هل تأخرنا بشأن مسندم؟ تساؤل لدواعي الانتقال لمستقبلها الوطني المعاصر

16 يونيو 2021
16 يونيو 2021

هذا المقال يساهم في إثراء النقاش السياسي بشأن محافظة مسندم من حيث الواقع .. وما يستوجبه المستقبل من منظورين، الحاضر بمداه الأقل من المتوسط الأجل، والمستقبل بمداه لعشر سنوات، سواء على صعيد ترابها الوطني أو في إطار خصوصية موقعها وتحدياته الإقليمية، فمسندم تبدو لنا من الآن أكبر من كونها محافظة متلقية لمشروعات تطوير، تأخرت عنها طويلا، إلى مصدرة للسيولة المالية مستقبلًا لخزينة الدولة، فهي مشروع اقتصاد قائم بذاته، بخصوصية جغرافيتها، وموقعها الجيواستراتيجي.

فلو تعاطينا مع مسندم من المدى الزمني الأول -أي الأقل من المتوسط- فإن الحاجة الوطنية العاجلة من منظورها الجهوي، يكمن في بعدين أساسيين، الأول زمني، وهو يتعلق في الإسراع في بلورة المشروعات الجديدة والقديمة، وفي أقرب وقت ممكن، والثاني، انعكاساتها على المجتمع في مدى زمني منظور، وبهاجس وطني ينبغي أن يتصدر الاهتمامات الآن، وهو احتواء الديموغرافيا داخل جغرافيتها، مع ما يستلزم ذلك من إعادة البوصلة للداخل عوضا عن الجوار.. الخ.

فالمشروعات ينبغي أن تنفذ بخلفيات هذه الهواجس السياسية، وليس بالمفهوم المجرد، وهذا شأن ينبغي أن يسود في كل المحافظات الحدودية، لذلك لم يعد التساؤل متى ستنفذ تلك المشروعات؟ بل لماذا لم تنفذ من قبل رغم أهميتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، أما الآن فالبديهيات تحتم أن يكون في أقرب فترة زمنية، وأقصرها بعد التوجيهات السامية، وإلا فإننا سنكون لم نغادر مرحلة التأخيرات والتأجيلات القاتلة للأبعاد الوطنية، والمنتجة للإحباطات الاجتماعية، والتي قد تسمح بالثنائية السيكولوجية.

من هنا تبرز أهمية الزمن في تنفيذ المشروعات كإنشاء فرع لجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بمسندم، يضم عددًا من التخصصات، والإسراع كذلك في إقامة منظومة متكاملة للمخزون الاستراتيجي بما يحقق الأمن الغذائي والدوائي، وتحويل ميناء خصب إلى منطقة لوجستية، وإقامة مناطق اقتصادية سياحية، وإشهار منطقة محاس كمنطقة اقتصادية بهدف تنظيم ونمو الصناعات الخفيفة والمتوسطة والتخزين، وتوسيع ميناء خصب، وجعله مؤهلًا لحركة التصدير والاستيراد.. إلخ فهذه المشروعات وتلكم القديمة التي لم تنفذ، يكمن أثرها الوطني في تنفيذها كحزمة واحدة، وبأجل زمني مشترك ومتزامن حتى تعيش هذه السيكولوجية في إطار الانشغال بها، فلنتصور حجم فرص العمل التي تنتجها مثل هذه المشروعات، والشيء نفسه بالنسبة لانعكاساتها على المعيشة الاجتماعية.

وعلى صعيد أبعادها الاجتماعية، ينبغي أن يراعي فيها أهم بعدين من أبعادها المستهدفة، وهي إنتاج فرص عمل لشباب مسندم، وصناعة جيل جديد من المستثمرين الشباب في المشروعات الصغيرة والمتوسطة بهدف جعل مسندم جاذبية لديموغرافيتها، ومحتوية لها، وآمنة من أي اختراقات لجيلها الجديد من الجوار الجيوسياسي أو الجيواستراتيجي، ومستوعبة أيضا لديموغرافية من محافظات أخرى، لدواعي الانصهار والتعايش، وزيادة الديموغرافيا العمانية في مثل تلكم المحافظات المهمة.

وعندما أتخيل الخيارات غير الآمنة لأهالي مسندم في التواصل فيما بين ولاياتهم الثلاث من جهة والصعوبة المكلفة ماليًا ووقتًا في تواصلهم مع الوطن، أتساءل، كيف تأخرنا كثيرا في إنشاء الطريق البري (دبا-ليما-خصب) مهما كانت كلفته المالية؟ فذلك قد أنتج انعكاسات سلبية على السيكولوجية الوطنية هناك، والمشروعات الجديدة، هي استحقاقات يفترض أن تكون قديمة، لو نفذت من سنوات، لأصبحت تخفف معاناة ديموغرافية مسندم، وتربطها بجغرافيتها الوطنية أكثر من منافسة الجوار.

