هل تخدم الثورة الصناعية الرابعة الاستدامة؟

05 مايو 2021
05 مايو 2021

يخبرنا قادة وادي السيليكون أن الثورة الصناعية الرابعة سوف تجلب فوائد لا توصف وهم يقولون إن تلك الثورة المتصاعدة حاليًا يحركها الذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى ويحذرون أننا سوف نتخلف عن الركب لو لم نلتزم بالبرنامج.

هذه الفوضى –التي تعكس كذلك تأثير علم الروبوتات والتقنية الحيوية وتقنية النانو والجيل الخامس وإنترنت الأشياء- هي ثورة ذات أغراض عامة فقادتها وداعميهم يعدون أنها سوف تساعد المجتمعات على التصدي للتغير المناخي ومعالجة الفقر وعدم المساواة ووقف الخسارة الكبيرة للتنوع البيئي. من الممكن أن تحدث الثورة على هذا النحو وربما لا. لو نظرنا إلى أحدث ثورة رقمية التي جلبت لنا جوجل وفيسبوك وتويتر وغيرّت تدفق المعلومات حول العالم لوجدنا انه في البداية فإن القدرة على التواصل مع الآخرين من خلال الإنترنت وإنشاء ومشاركة المحتوى الرقمي بسلاسة من خلال شبكات اجتماعية افتراضية متزايدة بدت وكأنها أشياء مفيدة بشكل لا لبس فيه. لكن اليوم، التدفق العالمي للمعلومات المضللة من خلال تلك المنصات يعني أن إدارة جائحة كوفيد-19 والتصدي للتغير المناخي قد أصحبت أكثر صعوبة وقلة من الناس فقط أدركت ما كان يحصل ولكن بعد فوات الأوان، والآن نحن نتعامل مع التداعيات.

إذن، كيف يمكن للمجتمعات التقليل من خطر الاستخدام غير المقصود أو الجاهل أو الضار بشكل متعمد للجيل التقني القادم؟

لقد ركزّ عملي بشكل متزايد على تصادم عالمين. يتألف الغلاف التقني من الأشياء التي صنعها البشر التي تشكل ما يقدر بثلاثين تريليون طن أو خمسين كيلوجرام (110 أرطل) لكل متر مربع من سطح الأرض. إن الغلاف الحيوي هو طبقة رقيقة تتشبث بسطح الأرض، حيث تزدهر الحياة وحيث يتمتع البشر بمناخ مستقر نسبيًا يمتد لعشرة آلاف سنة.

لقد أصبحت مهتمًا بالعلاقة بين هذين العالمين عندما كنت استكشف نمو أنظمة الإنذار المبكر العالمية شبه الآلية فيما يتعلق بالسيطرة على الأمراض، حيث جعلني ذلك أقدر عمق قدرة التقنية على تغيير السلوك البشري والتنظيمي والآلي وأحيانا فإن ذلك النفوذ متسلسل وبسيط ومباشر ولكن غالبًا ما تكون تأثيرات التغير التقني غير مباشرة فهي تتحرك من خلال شبكات معقدة من السببية وتصبح ظاهرة لنا فقط بعد فترة طويلة ووسائل التواصل الاجتماعي هي مثال جيد في هذا الخصوص. ان الغلاف التقني موجود في كل مكان حولنا وهو على المسار الصحيح؛ لأن يصبح ما يطلق عليه "البنية الأساسية المعرفية" مع القدرة على معالجة المعلومات والتفاهم والتذكر والتعلم وحل المشاكل واحيانا حتى اتخاذ القرارات بأقل درجة ممكنة من التدخل البشري وذلك من خلال زيادة الأتمتة والتعلم الآلي.

طبقًا للتطور فإن هذا قد يشكل قفزة هائلة ولكن القرارات المتعلقة بتصميم وتوجه الغلاف الحيوي يجب أن تعكس الأهداف الاجتماعية وحالة الكوكب وعليه فإن بناء مستقبل أكثر استدامة يتطلب منا إعادة التفكير ببعض الافتراضات الراسخة عن دور التقنية والذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص. إن الأمر الضروري الأهم قد يكون توسيع الطرح السائد المتعلق بقدرة الذكاء الاصطناعي على التصدي للتغير المناخي فهذا الطرح في أبسط أشكاله يركّز على استخدام الذكاء الاصطناعي لتوقع المناخ أو تحسين كفاءة أنظمة الطاقة أو التدفقات المرورية ولكن النظام المناخي مرتبط بشكل أساسي بالغلاف الحيوي بتنوعه البيئي والغابات والمحيطات والأنظمة الأيكولوجية الزراعية.

