No Image
الاقتصادية

فوضى البنوك الأخيرة هل ستقود إلى انهيار اقتصادي؟

31 مارس 2023
31 مارس 2023

«كم تتغير الأشياء بسرعة!».. قبل أسابيع قليلة كان المحللون على قناعة بأن اقتصاد العالم ينطلق حثيثا إلى الأمام. أما الآن فيشعرون بالقلق من حدوث انكماش عميق بسبب التداعيات الناجمة عن انهيار بنك سيليكون فالي وإنقاذ بنك كريدى سويس. وكما كتب تورستن سلوك كبير الاقتصاديين بشركة إدارة الأصول أبولو جلوبال مَنِجْمنت فقد تحول الاقتصاد «من عدم هبوط إلى هبوط خشن». (في الاقتصاد يُستخدم مصطلح الهبوط الخشن المستعار من لغة الطيران للإشارة إلى تدهور فجائي وحاد في النمو الاقتصادي يمكن أن يقود إلى انكماش.

ويقابله مصطلح الهبوط الناعم، الذي يعني وضعا يتباطأ فيه نمو الاقتصاد تدريجيا دون أن يتعرض لانكماش. أما «عدم الهبوط» فيقصد به تورستن استمرار النمو- المترجم). ويقول المحللون ببنك جيه بي مورجان تشيس الذين نأمل أن يكونوا أفضل في تحليل الاقتصاد من استخدام الاستعارات اللغوية «الهبوط الناعم يبدو مستبعدا الآن مع تهاوي الطائرة (فقدان ثقة السوق) واقتراب محركاتها من التوقف (إقراض البنوك)»، تشير الأدلة من فترة ما قبل الفوضى المصرفية الأخيرة إلى أن الناتج المحلي الإجمالي يتزايد بمعدل سنوي يتراوح عند حوالي 3%، وفي البلدان الغنية كان الطلب على القوى العاملة يتزايد في أسواق العمل فيما يقلُّ العرض، حتى الآن الأدلة قليلة على تحول في بيانات «الوقت الحقيقي» باتجاه نمو أبطأ، ويبدو مؤشر النشاط الحالي الذي يُعدُّه بنك جولدمان ساكس منتظما، وهو مؤشر يستمده البنك من مقاييس عالية التردد للصحة الاقتصادية. وأظهرت مؤشرات مديري المشتريات تحسنا طفيفا في مارس، إلى ذلك المقاييس الأسبوعية للناتج المحلي الإجمالي التي تعدها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لا تغير اتجاهها. ويتعقب بنك «يو بي اس» الناتج المحلي الإجمالي العالمي حسب تسعير سلعه وخدماته بواسطة الأسواق المالية (بأسعار النفط والأسهم الدورية على سبيل المثال)، وهو يشير في الوقت الحاضر إلى نموٍّ بنسبة 3.4% مقابل 3.7% قبل انهيار بنك سيليكون فالي. لا يزال الوقت مبكرا. وربما أن المتاعب في الطريق. هذا ويواجه الاقتصاديون مصدرين للقلق على نحو ما صوَّر ذلك محللو بنك جيه بي مورجان باستعارة «الهبوط الخشن» أولهما عدم اليقين، فإذا خشي الناس أزمة مصرفية ومن المتاعب الاقتصادية التي ترافقها قد يقلصون إنفاقهم واستثماراتهم. ثانيهما يتعلق بالائتمان، فالمؤسسات المالية قد تقلل الإقراض خوفا من الخسائر، وهذا ما يحرم الشركات من رأس المال الذي تحتاج إليه بشدة، لكن لحسن الحظ هنالك سبب للاعتقاد بأن تأثير اضطرابات البنوك الأخير سيكون أقل مما يخشى العديدون، لنأخذ عدم اليقين أولا. تجد الأبحاث التي نشرها صندوق النقد الدولي في عام 2013 أن القفزات في انعدام اليقين والتي تسببت فيها أشياء مثل غزو أمريكا للعراق وانهيارات البنوك يمكن أن تقلص النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي بما يصل إلى نصف نقطة مئوية (0.5%). ويعود السبب في جزء كبير منه إلى تأجيل الشركات استثماراتها، إذا حدث ذلك سيهبط النمو العالمي من 3% ربما إلى 2.5%، مع ذلك ما لم يستمر اضطراب البنوك من المستبعد أن يكون أثره بذلك القدر من الأهمية لأن انهيارات البنوك على غير ما هو متوقع خلَّفت انطباعا ضئيلا لدى الناس. وجد مسح أجرته «إبسوس» وهي شركة استطلاع للآراء أن ثقة المستهلكين الأمريكيين تعززت من بداية شهر مارس وإلى منتصفه فيما في الأثناء كانت الشركات الناشئة في وادي السيليكون تشعر بالقلق من أن أموالها ستختفي. لقد ارتفع قليلا «مؤشر عدم يقين» الذي استقاه نيكولاس بلوم الباحث بجامعة ستانفورد وزملاؤه من تحليل الصحف عندما بدأت فوضى البنوك، لكنه يتراجع الآن. واستمرت مشاعر التفاؤل لدى الشركات الألمانية في التحسن على غير المتوقع في مارس، وارتفعت وتيرة البحث في جوجل عن مفردات متعلقة بالأزمة المصرفية في مارس، لكنها أيضا تراجعت مرة أخرى. من الصعب القول لماذا يبدو الناس غير مبالين بهذا القدر، ربما بعد سنوات الجائحة والحرب تبدو الفوضى في الصناعة المصرفية مثل نزهة في حديقة، أو ربما يعتقد الناس أن الحكومات ستتدخل لحمايتهم.

