متى يمكننا إعلان انتهاء الجائحة؟

03 مايو 2021
03 مايو 2021

أثناء الجائحة كثيرا ما افتقرنا إلى الإدارة السليمة والإرشاد الجيد. وإذا أردنا أن نجعل خروجنا من هذه الأزمة أفضل من دخولنا إليها ومن مرورنا عبرها، علينا أن نبدأ التخطيط منذ الآن. وأول خطوة جيدة ستكون الاتفاق على تعريفنا لنهاية الجائحة. أي متى يمكننا الإعلان بأن الجائحة انتهت؟

لم تنته بعد طبعا. فحالات الإصابة بفيروس كورونا إما توقفت أو أنها تزداد في مناطق عديدة. وصارت سلالات الفيروس أكثر انتشارا. وفي حين أن أناسا عديدين حصلوا على جرعات اللقاح إلا أن عددا أكبر لم يتم تطعيمه بعد. وحالات الحجز (التنويم) في المشافي والوفيات مستمرة، خصوصا وسط الفئات التي لم تستكمل الجرعات المقررة. والانتشار المجتمعي للفيروس واسع النطاق والمخاطر كثيرة.

مؤخرا، حذرت روشيل والينسكي، مديرة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بالولايات المتحدة، من «كارثة وشيكة» من موجة رابعة إذا لم نكن حذرين.

لكن الأمور أفضل بقدر ملحوظ قياسا بما كانت عليه قبل شهور قليلة. ومع استمرار تحسن أوضاعنا سيكون من المفيد أن يكون هنالك إرشاد حول كيفية التخفيف من السياسات التي وفرت لنا الحماية من الجائحة. هنالك كثيرون لا يرغبون في الحديث عن أي تقليل من الاحترازات ولو في المستقبل لعدم انتفاء الخطر تماما. ويريد هؤلاء الاستيثاق من أن أحدا في مجتمعهم المحلي لن يموت بسبب كوفيد- 19 بعد الآن أو عدم وقوع إصابات بالجائحة في منطقتهم وعدم احتمال تعرضهم للفيروس.

أنا أتفهم هذه المشاعر مع فيضان الرسائل التي نتلقاها عن مدى خطورة كوفيد-19. لكنها مشاعر غير واقعية. كما أنها ليست معقولة. مثل هذا التحوط المبالغ فيه قد يأتي بنتائج عكسية. ففي كل يوم انتظارٍ يزداد عدد الناس الذين ينفد صبرهم ويتخلون عن حذرهم.

الوضع العادي لا يعني أبدا «الأمان المثالي». والعالم الأكثر أمانا من المرجح أن يوجد به (مرض) كوفيد-9. لذلك علينا، من ناحية مثالية، التقليل من القيود بالتدريج وفي الوقت ذاته مراقبة الوضع عن كثب.

أولا، يمكننا السماح بالتجمعات خارج البيوت وفتح المدارس وربما حتى المعسكرات بشكل كامل. وإذا مضت كل الأمور بخير يمكننا السماح بتنظيم مناسبات أكثر ازدحاما بالناس في الأماكن العامة وبدون ارتداء الكمامات. وقد نسمح بزيادة أعداد مرتادي المطاعم والمقاهي والعودة بها إلى سعتها الكاملة تدريجيا.

وأثناء قيامنا بكل هذا، علينا تعقب معدلات الإصابة بكوفيد -19 والحجز بالمشافي والكشف الإيجابي عن التقاط الفيروس. وستظل هنالك حاجة لإجراء فحص واسع النطاق حتى وسط الذين لا تظهر عليهم أعراض الإصابة وذلك لقياس مدى تقدمنا في التخلص من الجائحة.

