الاقتصادية

الشفافية ترسي أسسا قوية لتحقيق الاستدامة المالية كأحد ممكنات «رؤية عمان 2040»

10 مايو 2021
10 مايو 2021

تشكل إجراءات إعادة الهيكلة المالية الجارية حاليا مكونًا أساسيا في جهود تعزيز التنويع الاقتصادي والاستغناء بشكل نهائي عن الاعتماد على إيرادات النفط، لذلـك فـإن المضـي قدمـا في تطبيق السياسات والإجراءات التي تضمنتها خطـة التوازن المالي متوسطة المدى، وعلـى الرغـم مـن الآثـار الاجتماعيـة والاقتصاديـة المؤقتـة التـي قـد تصاحبهـا، إلا أنهـا ستسـاهم فـي نجاح تحقيق الاستدامة المالية كأحد ممكنات «رؤية عمان ٢٠٤٠» من خلال تحسـين المركـز المالـي للسـلطنة وخفـض الدين العـام، ورفع التصنيـف الائتمانـي للسـلطنة، وكذلك قدرتها علـى توفير منـاخ تنافسـي للاسـتثمارات والمشـروعات التـي تفتح البـاب أمـام توفيـر فـرص عمـل تسـتوعب نسـبة كبيـرة مـن الباحثيـن عن عمـل، كما سـتمكن المستثمرين ورواد الأعمـال مـن تطويـر أعمالهـم التجاريـة، ومـا يعنيـه ذلـك مـن تحقيـق معـدلات نمـو اقتصـادي أعلـى وتعزيـز الإنتـاج والتصديـر والمضـي فـي مسـار الرفـاه الاجتماعـي المستهدف وفق الرؤية المستقبلية للسلطنة.

تهدف هذه الإجراءات إلى توسيع روافد الإيرادات غير النفطية كمصدر مستدام للمالية العامة، وبدءًا من أبريل 2021 تم تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمائة على بعض السلع والخدمات ومن المتوقع أن تساهم هذه الضريبة في تعزيز الإيرادات العامة بما يعادل نحو 1,5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة، وبالتوازي مع جهود التوازن المالي، تبدو المالية العامة ملتزمة بشكل جيد بجهود الترشيد وخفض العجز المالي والدين العام.

وحسب بيانات وزارة المالية سجلت الميزانية العامة للدولة تراجعا في الإنفاق العام خلال العام الجاري، وأعلنت السلطنة عن تخصيص بند خاص في الميزانية لخدمة الدين العام مع تخصيص 1,2 مليار ريال عماني لهذا البند ويتم سدادها وفق الجدول الزمني المعتمد، ويصل حجم العجز المالي لهذا العام نحو 2,2 مليار ريال عماني ويتم تمويله عبر الاقتراض الخارجي والمحلي، مع سداد نحو ملياري ريال عماني من أصل القروض مما يضع إجمالي الاحتياجات التمويلية لهذا العام عند نحو 4,2 مليار ريال عماني، وبينما يمكن أن يخفف تعافي أسعار النفط حاليا نسبيا من حجم العجز المالي لكن تظل أعباء التمويل عند مستوى مرتفع مما يقتضي المضي قدما في خطة التوازن المالي التي تستهدف أيضا إعادة توجيه دعم الطاقة والوقود وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية في الوقت نفسه.

وعلى مدى السنوات الماضية ومنذ تراجع النفط في عام 2014 اتخذت السلطنة نهجا تدريجيا في التكيف مع تبعات أزمة تراجع النفط حيث تم خفض الإنفاق الحكومي مع زيادة مصادر الإيرادات غير النفطية وتعديل ضريبة الدخل على الشركات ورفع بعض الرسوم الحكومية، فضلا عن إعادة توجيه الدعم الحكومي، وحسب ما أعلنته الحكومة رسميا فإن 20 بالمائة من الآثار المالية التي أنجزتها جهود التكيف المالي جاءت بدعم من الإيرادات غير النفطية.

