ماريا ريسا .. واليوم العالمي لحرية الصحافة

04 مايو 2021
04 مايو 2021

تستحق ماريا ريسا، الصحفية الفلبينية التي تبلغ من العمر 57 عاما، أن يتصدر اسمها عنوان هذا المقال وعناوين مقالات غيري من الكتاب والمدافعين عن حرية الصحافة في العالم، خاصة في هذا الأسبوع الذي يشهد الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يوافق الثالث من مايو من كل عام. ولِمَ لا، وهي قد فازت بواحدة من أرفع الجوائز العالمية في الصحافة، بل ورشحتها مؤسسات عالمية لنيل جائزة نوبل للسلام هذا العام، وأنزلتها بذلك منزلة تفوق منزلة رؤساء دول وحكومات وسياسيين بارزين في العالم يتوقون للترشح لنفس الجائزة.

*ماريا ريسا الصحفية الاستقصائية الفلبينية حصلت على جائزة اليونسكو لحرية الصحافة، المعروفة باسم جائزة غيليرمو كانو إيسازا، تكريمًا للمساهمات البارزة في الدفاع عن حرية الصحافة والترويج لها، لا سيما في ظروف محفوفة بالمخاطر.

وجاء في إعلان اليونسكو أنه تم اختيارها بناءً على توصية لجنة تحكيم دولية تتألف من متخصصين في مجال الإعلام، وأنها سبق القبض عليها بسبب «جرائم مزعومة تتعلق بممارسة مهنتها»، وخضعت لحملة متواصلة من الإساءة والتهديدات والمضايقات عبر الإنترنت، مما أدى في وقت ما إلى تلقيها «أكثر من 90 رسالة كراهية في الساعة»، عبر منصة فيسبوك للتواصل الاجتماعي.

* *وقد جاء حصول ريسا على الجائزة، كما جاء في إعلان اليونسكو، تقديرًا لجهودها ومبادراتها على مدى أكثر من ثلاثة عقود لتعزيز حرية الصحافة والدفاع عنها، وتحملها كمًا هائلًا من المضايقات والانتهاكات والتهديدات وحتى السجن والاعتقال في سبيل مهنتها، وعملها في كشف الممارسات الخاطئة سواء في وطنها أو في العالم.

ورغم أنه قد سبق لها العمل كصحفية استقصائية رئيسية في شبكة سي إن إن الأمريكية في آسيا، ورئيسة لقسم الأخبار في مؤسسات إعلامية كبيرة، وهي وظائف مهمة كان يمكن أن تشغلها عن الزج بنفسها في قضايا حرية الصحافة وما تجلبه عليها من مشاكل، إلا أنها فضلت أن تعود إلى صفوف أصحاب القضايا الكبيرة من خلال الاستمرار في النضال من أجل تعزيز حرية الصحافة، وخوض تجارب صحفية جديدة تكون أنموذجا لغيرها من الصحفيين، فأطلقت الموقع الإلكتروني الإخباري الشهير «رابلر» ليكون مثالًا واقعيًا على إمكانية إنشاء صحافة مستقلة ذات تأثير، وجمعت فيه الصحفيين الذين يريدون مواجهة المشكلات المجتمعية، ولكنهم لا يجدون منصة إعلامية تستطيع أن تنشر ما يكتبونه من أخبار وقصص وتحقيقات ومقالات تحارب الفساد.

* *بدأ الموقع بصفحة على منصة فيسبوك في منتصف عام 2011، ثم على الويب في يناير 2012 وحقق نجاحا كبيرًا، وخلال عام واحد أصبح أحد أفضل المواقع الإخبارية على الإنترنت في الفلبين متجاوزًا المواقع المماثلة الموجودة منذ أكثر من عقد، وهو ما جعل معهد رويترز لدراسة الصحافة يختاره في عام 2017، كواحد من أربعة منافذ إخبارية دولية تقوم بإنشاء محتوى أصلي رقميًا وتجني *الأموال منه.

وفي العام نفس أصبحت «رابلر» واحدة من ثلاث منظمات معترف بها من قبل المعهد الديمقراطي الوطني في الولايات المتحدة لمكافحة المعلومات المضللة والأخبار المزيفة.

وحازت علامة «رابلر» التجارية في مجال الصحافة على اعتراف من مختلف الهيئات المحلية والدولية المانحة للجوائز.

ومن أشهر القصص الصحفية التي نشرها الموقع وحظيت بالتقدير «سلسلة الإفلات من العقاب»، التي تناولت جرائم القتل المرتبطة بالمخدرات في الفلبين، وحازت على جائزة حقوق الإنسان للصحافة، بالإضافة إلى «سلسلة الدعاية»، والتي تناولت كيفية استخدام وتوظيف الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كسلاح في الانتخابات الرئاسية.

