مخاطر الجائحة بحجم أولمبي

22 يونيو 2021
22 يونيو 2021

في عام 2020، وُصِـفَـت آسيا -وخاصة منطقة شرق آسيا- بأنها نموذج للاستجابة الـفَـعَّـالة للجائحة، فبينما تحملت الدول الغربية عمليات إغلاق قاسية ومعدلات بالغة الارتفاع من حالات الإصابة بعدوى المرض والوفيات، تمكنت الدول الآسيوية إلى حد كبير من الإبقاء على فيروس كورونا تحت السيطرة، لكن الأحوال تبدلت، فأصبحت منطقة شرق آسيا الآن متأخرة عن الولايات المتحدة وأوروبا في ما يتصل بتطعيم سكانها، وهذا لا يبشر بخير عندما يتعلق الأمر بدورة الألعاب الأولمبية الصيفية والألعاب الأولمبية لأشخاص ذوي الإعاقة في طوكيو.

في الخامس عشر من يونيو، كان سجل التطعيم في اليابان هو الثاني من حيث السوء على الإطلاق بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الثماني والثلاثين، حيث بلغ معدل التطعيم 20.9 جرعة لكل 100 شخص، في المقابل بلغ معدل التطعيم في المملكة المتحدة 106.1 جرعة لكل 100 شخص، وفي الولايات المتحدة 93.3 جرعة لكل 100 شخص، ولكن لماذا تتخلف اليابان حتى الآن وراء بقية دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

بادئ ذي بدء، تأخرت الحكومة في إبرام اتفاقيات الشراء مع منتجي اللقاحات، خاصة أن وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية كانت عـازفـة عن تقديم الموافقة العاجلة على اللقاحات الجديدة.

الواقع أن اليابان معروفة بتاريخ من الجدال حول الآثار الجانبية للقاحات، على سبيل المثال، وافقت الحكومة على لقاحات فيروس الورم الحليمي البشري في عام 2009 وأدرجتها في قائمة توزيع اللقاحات في عام 2013، وبعد شهرين فقط، سحبت الحكومة توصيتها باستخدام اللقاح مع الفتيات، بعد أن تسببت سلسلة من الأحداث غير المواتية في أعقاب التحصين في إثارة المخاوف بين جماهير الناس حول سلامة اللقاح.

أثناء أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، أصرت السلطات على إجراء التجارب السريرية على اللقاحات في اليابان قبل الموافقة، على الرغم من إجراء تجارب منضبطة عشوائية ضمت أكثر من 40 ألف شخص في أماكن أخرى، ولم تقدم التجارب السريرية اليابانية إلا أقل القليل من المعلومات المفيدة: فقد شملت 160 شخصا فقط، واكتفى الباحثون بفحص الأجسام المضادة، وليس العدوى بدون أعراض، لكن اليابان أخرت رغم ذلك حملة التحصين لمدة ثلاثة أشهر.

تتمثل عقبة أخرى أمام برنامج التطعيم في اليابان في قاعدة تنص على أن الأطباء البشريين والعاملين في التمريض هم فقط المسموح لهم بإعطاء الجرعات.

بدأت الولايات المتحدة بقاعدة مماثلة، ولكن سرعان ما وسعت البلديات الأهلية لتشمل أطباء الأسنان، والأطباء البيطريين، والفنيين المتخصصين في الطوارئ الطبية، والفنيين العاملين في المختبرات السريرية، وفي نيويورك، يُـعَـد الصيادلة، والمتخصصون في صحة الأسنان، وصحة الأقدام، وغير ذلك من العاملين الطبيين وطلاب الطب مؤهلين لإعطاء اللقاحات.

لذا، فبينما يعود أهل نيويورك إلى حياة ما قبل الجائحة، يواجه اليابانيون موجة جديدة من الإصابة بعدوى «كوفيد-19» وعمليات الإغلاق.