فطريق (دبا-ليما-خصب) له من الأهمية السياسية ما يجعله يقود مجموع أولويات اجتماعية واقتصادية وأمنية، فعلى ماذا نريد تسكين الديموغرافيات في المحافظات الحدودية، وتعزيز ارتباطها بها كمسندم، وهي تفتقد لأبسط التواصل البري المتاح وفي كل الأوقات؟ لذلك نتفهم تدخل القيادة العليا في الإسراع باستكمال هذا الطريق بإيجاد مسارات بديلة رغم الظروف المالية الصعبة للبلاد، فهذه قضية يتحمل تبعاتها الماضي وليس الحاضر، رغم أن الماضي قد شق الجبال وأقام الجسور على الأودية من أجل الإنسان العماني، فكيف ترك مسندم تفتقر لمثل هذه الاحتياجات الأساسية؟

لذلك، لا ينبغي أن نغرق في مرحلة استدراك خطأ الماضي، أو أن يكون على حساب الحاضر وآفاقه المستقبلية، فالبلاد الآن في حالة التطلع للمستقبل، وبناء اقتصاد جديد دون الاعتماد على النفط والغاز، فكيف يمكن أن تساهم محافظة مسندم في بناء قوة اقتصادنا الجديد؟ هذا هو الانشغال الذي ينبغي أن ينصب على كل محافظات البلاد الحدودية الأخرى التي تقع بين جوار غني، وآخر فقير، فكل واحدة منها يمكنها أن تشكل اقتصادا مستداما قائما بذاته.

فمسندم تتوفر فيها فرص استثمارية ضخمة تحتاج لمستثمرين جادين من الداخل والخارج، لكي يحولوا شواطئها وجزرها ومضايقها وخلجانها البحرية وبيئتها الجبلية إلى مشروعات سياحية، كما يجذب موقعها المتميز الدول والشركات لإقامة صناعات تصديرية للأسواق الخارجية، وبالذات الإفريقية، وقد كانت قطر تبحث عن موقع يطل على البحار المفتوحة لإقامة ثلاثة مصانع بعد أن ضمنت سوقها الإفريقي، وما هذا إلا أنموذج واحد للاستدلال به.

ولا يمكن لبلادنا الرهان على النظام الحالي في إحداث التحولات التاريخية الكبرى، لذلك علينا أن تبحث عن نظام عملاتي جديد، يجعل من كل محافظة اقتصادا بذاته، تتكامل مع بعضها البعض، وتصب في صالح الاقتصاد العماني الجديد، وتكون لها انعكاسات مباشرة على المجتمعات المحلية، فلو بقينا نعتمد على النظام الحالي، فلا يمكننا الرهان على الإنجازات في إطار الماهيات الطموحة، وفي آجالها الزمنية المطلوبة.

ولنأخذ مثالا على ذلك، تطبيق استراتيجية مسندم 2040، فهناك «21» جهة مسؤولة عن تنفيذها، وماذا حققنا منها حتى الآن رغم مرور خمس سنوات على تطبيقها؟ هناك إنجازات، لكنها ليست في مستويات الطموحات الوطنية، كما أن إغراقها في المدى الزمني الطويل «2040» هو عامل آخر يدلل على عدم صلاحية النظام الحالي، فالدول الإقليمية في منافسة كبرى في بناء اقتصادياتها الجديدة، ولن تمنحنا الوقت الطويل حتى يكون نبني اقتصادنا الجديد بالسير البطي.

لذلك نرى في نظام اللامركزية الاقتصادية الحل الجدير بدراسته، فاهم ما يميزه، إنه يتناغم مع توجهات بلادنا نحو التحول من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي، واستحداث نظام المحافظات بصلاحيات اللامركزية، حيث سيمكنها من استغلال مقومات كل محافظة اقتصاديا، مع يستتبع ذلك من حل الكثير من المشكلات مثل قضية الباحثين عن عمل، ربما هذه الموضوع يحتاج لمقال مستقل.

وقبل الختام، فإننا ننظر للمقومات الاقتصادية لمسندم بتفاؤل كبير، ونذهب مع القول إن مسندم تعد مشروعا ديموغرافيا يحتمل عمان كلها، خاصة لجيل الشباب، لجاذبيتها التلقائية لو عرفنا كيف نحدث انطلاقتها الاقتصادية، وينبغي أن تكون هناك إدارة موجهة لهذا البعد الديموغرافي الذي نلوح به في المقال أكثر من مرة، لما فيه من رؤى سياسية عميقة ستعينا بلادنا على مواجهة تحديات جيوسياسية لمسندم، ويقف تعداد سكان مسندم عاملًا مساعدًا لذلك، فهو يبلغ «423، 31» نسمة وفقًا لنتاج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2010، و«605، 45» نسمو وفقًا لإحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لشهر سبتمبر 2019.

لذلك، فنقلتها الاقتصادية المأمولة وبمحتواها الديموغرافي، سيشكلان جذبًا لشبابنا لتحقيق أحلامهم سواء في المشروعات الصغيرة والمتوسطة أو في الأعمال التي سينتجها الاقتصاد الإقليمي الواعد لمحافظة مسندم، وما ينطبق على محافظة مسندم، يسرى على المحافظات الحدودية الأخرى، لذلك، البلاد تحتاج لاستثنائية في التفكير والتنفيذ، وهذه الاستثنائية وقتها، عوامل نجاحها مضمونة، ودون خسائر، ولن أقل بأقل الخسائر.