* *جائزة حرية الصحافة ربما لا تكون الأخيرة ولا الأكبر في تاريخ ماريا ريسا، إذ أنها قد تُفاجئ العالم بالفوز بجائزة نوبل للسلام هذا العام، بعد أن رشحها النائب البرلماني وزعيم حزب العمال النرويجي جوناس جار ستور، إلى جانب منظمة «مراسلون بلا حدود»، و«لجنة حماية الصحفيين» للجائزة العالمية، كونها تمثل رمزًا لألاف الصحفيين حول العالم، ودليلا حيا على إمكانية أن تساعد الصحافة الحرة والمستقلة في الحد من النزاعات الدولية، التي قد تؤدي إلى الصراع المسلح والحرب.

ورغم أن هناك منافسين كثرًا لريسا على هذه الجائزة، التي يتسابق السياسيون على الفوز بها، ومنهم كبير مستشاري البيت الأبيض السابق جاريد كوشنر ونائبه آفي بيركوفيتش اللذين رشحهما المحامي الأمريكي آلان ديرشوفيتز للجائزة لدورهما في إنجاز أربع صفقات تطبيع بين إسرائيل وبين الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، فإن الطريق يبدو مفتوحًا أمام ماريا ريسا ومنظمات الدفاع عن حرية الصحافة لحصد الجائزة الرفيعة، خاصة وأنها سبق أن مُنحت لصحفيين، آخرهم الصحفية والناشطة السياسية اليمنية توكل كرمان التي تقاسمت جائزة عام 2011 مع فائزين آخرين «لنضالها السلمي من أجل سلامة المرأة ومن أجل حقوق المرأة في المشاركة الكاملة في أعمال بناء السلام. ومشاركتها في تأسيس مجموعة (صحفيات بلا قيود) التي تدعو إلى حرية التعبير والحقوق الديمقراطية».

* *بالعودة إلى احتفال اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يحمل هذا العام شعار «المعلومات كمنفعة عامة»، فإن أبرز ما فيه هو أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) تعود هذا العام مرة أخرى إلى ويندهوك عاصمة جمهورية نامبيا، وهي الدولة الصغيرة التي تقع في أقصى جنوب القارة الإفريقية، والتي حصلت على استقلالها عن دولة جنوب إفريقيا في عام 1990، ولا يتجاوز عدد سكانها الثلاثة ملايين نسمة، تعود لها اليونسكو بعد مرور ثلاثين عاما على الاجتماع التاريخي الذي ضم صحفيين من مختلف قارات العالم، وعقد في ويندهوك في التاريخ نفسه من عام 1991، وصدر عنه إعلان ويندهوك للصحافة الحرة والمستقلة والتعددية، واختير على أساسه الثالث من مايو ليكون يوما عالميا لحرية الصحافة.

* *وعلى هامش الاحتفال بحرية الصحافة عقدت اليونسكو مؤتمرا دوليا مهما تناول «سبل تعزيز ودعم وسائل الإعلام المستقلة التي تكافح من أجل النجاة من أزمة جائحة (كوفيد-19)، وتواجه فيه وسائل الإعلام الوطنية في كل مكان عدم استقرار مالي وضغوطًا أخرى تهدد استمراريتها واستمرارية وظائف صحفييها».

ويركز المؤتمر على موضوعات مهمة مثل الشفافية على المنصات الإعلامية وعبر الإنترنت، وأهمية محو الأمية الإعلامية والمعلوماتية.

* *وبهذه المناسبة ودون أن نعيد فتح ملفاتنا القديمة الجديدة، وبصرف النظر عن ترتيب دولنا العربية المتراجع في مقاييس حرية الصحافة العالمية، فإن علينا أن نأخذ تحذيرات أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، التي وردت ضمن تصريحاته الخاصة باليوم العالمي لحرية الصحافة، مأخذ الجد، والتي أكد فيها التراجع المالي للعديد من المؤسسات الإعلامية في جميع أنحاء العالم، كأثر مباشر من الآثار الجانبية الخطيرة لجائحة كورونا. وقوله إن الصحف وحدها خسرت نحو 30 مليار دولار العام الماضي، وهو ما قد يؤدي إلى انقراض وسائل الإعلام التقليدية. وها نحن بدورنا ننقل الرسالة إلى المسؤولين عن الإعلام في عالمنا العربي. وبنص كلمات الأمين العام نقول لهم: «لا يمكننا السماح بحدوث ذلك..

فالصحافة المستقلة القائمة على الحقائق يجب النظر إليها كخدمة ومنفعة عامة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها». ولذلك يجب أن تبقى هذه الصحافة، إذا كنا نريد بناء مستقبل أكثر أمنًا وأكثر صحة، وأكثر نموا، خاصة بعد أن أكدت جائحة كورونا كيف أن الوصول إلى المعلومات الموثوقة، لم يعد فقط حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، ولكن مسألة حياة أو موت.