يشعر العديد من الاقتصاديين بالقلق حول المشكلة الثانية المتمثلة في الائتمان، فإذا لم يكن بمستطاع الشركات الحصول على التمويل لا يمكنها أن تنمو بسهولة. في 22 مارس أشار جيروم باول رئيس بنك الاحتياط الفدرالي إلى وجود «أدبيات كثيرة جدا» عندما سئل عن الصلة بين أوضاع التشدد في الائتمان والنشاط الاقتصادي، ففي السنوات التي أعقبت الأزمة المالية العالمية (2007-2009) أوقفت أسواق الائتمان المختلَّة كلا من التعافي الاقتصادي في الأجل القصير ونمو الإنتاجية في الأجل الطويل. بعد انهيار بنك سيليكون فالي تجمدت أسواق المال فعليا، ففي الفترة من 11 إلى 19 مارس لم تُصدِر الشركات الأمريكية سندات جديدة بدرجة ائتمانية عالية بعدما كانت تصدر سندات بقيمة 5 بلايين دولار في المتوسط يوميا خلال يناير وفبراير، هذا الوضع أثار قلقا في أوساط المستثمرين والمحللينن لكن عددا أقل من الناس انتبه إلى أن السوق نشطت منذ ذلك الوقت، ففي الأيام الأخيرة جمعت شركة براون- فورمان للمشروبات وشركة نايسورْس لخدمات الغاز الطبيعي والكهرباء كميات كبيرة من الأموال من أسواق الديون، وعلى الرغم من ازدياد فروقات العائد على السندات قليلا بعد انهيار بنك سيليكون فالي إلا أنها تراجعت بدورها أيضا في الأيام الأخيرة، ربما توقفت الشركات لفترة وجيزة عن إصدار ديون (سندات) جديدة حتى تطمئن من الأوضاع. ومن المرجح كما يبدو أن مارس 2023 سيكون شهرا متوسطا فيما يتعلق بإصدار سندات الشركات، سيتضح على وجه اليقين تقريبا أن الضرر الذي لحق بالنظام المصرفي سيكون أبعد أثرا، فمنذ بداية مارس تدنَّت أسعار أسهم البنوك العالمية بحوالي السدسن وتشير الأدلة الأكاديمية إلى أن أسعار الأسهم المتراجعة تميل إلى الإضرار بنمو القروض، وقد تقلل البنوك أيضا من الإقراض إذا خرجت منها الودائع أو إذا احتاجت إلى زيادة رساميلها بسبب شك المستثمرين في سلامتها.

في الواقع تبدو البنوك حول العالم الغني متشددة سلفا في معايير الإقراض. فالضربة التي لحقت بالإقراض المصرفي تعني ضمنا خفض النمو بحوالي 0.4% في كلٍّ من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، بحسب ورقة جديدة أعدَّها بنك جولدمان ساكس. وربما أن تأثير اضطراب المصارف كان أشد وطأة على البنوك الأمريكية، لكن اقتصاد منطقة اليورو أكثر اعتمادا على الإقراض المصرفي، وذلك يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الخفض في نمو اقتصاد العالم من 2.5% إلى معدل أقرب لنقطتين مئويتين (2%). على الرغم من أن سلسلة الأحداث الأخيرة التي شهدتها البنوك ليست حدثا سارّا لكن من المستبعد أن تقود إلى تدهور اقتصاد العالم. صحيح يمكن أن تتدهور الأشياء، فاكتشاف بنك فاسد آخر من الممكن أن يتسبب في دوامة انحدار، والبنوك تحتاج إلى وقت لإعادة بناء ميزانياتها العمومية والإقراض، سيستمر ارتفاع أسعار الفائدة في عرقلة النمو إلى أن تقرر البنوك المركزية أن عملها الذي تعكف عليه الآن قد اكتمل، لكن هنالك قوى تعمل في الاتجاه الآخر، إحداها تعافي الصين، فخبراء الاقتصاد يتوقعون معدل نموٍّ لثاني أكبر اقتصاد في العالم يزيد عن 7% على أساس سنوي في الربع الثاني من هذا العام. في الأثناء اختفت اختناقات سلاسل التوريد تقريبا وهبطت أسعار الطاقة، لذلك يجب ألا يفاجأ أحد إذا استمرت المرونة غير العادية لاقتصاد العالم.