وإذا مضى كل شيء على ما يرام يمكننا في النهاية التخلص من الحاجة إلى الكمامات. وإذا حصل عدد كاف من الناس على اللقاح وتباطأ انتقال الفيروس سنصل إلى مرحلة نكون فيها أكثر أمانا إلى حد بعيد مما نحن عليه الآن. والأمريكيون عموما مستعدون للعيش في وضع لا تنعدم فيه المخاطر تماما في مقابل تمتعهم بما اعتدنا على اعتباره حياةً عادية. فالطرق مليئة بالسيارات على الرغم من أن حوادث المرور هي القاتل رقم واحد للأطفال. كما لا يبدو علينا أننا، كبلدٍ، متلهفين لتقييد اقتناء الأسلحة على الرغم من أنها تسبب إصابات ووفيات يومية.

الخلاصة هي أننا يمكننا أحيانا العمل بشكل جماعي لتقليل المخاطر. لكننا لن نُزيلَها أبدا تقريبا.

هذا لا يعني أن على مسؤولي الصحة العامة الكف عن السعي وراء النتيجة الأفضل. فهذه مهمتهم. وعندما يكون الخطر ماثلا وشديدا كما هو الحال في العام الماضي سنهتم به أكثر. وهذا واجبنا. لكن عندما يقِلّ الخطر وتكون المكاسب في مواجهته تدريجية غالبا ما لانفعل ذلك.

سبق لي أن كتبتُ باستفاضة عن الكيفية التي يمكن أن يكون بها هنالك نوع من المبالغة في إرشادات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بخصوص تناول الملح والكحول وكيف أن منظمة الصحة العالمية تعتقد، كما يبدو، أن كل شيء يسبب السرطان. ولا أعتقد أن الأمريكيين يتعاملون مع هذه الجهات بجدية كافية حين يتعلق الأمر بالإنفلونزا.

قد لا يوافقني البعض على ذلك. لكن الشيء المهم الذي يجب على الناس فعله هو الموازنة بين المثالي وبين ما يمكن عمله.

خطر كوفيد-19 لا يزال كبيرا بما يكفي في بعض الأماكن بحيث يلزمنا التحلي باليقظة. لكن إذا أمكننا بلوغ المرحلة التي تتعافي فيها الغالبية العظمى من الذين أصيبوا بكوفيد-19 وتنخفض أعداد المحتجزين بالمشافي والموتى وأن فيروس الجائحة (كورونا) لم يعد حقا أسوأ من فيروسات الجهاز التنفسي الموسمية العادية سيكون الوقت قد حان للشروع الجاد في تخفيف القيود.

في المتوسط يموت أكثر من 100 شخص من إنفلونزا في الولايات المتحدة يوميا في كل موسم من مواسم الإنفلونزا. لكن هذا الرقم لا يقترب من الأعداد المخيفة للوفيات من كوفيد-19. ونحن لا نقترب من سدّ هذه الفجوة. ذلك ممكن قطعا مع تزايد عمليات التطعيم.

لا يمكننا الخشية من وضع معايير لقياس تقدمنا والاسترشاد بها في التخلي التدريجي عن القيود.

إعلان الأهداف والتوقعات سيمنح الأمريكيين شيئا يسعون لبلوغه وسببا للصمود في الوقت الحاضر.

بالطبع إذا أمكننا التعلم من هذه التجربة وتحديد وضعٍ عادي جديد سيكون ذلك شيئا جيدا. (يقصد الكاتب بالوضع العادي الجديد التعايش مع كوفيد-19 كمرض عادي وليس كجائحة فاتكة - المترجم).

إذا أراد الناس التزام الحذر في الأعوام القادمة والبقاء في بيوتهم عند المرض وارتداء الكمامات عندما يصابون بالسعال أو أعراض الإنفلونزا وغسل أيديهم بأكثر من المعتاد وتناول جرعات اللقاح كل عام فأنا أوافق على ذلك تماما. مثل هذه التحوطات يمكنها إنقاذ أرواح من كوفيد-12 (بوصفه مرضا عاديا) والتقليل من حالات الإصابة والوفيات من الأمراض المعدية الأخرى أيضا.

* الكاتب أستاذ طب الأطفال بمدرسة الطب -جامعة انديانا

** نيويورك تايمز