من ناحية أخرى، من المقدر أن يبلغ إجمالي الأثر المالي للإجراءات المتخذة في خطة التوازن المالي خلال عام 2021م نحو 3.5 مليار ريال عماني، وذلك من خلال حصيلة ضريبة القيمة المضافة، وتحسين العائد من الاستثمارات الحكومية، وتوسيع وعاء الضريبة الانتقائية وتحسين التحصيل الضريبي. وقدرت الإيرادات غير النفطية لعام 2021م بنحو 3.2 مليار ريال عماني وبنسبة 37 بالمائة من إجمالي الإيرادات، منها إيرادات ضريبية بنسبة 51 بالمائة، و49 بالمائة إيرادات غير ضريبية، مرتفعة بنسبة 33 بالمائة عن المتوقعة لعام 2020م، مع الأخذ في الاعتبار النتائج الفعلية للعامين 2018م و2019م والنتائج المتوقعة لعام 2020م التي تأثرت بجائحة كورونا من حيث النشاط الاقتصادي وانعكاسه على الضرائب والرسوم المتوقع تحصيلها.

وبشكل تفصيلي، من المتوقع أن تبلغ الإيرادات من ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية نحو 413 مليون ريال عماني في العام الجاري، مرتفعة بمعدل أربعة أضعاف عن المقدر في عام 2020م وهو 100 مليون ريال عماني.

كما من المتوقع أن تبلغ الإيرادات المحصلة من ضريبة الدخل - على الشركات والمؤسسات - في عام 2021م، نحو 400 مليون ريال عماني بتراجع نسبته 27 بالمائة عن المتوقع تحصيله في عام 2020، ويعزى ذلك إلى التأثر بالوضع الاقتصادي في العام الماضي، وإلى التأثير المباشر لجائحة كورونا، وأن تبلغ إيرادات الحكومة من خلال توريد توزيعات أرباح جهاز الاستثمار العماني في عام 2021 نحو 800 مليون ريال.

وتم تقدير الإيرادات الرأسمالية بنحو 200 مليون ريال عماني في العام الجاري، وأن قيمة الاستردادات الرأسمالية تبلغ نحو 20 مليون ريال عماني، حتى الآن حققت جهود إعادة هيكلة المالية نتائج جيدة ويجري تنفيذ خطة التوازن المالي متوسطة المدى بشكل حثيث وهو ما أثمر عن خطوة أولى على طريق تحسين التصنيف الائتماني، فبعد تخفيضات متوالية للتصنيف الائتماني للسلطنة أبقت وكالة ستاندرد اند بورز على تصنيف السلطنة السابق مع نظرة مستقبلية مستقرة.

وقدمت وزارة المالية خلال العام الجاري مبادرة جيدة للغاية فيما يتعلق بالإعلان بشفافية عن تطورات الوضع المالي من خلال نشرة الأداء المالي الشهرية والتي تقدم رصدًا لتطور الوضع المالي وحجم الدين العام وعمليات سداد القروض، ويجد التوجه نحو الشفافية الكاملة فيما يتعلق بالوضع المالي دعما إضافيا من البيانات الدورية التي يتم إعلانها من قبل البنك المركزي العماني والمركز الوطني للإحصاء والمعلومات.

وخلال الفترة الماضية شهدنا بعض المؤشرات التي ترصد تقدم جهود الاستدامة المالية خاصة فيما يتعلق بترشيد الإنفاق وخفض المصروفات ودعم الاحتياطي العام والأصول الأجنبية للسلطنة وما قد يتبع ذلك من تحسن النظرة المستقبلية لاقتصاد السلطنة. في الوقت نفسه، يتزامن تنفيذ خطة التوازن المالي مـع تبني عدد مـن البرامـج والإجـراءات الاقتصادية التـي تستهـدف تحسـين بيئـة الأعمـال وتحفيز الاسـتثمارات وفي هذا الصدد فقد تم إعلان أكبر خطة تحفيز اقتصادي في السلطنة للعمل على تعافي وتنشيط القطاع الخاص وزيادة النمو الاقتصادي.