في الخامس والعشرين من أبريل، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ في طوكيو ومنطقة أوساكا - الثالثة منذ اندلعت الجائحة، وفي وقت لاحق، جرى تمديد حالة الطوارئ - التي تقضي، على سبيل المثال، بإغلاق المطاعم في الثامنة مساء، وتحظر بيع المشروبات - لتشمل الآن عشر مديريات، وثماني مديريات أخرى تخضع لعمليات إغلاق أكثر مرونة.

رغم أنه من المقرر رفع حالة الطوارئ في العشرين من يونيو، فربما يتعين تأجيل رفعها، نظرًا لانخفاض عدد الإصابات الجديدة بعدوى فيروس كورونا ببطء شديد، وحتى إذا جرى رفع حالة الطوارئ كما هو متوقع، فليس هناك ما يضمن أن موجة أخرى لن تستلزم عمليات إغلاق جديدة قريبا، من المقرر أن تقام دورة الألعاب الأولمبية في الفترة من الثالث والعشرين من يوليو إلى الثامن من أغسطس، ودورة ألعاب الأشخاص ذوي الإعاقة في الفترة من الرابع والعشرين من أغسطس إلى الخامس من سبتمبر، وهذا يعني أن موجة جديدة من هذا القبيل من الممكن أن تصبح أشبه بموجة مد عارمة (تسونامي).

أثناء دورة الألعاب، سيجري تحويل جزء كبير من الموارد الطبية في طوكيو بعيدا عن الاستجابة لجائحة «كوفيد-19»، من أجل تلبية احتياجات الرياضيين المتنافسين والموظفين الداعمين لهم.

علاوة على ذلك، سيسافر عدد كبير من الناس من مختلف أنحاء العالم إلى طوكيو - وربما يجلبون معهم أشكالا خطيرة متحورة من فيروس كورونا، وليس من المستغرب أن يعارض 83% من سكان اليابان الآن إقامة الألعاب في موعدها المحدد. حاولت إدارة رئيس الوزراء يوشيهيدي سوجا تهدئة مخاوف الناس، فتعهدت بجلب موارد طبية إضافية وحفظ كل الزائرين داخل «فقاعة» تغطي الفنادق، ومرافق الأحداث الرياضية، ووسائل النقل بينها، لكن أحزاب المعارضة تتهم الحكومة بالفشل في إنتاج خطة أمان مقنعة، فبعد أكثر من عام من القواعد الصارمة والتراجعات الحادة، أصبحت جماهير الناس غير مقتنعة، وليس من المفيد أن الحكومة لم تقرر بعد ما إذا كانت لتسمح للمشاهدين بدخول الاستاد الأولمبي. يتمثل أفضل أمل لحكومة سوجا لاستعادة ثقة الجماهير في توسيع حملة التطعيم بسرعة، وهذا يتطلب، بين أمور أخرى، زيادة كبيرة في عدد الأشخاص المسموح لهم بإعطاء الجرعات. ولكن حتى لو لحقت اليابان بمسار الولايات المتحدة، التي كانت قبل أربعة أشهر في وضع اليابان اليوم، فلن تحقق التطعيم الواسع النطاق قبل منتصف أكتوبر تقريبا - بعد فترة طويلة من عودة الرياضيين المشاركين في الألعاب الأولمبية وألعاب الأشخاص ذوي الإعاقة إلى ديارهم.

بدون مناعة القطيع (أو شيء قريب منها) في اليابان، تظل استضافة طوكيو لدورة الألعاب الأولمبية رهانا محفوفا بالمخاطر.

قد يحقق سوجا فوزا عظيما: فإذا كانت الألعاب ناجحة، ولم ترتفع الإصابات، فمن المرجح أن يُـعاد انتخابه كزعيم لحزبه الديمقراطي الليبرالي، وعند هذه النقطة ربما يدعو حتى إلى انتخابات عامة مبكرة، لكن هذا لا يغير حقيقة مفادها أنه مستعد للمقامرة بصحة الناس، وسبل معايشهم، وحياتهم.

______

**نائب وزير المالية الياباني الأسبق، وأستاذ الاقتصاد بكلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، وأستاذ أول في المعهد الوطني للدراسات العليا للسياسات. ** خدمة بروجيكت سنديكيت