No Image
الاقتصادية

اقتصاد العالم - توقُّعات أفضل !

27 يناير 2023
27 يناير 2023

كريس جايلز- الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

أحيانا التفاؤل يمكن أن يكون مُعدِيا. فالمزاج المتفائل في الأسواق المالية حيث شهدت أسواق الأسهم العالمية ارتفاعا بحوالي 4% في الأسابيع الثلاثة الأولى من هذا العام انتقل إلى أجواء المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. انقسمت الآراء في هذا التجمع السنوي لنُخَب الأعمال والاقتصاد والسياسة بمنتجع دافوس في جبال الألب السويسرية هذا العام. لكنه كان مكانا مثاليا لقياس درجة حرارة المشاعر الاقتصادية. الرأي المُجمَع عليه كما بدا أن الأوضاع بدأت تخرج من وَهْدَتِها وأنها تتحسَّن.

ثلاث مُبشِّرات

لقد توقع العديدون أن يشهد العام الجديد استمرار آثار الحرب الروسية الأوكرانية والضعف الاقتصادي الصيني والآثار المدمرة لارتفاع أسعار الطاقة والغذاء على مستويات المعيشة حول العالم. بدلا عن ذلك جاءت الوفود إلى دافوس كي تهلِّل لثلاث تطورات تحسِّن النظرة المستقبلية لاقتصاد العالم. أولا، قرار الصين بإنهاء سياسة صفر كوفيد أنعشت الآمال بعودة النمو في واحدة من أكبر ثلاث مناطق اقتصادية في العالم. ثانيا، من المتوقع أن يقود انخفاض أسعار الجملة للغاز الطبيعي بنسبة 80% إلى تعافي منطقة اقتصادية كبيرة ثانية هي أوروبا. ثالثا وأخيرا، من المتوقع أن يحرِّك "قانون خفض التضخم" الذي أتاح دعما ماليا ضخما للانتقال إلى الطاقة الخضراء اقتصادَ منطقةٍ اقتصادية عالمية قائدة في أمريكا الشمالية.

تفاؤل قادة الأعمال والساسة

شعر قادة أعمال عديدون بتحوُّل في حظوظ شركاتهم منذ شهور قليلة مضت. ففي جلسة كان من المفترض أن تناقش كلفة أزمة المعيشة قال آلان جوب الرئيس التنفيذي لشركة يونيليفر أن شركته تستعد لإنفاق "انتقامِي" من المستهلكين الصينيين الذين كدسوا مدخرات طوال السنوات الثلاث لإغلاقات كوفيد-19.

وقالت فيكي هولوب الرئيس التنفيذي لشركة النفط الأمريكية أوكسيدنتال أن مخصصات دعم الموارد الخضراء في قانون خفض التضخم سيسمح باستثمارات كبيرة في احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون وذلك شيء إيجابي للنمو والمناخ. وتصف إجازة هذا القانون بأنها "إحدى الأحداث التشريعية الأكثر تغييرا على الإطلاق في العالم." فهي "ستطلق أشياء كثيرة من عقالها."

قادة الأعمال الأوروبيون أكثر حذرا في التفاؤل. كريستيان سيفينغ الرئيس التنفيذي لبنك دويتشه الألماني تحدث عن بعض ما أسماه " المزيد من التفاؤل تجاه الاقتصاد." وقال جان مارك أولانيير الرئيس التنفيذي لشركة آكسنتشر في أوروبا أن معظم رؤساء الشركات الأوروبية "متفائلين بشأن السنة الحالية بعدما (نجحوا) في أن يكونوا أكثر مرونة. "

لكن التوقع العام الآن هو أننا سنشهد نموا وليس ذلك الانكماش الكبير في أوروبا الذي تنبأت به معظم التوقعات قبل أسابيع قليلة فقط.

وسرعان من أبدى القادة السياسيون اهتماما بهذا التفاؤل. فقد توقع المستشار الألماني أولاف شولتز أن تتجنب بلاده انكماشا فيما وعدت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية بالتخفيف من القواعد التي تحكم مساعدات الدولة لتسريع انتقال أوروبا نحو الطاقة النظيفة. ونسبت دير لاين إلى المفوضية تحت قيادتها فضل هبوط أسعار الغاز الطبيعي. فقد خاطبت الحضور في القاعة الرئيسية للمنتدى بقولها "من خلال الجهود الجماعية خفضنا أسعار الغاز بأسرع مما توقع أي أحد." أيضا تحسنت توقعات اقتصاد بريطانيا مع رخص أسعار الغاز الطبيعي حسبما ذكر ذلك آندرو بيلي محافظ البنك المركزي البريطاني هذا الأسبوع في زيارة له إلى ويلز.

