No Image
العرب والعالم

تقرير :البحث عن الكمأة في البادية السورية.. طريق مفروش بالموت

31 مارس 2023
31 مارس 2023

دمشق - عمان - بسام جميدة:

«نخاطر بأرواحنا من أجل لقمتنا ولقمة أولادنا، أنها الكمأة في موسم خير يبعثه الله لكي نعتاش منها، لا عمل ولا مصدر رزق لنا نحن أهل البادية، هذه الكمأة التي يبعثها الله لنا تكفينا بعض الوقت» هكذا يبدأ أبو جاسم الرجل الخمسيني حديثه عن مهنته الموسمية في البحث عن الكمأة في ريف محافظة الحسكة شرق سوريا بالقرب من جبل عبد العزيز.

ومن مدينة دير الزور في الجانب الشرقي من سوريا أيضا يمكنك أن تدلف على بائعي الكمأة في سوق المدينة وتشاهد أنواعا كثيرة منها، يتجمع الناس حول أكوام الكمأة إما مستفسرين عن أسعارها أو يتجادلون في فوائدها وأنواعها، والبعض يُجمع على أنها مغمسة بالدم. تبادر أحد الباعة لتسأله عن مصدرها «أنها من البادية السورية بين دير الزور وحمص، من أجود الأنواع، سعرها ليس مرتفعا قياسا بسعر اللحوم» يجيب زهير وهو يتفحص الواقفين حوله.

وتشكل البادية السورية ما نسبته 40 بالمائة من مساحة الأراضي السورية، وتعتبر مصدرا غذائيا واسعا، وفيها الكثير من الثروات الطبيعية.

الموت جماعي

في الوقت ذاته وأنت تبحث عمن يتحدث إليك حول مقدار الجهد والتعب من اجل الحصول على هذا الفطر الموسمي، وكيفية وصولها إليه، تأتيك الأخبار على جوالك، عناصر الدفاع المدني تعثر على جثامين ثمانية أشخاص كانوا مفقودين منذ أيام، ووجدتهم بالقرب من جبل البشري في بادية دير الزور مقتولين وهم يبحثون عن الكمأة، وتم نقل جثامينهم الى مشفى دير الزور.

ليست هذه الحادثة الأولى هذا الموسم، بل سبقتها عشرات الحوادث المماثلة خلال الشهر الفائت، وحدثت مجازر ذهب ضحيتها أناس كانت تهمتهم الوحيدة انهم يبحثون عن الكمأة.

في البادية السورية التي تمتد على رقعة واسعة من جغرافية البلاد لا تزال مجموعات من الفصائل المسلحة تنتشر فيها، مجموعات متناحرة تحاول أن تسيطر على هذا المحصول الوافر الذي تجود به السماء مع مواسم الخير ونزول المطر والبرق والرعد فتنبت الكمأة، وتكون مصدر رزق «للكمائين» حيث يصل سعر الكيلو في المناطق الشرقية الى 50 ألف ليرة سورية «حوالي 7 دولار» بينما يرتفع سعر الكيلو بدمشق الى الضعف.

وعلى خلاف المواسم السابقة كثرت هذا الموسم حالات القتل بين الباحثين على الكمأة وغالبا ما كانت تشير الأخبار الى قيام فصائل مسلحة بقتل عدد من الأشخاص بين الحين والأخر، ولعل أكثر المجازر بشاعة تلك التي حدثت قرب منطقة السخنة التي تبعد عن مدينة تدمر حوالي 40 كم فقط قبل حوالي الشهر ذهب ضحيته 53 شخصا، وقائمة الموت طويلة هنا.

وقرب منطقة التنف يوجد معسكر للقوات الأمريكية وفصائل مسلحة تابعة لها، كما لا تزال فصائل داعش تنتشر في جيوب البادية السورية، بينما تتواجد نقاط عسكرية حكومية نظامية في مناطق كثيرة هناك بين المدن وعلى الطرقات، بينما في الجانب الآخر من الريف الشمالي والشرقي تسيطر فصائل قسد الكردية.

مشقة الحصاد

يروي أبو جمعة أحد البائعين لهذه السلعة قائلا: نشتري ما يأتينا من الذين يقومون بالحصول عليه جراء البحث المضني، وأغلبهم من أبناء الريف حيث يذهبون برفقة متعهد أو تاجر يؤمن لهم السيارة ذهابا وإيابا ويشتري منهم التاجر مباشرة ويأتينا به، والبعض يشتغل بالأجر اليومي، والبعض الآخر يعمل بشكل فردي يبحث عنها ويلتقطها ويبيعها بنفسه من دون السماسرة وغالبا هؤلاء من يدفع الثمن في أحيان كثيرة كونهم بلا حماية.

وفي بعض الأحيان يقع النزاع بين الفرق الجوالة الباحثة عن الكمأة ومن يقوم بحمايتهم، أو يقعون بكمين منصوب لهم من قبل الفصائل المسلحة هناك في البادية.

طريق الألغام

يغامر كثير من الباحثين عن هذا الرزق في البادية بأنفسهم ويذهبون على شكل فريق مكون من 4 الى 8 أشخاص، وهم في غالبيتهم من أهل القرى المجاورة للبادية، وهذا الاندفاع للبحث بشكل عشوائي يجعلهم صيدا سهلا للألغام المزروعة في البادية بشكل عشوائي من قبل داعش والفصائل التي مرت عبر هذه المناطق وخلفت وراءها تلك الألغام التي تحصد أرواح البشر كونه لم يتم تنظيف المنطقة بشكل كامل، ومن يكتب له النجاة، قد يقع فريسة بيد المتربصين له لكي يسلبوه ما حصد، أما من يخرج ناجيا بمحصوله من تلك الأماكن يذهب ليبيع رزقه ويطعم أولاده.

لن نتعرض الى أنواع الكمأة السورية المشهورة بجودتها وطيبتها، ولن نخوض في العائد الوفير لمن يحصل عليها بطريقته، ولكن الحديث مرير عن كمية الدماء التي أريقت في الصحراء خلال السنوات الفائتة، وكم كانت هذه النبتة مصدر رزق لأشخاص كثر حرموا منها، وكم كانت مصدرا لغذاء عائلات كثيرة جدا يقتاتون عليها، ويتفنن الجميع في طريقة أكلها؛ ولكن هذه هي الحرب ومآسيها التي سطرت نتائجها الوخيمة على كل الأماكن وفي كل النفوس.