إن تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول للتصدي لتحديات الاستدامة الملحة تتطلب تبني هذا الرابط مع الكوكب الحي ودورنا فيه. بالإضافة إلى ذلك فإن تأطير مساهمة الذكاء الاصطناعي طبقا للتحسين والفعالية هو الطريقة الخطأ من أجل تعزيز المرونة طويلة الأمد للناس والكوكب. إن المرونة-القدرة على النهوض مجددًا بعد حدوث الصدمات والتأقلم مع الظروف المتغيرة-تتطلب التنوع والوفرة. إن مدينة بطريق رئيسي واحد يمر من خلال مركزها هي مدينة معرضة للازدحام المروري لو تعرضت لفيضانات مفاجئة أو هجمات إرهابية. إن المدينة التي لديها العديد من الطرق من مكان لآخر هي مدينة اكثر مرونة. إن الأنظمة التي يتم تحسينها من أجل الزيادة القصوى للإنتاج (مثل محصول معين) معرضة للصدمات والظروف المتغيرة. إن تحسين الأرض الزراعية من أجل الزيادة القصوى في المحاصيل باستخدام التحاليل التنبؤية والأتمتة هي استراتيجية مغرية ولكنها قد تسرّع من خسارة المعرفة الأيكولوجية المحلية وتزيد من عدم المساواة الحالي بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على محصول واحد استجابة لضغوطات تجارية. إن إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في التعامل مع التغير المناخي يكمن ليس في تحسين الأنظمة ولكن في تعزيز قدرة الناس على أن يصبحوا حماة للغلاف الحيوي علمًا إننا بحاجة لمثل هذه النظرة الأشمل بشكل ملح اليوم ولكن هناك خطران كبيران في سعينا لتوجيه الآلات الذكية لتعزيز حماية الغلاف الحيوي. أولا: الضجة الإعلامية فبينما تزداد الضغوط على كوكبنا والنظام المناخي، سيزداد الأمل بأن حلول الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد في "حل" التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية العميقة جدًا . ان معرفتنا بمدى قدرة الذكاء الاصطناعي الفعلية على تقديم فوائد مناخية كبيرة (ولمن) هي معرفة محدودة والتقييمات الحالية هي غالبا ما تكون متفائلة للغاية إذا أخذنا بعين الاعتبار ما نعرفه عن التطور التقني. يجب أن يتم التحقق من جميع الادعاءات بشكل حثيث ومستقل بينما تتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتنتشر مع مرور الوقت.

الخطر الثاني هو التعجيل وتسريع الأمور فاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتعلقة بها مثل إنترنت الأشياء والجيل الخامس وعلم الروبوتات قد يؤدي إلى خسارة أسرع لمرونة الغلاف الحيوي وإلى زيادة استخراج الوقود الأحفوري والمواد الخام والتي تدعم تلك التقنيات فعلى سبيل المثال فإن شركات النفط والغاز تسعى بشكل متزايد لتخفيض النفقات من خلال الرقمنة وطبقًا لأحد التقديرات فإن سوق الخدمات الرقمية في قطاع الوقود الأحفوري يمكن أن ينمو بنسبة 500% في السنوات الخمس القادمة مما يوفّر على منتجي النفط حوالي 150 مليار دولار أمريكي سنويًا. تتمتع الرقمنة والأتمتة والذكاء الاصطناعي بإمكانيات غير مستغلة لتعزيز الاستدامة وتحسين استخدام الموارد ونحن بحاجة من أجل تسخير الثورة الصناعية الرابعة لتحقيق الاستدامة إلى البدء الآن في توجيه تقنياتها بشكل أفضل وأقوى.

** نائب مدير مركز ستوكهولم للصمود في جامعة ستوكهولم، ومدير البرنامج في معهد بيجير للاقتصاد البيئي في الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم.

** خدمة بروجيكت سنديكيت