لكن تصريحات الأوروبيين طغى عليها ما قاله ليو هي، نائب رئيس وزراء الصين والذي توقع تعافي النمو في بلاده من المعدل الفاتر (3%) إلى معدل أكبر (5.5%). وأبهج ليو هي قادة الأعمال الأمريكيين في حفل غداء خاص عندما أعلن أن "الصين عائدة."

جوزيف سيكيلا وزير الصناعة التشيكي قال الوضع الآن مقارنة بالخريف الماضي "مثل الجنة في مقابل الجحيم". وأضاف " حسنا الجنة ليست متاحة على نحو ما كانت عليه قبل (الحرب الروسية الأوكرانية). لكنها متاحة" على أية حال.

المنظمات الدولية

إذا كانت مثل هذه التعليقات تختص ببلدان معينة وغير منتظمة يمكن للمرء أيضا أن يستمع إلى المنظمات الدولية التي قررت تغيير توقعاتها حول الاقتصاد العالمي.

صندوق النقد الدولي الذي ذكر في بداية السنة أن عام 2023 ستكون أشد قسوة من 2022 أشار إلى تغيير في اتجاه الأوضاع. كريستالينا جورجيفا مديرة الصندوق قالت إن رسالتها الجديدة هي أن الأمور "أقل سوءا مما خشينا قبل شهرين." ونوهت بأن صندوق النقد الدولي سيصدر تقريرا بتوقعات جديدة ومحسَّنة قريبا. لكنها حذرت من توقع "تحسن مثير".

في الأثناء توقعت وكالة الطاقة الدولية في باريس طلبا قياسيا على النفط في هذا العام وأن "الصين ستكون مصدر ما يقرب من نصف مكاسب الطلب عقب رفعها قيود كوفيد-19". كما توقعت الوكالة أيضا استمرار الارتفاع في انتاج وقود الطائرات لمقابلة التعافي السريع في السفر الدولي.

حتى بعض الأصوات الأكثر تشاؤما في العام الماضي شعرت بحاجتها إلى التلطيف من تشاؤمها. لاري سمرز الأستاذ بمدرسة هارفارد كنيدي ووزير الخزانة الأمريكية السابق أنهي العام محذرا من حدوث انكماش وارتفاع البطالة في الولايات المتحدة. لكنه يوم الجمعة ذكر لوفود المنتدى أنه يشعر"ببعض الارتياح." فانخفاض أسعار الطاقة وتراجع الشعبوية ومؤشرات انخفاض التضخم وعودة نشاط اقتصاد الصين كلها عوامل ستساعد على تجنب الانكماشات في اقتصادات عديدة حول العالم. وقال "يجب أن نشعر أننا الآن أفضل من حالنا قبل شهور قليلة."

لمسؤولي البنوك المركزية رأي آخر

لكن في كل حفل تقريبا هنالك مفسدون. ففي دافوس وغير دافوس كان مسئولو البنوك المركزية هم من يطالبون بالكف عن التفاؤل. يقر هؤلاء المسئولون بوجوب الترحيب بتحسن التوقعات. لكنهم يعتقدون أن المزيد من الإنفاق السخي سيعقِّد الجهود المستمرة لمكافحة التضخم.

حثَّت لايَل برينارد نائبة رئيس بنك الاحتياط الفدرالي على التحلي بالعزم والصبر على ارتفاع أسعار الفائدة (لبعض الوقت لتهدئة التضخم). وقالت كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي "البقاء في المسار" أهم من أي وقت آخر.

معدلات التضخم الأساسي تشهد هبوطا. وستهبط بسرعة في العام الحالي. لكن ما يقلق مسئولي البنوك المركزية أن المقاييس الأساسية للتضخم لا تهبط بنفس السرعة وأن الضغوط التضخمية لاتزال قوية ويمكن أن تشكل عائقا أمام العودة إلى استقرار الأسعار عند معدلات تضخم قريبة من 2%.

قادة الأعمال أيضا ليسوا بالسذاجة التي تجعلهم يعتقدون أن مسئولي البنوك المركزية سيلزمهم الاجتهاد لخفض التضخم على نحو مستدام في العام الحالي.

حذر زياد هندو المسئول الأول عن الاستثمار في صندوق معاشات تقاعد معلمي مقاطعة آنتاريو الكندية والذي يملك أصولا بقيمة 250 بليون دولار كندي (268.2 بليون دولار أمريكي) من أن تحسن الاقتصاد قد يرفع الأسعار بأعلى مما هي عليه. ويقول " إعادة فتح اقتصاد الصين خبر جيد لاقتصاد العالم. لكن التباطؤ الكبير في العام الماضي كان سببا كبيرا لتراجع أسعار السلع وقد عاد الآن. وسيضغط على التضخم مرة أخرى."

