الإيديولوجية الإنسانية الزائفة والنيوليبرالية التي تؤدي إلى فقدان الروحانية التقليدية والمبادئ الأخلاقية".

زيادة الوجود الأمريكي

من جهة ثانية، طالب وزراء خارجية الدول الأعضاء في الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي خلال اجتماع في بولندا اليوم، الولايات المتّحدة بتعزيز وجودها العسكري في المنطقة.

وعقد وزراء خارجية دول "مجموعة بوخارست التسع" اجتماعهم في مدينة لودز البولندية تحضيراً للقّمة المقبلة لحلف شمال الأطلسي في يوليو في فيلنيوس.

وفي ختام الاجتماع، قال وزير الخارجية الروماني بوغدان أوريسكو "نحن بحاجة للعمل على زيادة الوجود الأمريكي في منطقتنا، على الجناح الشرقي، من حيث العديد والعتاد".

وجدّد وزراء خارجية الدول التسع وهي بلغاريا وتشيكيا وإستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا الدعوة لتعزيز القدرات الدفاعية لمنطقتهم المتاخمة لأوكرانيا.

وأضاف أوريسكو "إذا كان لدينا دفاع قوي، فعندئذ تكون لدينا قوة ردع في مواجهة سلوك روسيا المزعزع للاستقرار".

وشدّد الوزير الروماني على أنّ "هذه هي اللغة الوحيدة التي تفهمها روسيا"، داعياً إلى "مزيد من قدرات الدفاع الجوي، ومزيد من القدرات المضادة للصواريخ على أراضينا... مزيد من وسائل المراقبة والاستطلاع والاستخبارات".

وفي اجتماعهم، تعهّد وزراء الخارجية التسعة أيضاً بمزيد من الدعم لأوكرانيا في تصدّيها للقوات الروسية.

وقال وزير الخارجية البولندي زبيغنيو راو إنّ "دول مجموعة بوخارست التسع طليعية هنا، بما في ذلك من حيث دفع الحلفاء لاتّخاذ إجراءات أكثر جرأة".

من ناحيته، قال الوزير الروماني "نؤيد جميعاً انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي"، مشيراً إلى أنّ "الأولوية الآن هي دعم أوكرانيا للانتصار في هذه الحرب"، وأضاف "الشهر المقبل، المرحلة المقبلة، ستكون حاسمة بالنسبة لمصير الحرب في أوكرانيا".

ضربة للاستقرار الاستراتيجي

وفي سياق متصل، أعرب معظم أعضاء مجلس الأمن الدولي اليوم عن قلقهم من خطر انتشار الأسلحة النووية، خلال اجتماع بشأن إعلان موسكو عزمها على نشر أسلحة نووية "تكتيكية" في بيلاروس، الأمر الذي دانته الدول الغربية بوضوح.

وقالت ممثلة الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، إيزومي ناكاميتسو: "يجب على جميع الدول تجنب الإجرءات التي قد تؤدي إلى تصعيد أو ارتكاب أخطاء أو سوء تقدير".

وأضافت أنه يجب أيضا احترام معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، مبينة بالقول: "خطر استخدام الأسلحة النووية أعلى حاليا مما كان عليه منذ أدنى مستويات الحرب الباردة".

واعتبر السفير الفرنسي نيكولا دو ريفيير خلال الاجتماع الذي دعت إليه أوكرانيا أنّ "هذه ضربة إضافية لخارطة الحد من التسلح، وللاستقرار الاستراتيجي في أوروبا، وللسلام والأمن الدوليين".

وقال نائب السفير البريطاني جيمس كاريوكي "لنكن واضحين، لم تثر أي دولة أخرى إمكان استخدام أسلحة نووية في هذا النزاع، ولا تهدد أي دولة السيادة الروسية".

واعتبر أن الإعلان الروسي "بمثابة محاولة جديدة للتخويف والإكراه". وأضاف "لم تنجح (هذه المحاولات) حتى الآن ولن تنجح. سنستمر في دعم جهود أوكرانيا في الدفاع عن نفسها".

وفي حين ندّدت فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة مع أعضاء آخرين في المجلس بوضوح بإعلان موسكو، ألقى البعض اللوم على كل من الروس والغربيين، وأعربوا عن قلقهم من انتشار الأسلحة النووية.

وقال السفير البرازيلي رونالدو كوستا فيلهو "لا يمكن معالجة الشر بالشر".

وأشارت روسيا إلى سياسة "التشارك النووي" التي ينتهجها حلف شمال الأطلسي لاسيما عبر نشر أسلحة نووية أمريكية في أوروبا، لتبرير اتفاقها مع بيلاروس، وهو موقف تَكرّر اليوم أمام مجلس الأمن.

وأكد السفير البرازيلي أن "الرد على اتفاق للتشارك النووي بوضع أسلحة في دولة غير نووية يُعدّ أيضًا انتهاكًا للالتزامات بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية"، منددًا بـ "السباق نحو القاع الذي لا يضمن سلامة أي شخص، بغض النظر عمن اتخذ الخطوة الأولى".

وقالت إيزومي ناكاميتسو، الممثلة العليا للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح "في 25 مارس، أعلنت روسيا الاتحادية أنها توصلت إلى اتفاق مع بيلاروسيا لنشر أسلحتها النووية غير الاستراتيجية في أراضي بيلاروسيا. وعندما يتعلق الأمر بمسائل التسلح النووي، أود أن أكون واضحة: على كل الدول تجنب أي أعمال قد تؤدي إلى تصعيد العنف، من خلال خطأ في الحكم".

ودعت الصين من جهتها إلى "إلغاء اتفاقات التشارك النووي". وقال نائب السفير الصيني كنغ شوانغ من دون ذكر اسم أي دولة "ندعو إلى امتناع أي دولة نووية عن نشر أسلحة نووية في الخارج، وإلى سحب الأسلحة النووية المنشورة في الخارج".