No Image
الاقتصادية

تمكين القطاع الخاص ورفع تنافسيته.. الحلقة الأساسية لحل قضية الباحثين عن عمل

28 مايو 2022
بعد تسهيل حصوله على الأعمال والتمويل الأنسب
28 مايو 2022

أولت رؤية عمان 2040 اهتمامًا واسعًا بالقطاع الخاص، إيمانا بأن النمو الاقتصادي المأمول تقوده شركات قوية وممكَّنَة، كما يعول على هذا القطاع أن يؤدي دوره في التنمية وخلق وظائف جديدة للشباب، عدا أن الشركات المحلية تواجه تحديًا يحول دون نموها لتأدية الأدوار المتوقعة منها، ومن أهمها محدودية الفرص والأعمال المتاحة في السوق إلى جانب صعوبة الحصول على التمويل ونسب الفائدة المرتفعة. وأكدت مجموعة من الخبراء في استطلاع لـ«عمان» على أهمية الإسراع في تأهيل الشركات المحلية، خاصة الصغيرة والمتوسطة وتمكينها من الحصول على التمويل بالتكلفة والاشتراطات المناسبة، وضمان عدم سيطرة الشركات الكبرى على فرص الأعمال والمشاريع المطروحة.

وقد شهدت حركة التوظيف في القطاع الخاص نشاطا نسبيا منذ بداية العام الجاري والمنصرم بعد تراجعها عقب تفشي الجائحة في عام 2020، فقد بلغ عدد الوظائف الجديدة في القطاع الخاص خلال أول شهرين من هذا العام نحو ٥٠ ألف وظيفة، وتزامن هذا النشاط مع تحسن مؤشرات التعمين في وظائف الإدارة الوسطى بالقطاع الخاص التي يشغلها عمانيون حيث ارتفع عدد شاغلي هذه الوظائف من المواطنين بنحو 10 آلاف خلال الفترة من بداية 2020 وحتى الوقت الحالي ليبلغ 41 ألف وظيفة. ومع تحقيق اقتصاد سلطنة عمان تعافيا ملموسا منذ عام 2021 فإنه من المؤمل أن يشهد القطاع الخاص المزيد من الدعم والتسهيلات التي تمكنه من المساهمة في تنمية الاقتصاد وبالتالي خلق فرص وظيفية جديدة.

تعليقًا على ذلك، قال د. أحمد بن عبدالكريم الهوتي عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان: القطاع الخاص بقدر ما يحتاج إلى قوانين وتشريعات فهو بحاجة أيضا إلى تحفيز ودعم، مشيرا إلى أنه لابد من تهيئة الظروف لخلق بيئة أعمال أكثر سهولة وجاذبية.

وقال الهوتي: إن محدودية الفرص والأعمال المتاحة في السوق، تجعل الشركات والمؤسسات لا تعمل بكفاءتها الكاملة، وذلك إلى جانب عدم وجود السيولة الكافية داخل الاقتصاد الذي يجعل الشركات تتنافس وتعمل بكفاءة عالية مما يمكنها من الوظائف. والاقتصاد العماني لا يزال يحتاج إلى التحفيز حتى يتمكن من منافسة أقرانه في الدول المجاورة وليخلق فرصا جديدة للشباب.

ويعد التمويل تحديًا كبيرًا تقف أمامه شركات القطاع الخاص، ويرجع الهوتي السبب في ذلك إلى نسبة الفائدة المرتفعة لتمويل المشاريع والشركات الأمر الذي يحد من قدرتها على التوسع، ووضع المزيد من الاستثمارات.

وقال: لابد من وضع برنامج جديد لتحفيز الشركات من خلال التمويل وتخفيض الفائدة وزيادة المدة الزمنية المقررة للسداد. موضحا أن ما يقارب 90 في المائة من القطاع الخاص اليوم تمثله المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وحتى تستطيع هذه المؤسسات أن تكبر وتساهم بالشكل المأمول منها، فإنه لابد من وجود برنامج حكومي بين القطاعين العام والخاص لتمكينها من التحول من شركات أحادية وفردية إلى شركات مساهمة عامة، وتقديم المساعدة لها لتصل إلى مستوى الشركات المتوسطة والكبيرة. مضيفًا أن الأمر يتطلب نظرة شمولية لوضع القطاع الخاص الحالي وتمكينه ليكون أفضل ويساهم في نهضة الاقتصاد.

وأكد عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان على أهمية تخفيف المنافسة على المؤسسات والشركات الخاصة.