إلى ذلك، حذرت كريستين لاجارد الحكومات في أوروبا من "تنغيص حياتها" بزيادة دعمها المالي للشركات والمستهلكين، كما وعدت أورسولا فون دير لاين بذلك. تقول لاجارد "سنفعل ما هو ضروري (بالنسبة لأسعار الفائدة). نحن لا نريد أن نُدفَع إلى فعل ما هو أكثر من الضروري."

النمو في الأجل الطويل

وفي حين تبدو التوقعات الفورية أكثر إيجابية مما في السابق كان الإجماع أقل بكثير في دافوس حول أسئلة الأجل الطويل المتعلقة بكيفية ترسيخ آفاق أفضل للنمو ولمستويات المعيشة والاستدامة.

رحَّب قادة الأعمال والاقتصاد بالتقدم في قطاع الشركات في مجال المناخ. بعضهم كان متفائلا بأن النمو في الأجل القصير قد تقوده الاستثمارات في الطاقة النظيفة.

ثارمان شانموجاراتنام أحد كبار الوزراء في سنغافورة يرى أن زيادة استثمار مؤسسات الأعمال في تقنية الطاقة الخضراء يمكن أن "تكون محفزا ضخما للنمو".

لكن آخرين يشعرون بالقلق من احتمال أن تبدأ ضغوط الأجل القصير في الهيمنة مجددا على عالم لا يزال من المرجح أن تطغى عليه صدمات كبيرة مما يحدُّ من التحول إلى الطاقة الخضراء وبناء المرونة في سلاسل التوريد وقطاعات الأعمال الأخرى.

يقول لاري سمرز أن أفضل طريقة لضمان انتظام الأداء الاقتصادي للنظام الاقتصادي هو استمرار الإيمان بالمؤسسات التي تشكل ركائزا للنظام الاقتصادي العالمي. يقول "المؤسسات الأفضل التي تحرِّك الموارد على نحو أفضل وبقدر أكبر من الكفاءة أكثر أهمية من تخصيص المزيد من الموارد لأية أولوية محددة."

سؤال آخر يتعلق بالأجل الطويل وهو مدى جدية الصين في تعهدها بالولاء للنظام الاقتصادي العالمي.

معظم قادة الأعمال الذين استمعوا إلى نائب رئيس الوزراء هو ليو، وهو أهم مسئول اقتصادي كبير في الحكومة الصينية، اقتنعوا بالرسالة التي نقلها وهي أنه يريد الارتباط مجددا بالاقتصادات المتقدمة.

لكن من المتوقع أن يترجَّل ليو عن منصبه هذا العام والمعلقون الأكثر ضجرا من التصريحات الصينية يرتابون في أن يكون هنالك تغيير كبير. يقول مارك ويليامز كبير الاقتصاديين المختصين بشئون آسيا في شركة أبحاث الاقتصاد الكلي كابيتال إيكونوميكس أن المسئولين الصينيين " في كل مرة يزورون المنتجع الجبلي السويسري يقولون أشياء شبيهة. لكن الشركات العاملة في الصين تقول العمل هناك يزداد صعوبة."

أيضا تتعرض دوافع الولايات المتحدة لفحص دقيق. فهل حظر واشنطن تصدير الرقائق الإلكترونية المتقدمة تقنيا إلى الصين يهدف إلى تقويض التقدم الاقتصادي لذلك البلد؟ وهل الدافع الحقيقي لقانون خفض التضخم جزء من سياسة حمائية محضة القصد منها تقدم أمريكا على حساب أوروبا؟

مع عدم وضوح طموحات أكبر اقتصادَين في العالم حذر كبار المراقبين من أن تشظي العلاقات الاقتصادية العالمية ووقف تدفقات التجارة قد يعكران صفو المزاج الاقتصادي في هذا العام وما بعده.

تقول كريستالينا جورجيفا "كيفية تعاملنا مع أمن سلاسل التوريد مسألة بالغة الأهمية." وتضيف " إذا صرنا مثل الفيل في متجر الخزف وحطمنا التجارة التي ظلت محركا للنمو على مدى عقود عديدة يمكن أن تصل التكلفة إلى خسارة 7% من الناتج المحلي الإجمالي أو ما يساوي 7 تريليون دولار أمريكي ". وكانت رسالتها إلى القادة هي "حافظوا على تكامل الاقتصاد العالمي لفائدتنا كُلِّنَا."