الإسراع في تأهيل الشركات الصغيرة

ولنجاح الشركات المحلية وخاصة الصغيرة والمتوسطة، يقول د. يوسف بن حمد البلوشي، خبير اقتصادي: يجب الاهتمام ببيئات الأعمال بمكوناتها المختلفة، وأولها إمكانية الحصول على التمويل بالتكلفة والاشتراطات المناسبة، وقدرتها على الحصول على الأعمال، حيث لا تزال هناك سيطرة على الفرص المطروحة من قبل بعض الشركات الكبرى والقديمة.

وأوضح: يتوجب على المعنيين لتحقيق الأهداف المنشودة، الإسراع في تأهيل الشركات المحلية، خاصة الصغيرة والمتوسطة منها، فنيًا وإداريًا وتقنيًا، وتعزيز قُدرتها على مُحاكاة المواصفات والمقاييس العالمية، مع ضرورة التنبه جيدًا لعدم إغفال إقرار حُزمٍ لتحفيز وتنشيط الاقتصاد الوطني، تحمل في طياتها تصميم برنامج واضح لدعم الإنتاج المحلي والصادرات، ورفع المُحتوى التكنولوجي للصادرات الوطنية، بهدف توسعة القاعدة التصديرية، جنبًا إلى جنب مع الصادرات التقليدية، وذلك من خلال تقديم حوافز مادية، ضريبية أو جُمركية للشركات التي تزيد من الصادرات، وتلك التي تقوم بزيادة القيمة المُضافة، بالإضافة إلى تقديم حوافز مادية للشركات التي تقوم بتوظيف العُمانيين وإحلالهم محل القوى العاملة الوافدة. وأما بشأن الجانب التمويلي، فهُناك أهمية نحو توجيه الائتمان المحلي لهذا المسار بشكل خاص، والعملية الإنتاجية والقطاع الخاص بشكل عام.

ويقترح البلوشي إعفاء الشركات المحلية في مراحلها الأولى من رسوم التسجيل والضرائب، ومنحها حقوق الأفضلية في الحصول على الأعمال، خاصة وأن السلطنة تتقدم بخطى واثقة نحو التحول إلى اقتصاد إنتاجي قائم على الموارد الطبيعية سواء في قطاعات الزراعة والثروة السمكية والصناعة التحويلية واللوجستيات والسياحة، والكل يترقب أن يكون هناك حراك اقتصادي أكبر في المرحلة القادمة، وهو أمر من الصعب أن يتحقق دون حزم تحفيزية تقدم للشركات لرفع جاهزيتها وإمكانياتها لاقتناص فرص الأعمال الموجودة حاليًا أولا، من ثم القدرة على خلق وظائف في مرحلة متقدمة.

وقال: إن تفعيل القيمة المحلية المضافة يعزز من مشاركة هذه الشركات وتطويرها، ويمكن أن يتم ذلك من خلال «إلزام» الشركات الكبرى بإعطاء ما نسبته 10 بالمائة أو أكثر من عقود أعمالها للشركات المحلية. ولنجاح مساعي برنامج تعظيم القيمة المحلية المضافة، يجب أن يحظى برعاية خاصة، واتخاذ تدابير معينة لنجاحه، وحُسن تنظيم وإدارة بعض المُبادرات كالشراء التعاقدي، فضلًا عن ضرورة حماية المُنتجات المحلية من السلع والخدمات، وتعزيز تنافسيتها أمام مثيلاتها المُستوردة، فهذا الأمر مشروع في المُمارسات التجارية الدولية، وهُناك العديد من الوسائل والسياسات الضريبية وغير الضريبية القادرة على تحقيق هذا الهدف.

وأكد قائلًا: إن نجاحنا في المستقبل مرتبط بدرجة كبيرة بقدرتنا على صناعة بيئة الأعمال المواتية لجميع القطاعات والصناعات لتزدهر وأن نكون قادرين على التواصل مع العالم ونكون جزءا من سلاسل الإنتاج والإمداد العالمية، والأهم من ذلك قدرتنا على أن نبعث الإرادة والعزيمة في نفوس شبابنا وشاباتنا للتقدم والتعامل مع تحديات بناء نهضة عمان المتجددة.

المزيد من التحفيز الإعفاءات

ويرى علي بن سالم الحجري، رئيس مجلس إدارة فرع الغرفة بمحافظة شمال الشرقية، أن بيئة الأعمال بحاجة إلى المزيد من تسهيل إجراءات الاستثمار وتبسيط العمليات والأمور الفنية والإدارية المتعلقة بالأنشطة التجارية وجعلها في متناول شركات ومؤسسات القطاع الخاص بالإضافة إلى تسهيل الموارد المالية بمعنى إتاحة المجال لتوسعة مشاريع القطاع الخاص من خلال إطلاق حزمة من القروض وأن تعطى المؤسسات مهلة للسداد ووضع إعفاءات تعمل على مساندة أصحاب الأعمال وتشجيع رواد الأعمال للانخراط في مختلف بيئات العمل بدون مواجهة أية عراقيل أو تحديات تحول دون الفرص

ويقول الحجري: إنه من الأهمية تخفيف تلك الاشتراطات المالية حتى يتمكن صاحب العمل من اقتناص الفرص بالإضافة إلى إعطاء الشركات فترات أطول للسداد مع ضمانات مالية حتى تتمكن من رفع مستوى خدماتها ومنتجاتها وتعمل على عمليات الاستيراد والتصدير بشكل أوسع وكذلك لتتمكن من الدخول في الأسواق وبيع منتجاتها لتحصل على جدوى مشروعها واستثمارها. حيث إن شركات القطاع الخاص تمارس عملها ونشاطها في قطاعات حيوية وهامة وتستند إلى استراتيجيات وخطط وتوجهات هادفة ولديها خطط طموحة في القطاع الاقتصادي والاستثماري وتحتاج إلى مزيد من الدعم ووضع الحوافز التي تهيئ لها مزيداً من النمو والتوسع محليا وإقليميا.

وفور توفر الحوافز والمكافآت والبرامج التطويرية والتأهيلية، يقول الحجري: إن القطاع الخاص سيتمكن من جذب أكبر عدد من الشباب كونه قطاعا واعدا ويضم مجالات يرغب الشباب في العمل بها وهو قطاع متجدد ومنتج وفي الوقت الحالي وباستطاعته ضم مجموعة كبيرة من الباحثين عن عمل ونأمل أن يشهد مزيدا من التطوير من خلال منحه مزيدا من التسهيلات والعوامل التي يحتاجها.

غياب تنافسية السوق في المنطقة ككل

وعدم نضج القطاع الخاص بالصورة الكافية التي تسمح له بتوظيف الشباب ليس شأنًا محليًا فقط، فقد أكد تقرير حديث أعده خبراء البنك الدولي أن السبب الرئيسي لنشوء التحدي المتمثل في عدم خلق فرص العمل الكافية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ككل هو غياب تنافسية السوق. وأن حكومات بلدان المنطقة نشطة في العديد من القطاعات الاقتصادية من خلال الشركات المملوكة للدولة. موضحًا أن مجرد وجود تلك الشركات المملوكة للدولة قد لا يشكل مسألة رئيسية إذا تهيأت فرص متكافئة في السوق، عدا أنها تلقى في بعض الأحيان معاملة تفضيلية وتعفى من قوانين المنافسة التي تنظم الشركات الخاصة.

وتوصل خبراء البنك إلى أن عدد الوظائف وجودتها يتوقفان على سهولة دخول الشركات إلى الاقتصاد ونموها، أي ما يسمى بالتنافسية في السوق. وتفتقر معظم اقتصادات دول المنطقة إلى التنافسية مما يجعل من الصعب على الشركات الجديدة أن تبدأ وتتوسع، وبالتالي لا يمكن أن تنمو القوى العاملة بسرعة كافية لمواكبة نمو السكان في سن العمل.

وأوضح أن الديناميكية المحدودة للسوق وضعف القدرات اللازمة لخلق فرص العمل ما زالا يعملان على تقويض القطاع الخاص. ففي عام 2019، كان 6 بالمائة فقط من الشركات التي شملتها المسوح في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا شركات ناشئة (عمرها 5 سنوات على الأكثر)، وانخفضت تلك النسبة في المتوسط بين عامي 2012 و2019. بالإضافة إلى ذلك فإن نسبة منخفضة من شركات القطاع الخاص في المنطقة تستثمر في رأس المال المادي (الأصول الثابتة) أو في قواها العاملة، ولم تستثمر سوى شركة واحدة فقط من بين كل 4 شركات في المتوسط في رأس المال المادي حتى عام 2019. كما أن حجم الإنفاق على البحوث والتطوير بالمنطقة منخفض وآخذ في التراجع.

وأوصى التقرير بالتركيز أولا على القطاعات الناشئة التي لا يوجد فيها سوى عدد قليل من الشركات، وحيث تتمتع جماعات المصالح بسلطة أقل، ومن ثم يقل تعطل العمال الحاليين وأصحاب المصالح المكتسبة. ويمكن أن يسهل هذا التركيز ظهور مهن جديدة، أو مكملة للوظائف القائمة. فالاقتصاد الرقمي والأخضر مثالان جيدان على القطاعات الجديدة الآخذة في الظهور على وجه السرعة حيث يمكن للإصلاحات الإضافية لأن تبدأ تحولات هيكلية.