كيف يمكننا تعزيز جهود مكافحة الفقر

28 يوليو 2021
28 يوليو 2021

خلال الفترة من عام 1990 إلى عام 2019، سجل عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع (وفقا لعتبة البنك الدولي التي تعادل 1.90 دولار في اليوم) انخفاضا شديدا، من 1.9 مليار شخص إلى 648 مليونا. لكن جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) أتت لتهدر قسما كبيرا من هذا التقدم. ومن المنتظر أن تتسبب الجائحة بحلول نهاية عام 2021 في إعادة ما يقرب من 150 مليون إنسان إلى براثن الفقر المدقع.

ولكن حتى قبل اندلاع جائحة كوفيد-19، لم يكن العالم على المسار الصحيح لإنهاء الفقر المدقع في العقد المقبل. كان التقدم في ما يتصل بالحد من الفقر في تباطؤ قبل وقت طويل من اندلاع الجائحة، مع انخفاض معدلات الفقر العالمية بأقل من نصف نقطة مئوية سنويا خلال الفترة من 2015 إلى 2019. بهذه الوتيرة، حتى لو لم تندلع جائحة كوفيد-19، فإن عدد من يعيشون في فقر مدقع كان ليصل إلى 537 مليونا بحلول عام 2030، وهذا يعني الفشل في تلبية أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وخاصة هدف التنمية المستدامة الأول. في منظمة بناء الموارد عبر المجتمعات (BRAC)، المنظمة غير الحكومية الأكبر في العالم التي يقودها الجنوب العالمي، أعطتنا عقود من تصميم وتنفيذ وتكييف تدخلات الحد من الفقر وتقديم المشورة بشأنها رؤى ثاقبة حول كيفية جعل برامج وسياسات مكافحة الفقر أكثر فعالية.

أولا، يجب أن تصل البرامج إلى الناس الذين يعيشون في أشد حالات الفقر المدفع. يواجه من يعيشون في فقر مدفع عقبات تحول دون تمكينهم من الوصول إلى البرامج والخدمات الاجتماعية. ومن غير المرجح أن يكون لديهم حسابات مصرفية، أو عناوين دائمة، أو هوية رسمية ــ وكل هذا قد يكون مطلوبا للتسجيل. كما يواجهون وصمة عار اجتماعية ترتبط بتلقي الخدمات العامة، ويفتقرون غالبا إلى المعلومات الكافية حول البرامج التي يمكنهم التأهل لها. في البلدان المنخفضة الدخل، لا يتلقى 79% من الـخُـمس الأدنى من أصحاب الدخل أي مساعدة اجتماعية على الإطلاق. ولضمان وصول المساعدة إلى من هم في أمس الحاجة إليها، يتعين على الحكومات وشركائها أن يعكفوا على تصميم سياسات وبرامج تتغلب على الحواجز التي يواجهها من يعيشون في فقر مدقع وتدمجهم في شبكات الأمان الاجتماعي القائمة. ثانيا، يجب أن تعمل البرامج على تمكين من يعيشون في فقر مدقع من بناء القدرة على الصمود في الأمد البعيد. ويتعين على الحكومات وشركائها أن يفعلوا أكثر من مجرد تحسين عملية توفير الاحتياجات الأساسية. يتعين على الحكومات أن تستثمر أيضا في تمكين من يعيشون في فقر مدقع من اكتساب المهارات والموارد التي يحتاجون إليها لتجنب الانزلاق مرة أخرى إلى فخ الفقر. يشكل هذا النهج أهمية بالغة في أوقات الأزمات، كما وجد فريقنا في منظمة بناء الموارد عبر المجتمعات (BRAC) عند تقديم المشورة للحكومة الفلبينية، بالشراكة مع بنك التنمية الآسيوي، بشأن التدخل الأخير لمكافحة الفقر.

أثناء الجائحة، ربط البرنامج المشاركين بالمساعدة النقدية من الحكومة الوطنية والمساعدة الغذائية من الحكومة المحلية. في ذات الوقت، عمل على تزويدهم بما يلزم من الموارد والتدريب لإنشاء مصادر متعددة للدخل. ونتيجة لهذا، تمكن 76% من المشاركين من الاستمرار في كسب الدخل حتى أثناء عمليات الإغلاق الصارمة.

ثالثا، يجب أن تتعامل البرامج مع الفقر على أنه متعدد الأوجه وذو سياق محدد. إن الفقر المدقع حالة متعددة الأبعاد. ويجب أن يعبر التعريف الدقيق عن أشكال الحرمان العديدة التي يواجهها من يعيشون في فقر مدقع، من الافتقار إلى المياه النظيفة والكهرباء إلى سوء التغذية والإقصاء الاجتماعي. تختلف أشكال الحرمان هذه والتدخلات اللازمة للتغلب عليها باختلاف السكان والمناطق الجغرافية. واستنادا إلى تقييم العوامل المتعلقة بمواقع محددة وسياقات اجتماعية واقتصادية، تحتاج الحكومات وشركاؤها إلى إنشاء تدخلات أكثر شمولا تمكن الفقراء من التصدي للتحديات الفريدة التي تواجههم.

رابعا، يجب أن تُـشـرِك هذه البرامج المجتمعات والحكومات المحلية، التي من الممكن أن تساعد مشاركتها النشطة تدخلات مكافحة الفقر لتعكس على نحو أفضل واقع الحياة اليومية التي يعيشها الناس وتكتسب التأييد المحلي. ومن الممكن أيضا أن يلعب إشراك المجتمع المدني في العملية دورا مهما في مساءلة الحكومة وإدامة الطلب على البرامج والسياسات الأكثر فعالية. ومن الممكن أن تساعد الحكومات المحلية الحكومات الوطنية وشركائها في تحديد الأسر المهمشة ودعم اندماجها الاجتماعي.

خامسا، يجب أن تتعرف الحكومات وشركاؤها على الخطط والبرامج الناجحة وغير الناجحة، ثم يأتي دور العمل على تكييف البرامج وفقا لذلك. ولتعظيم تأثير تدخلات مكافحة الفقر على نطاق واسع، يجب أن تلتزم الحكومات وشركاؤها بمراقبة البرامج، وتقييمها، والتعلم منها عند تنفيذها، ثم مراجعتها وتنقيحها حسب الحاجة.

يجب أن تبدأ مثل هذه التقييمات بتحديد المبادئ التي تدفع تصميم البرامج. ثم يجب بعد ذلك تعديل واختبار مكونات البرامج مع وضع هذه المبادئ في الاعتبار، ومراقبة النتائج بعناية. ومن خلال التكييف القائم على الأدلة فقط يصبح بوسع الحكومات وشركائها ضمان التأثير الطويل الأمد للبرامج المنفذة وتكييفها بحيث تلبي الاحتياجات الفريدة والمتطورة لشعوبها.

يجب أن يكون هذا جهدا تعاونيا. إذا تبنى المجتمع الدولي هذه الخطوات، فمن الممكن أن تصبح برامج وسياسات مكافحة الفقر أكثر شمولا وتكيفا وتفصيلا. وبالإضافة إلى إشراك المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية، تحتاج الحكومات إلى القوى الفاعلة في مجال التنمية، بما في ذلك المؤسسات المتعددة الأطراف والبلدان المانحة، للمساعدة في سد فجوات الموارد إلى أن تتمكن بشكل مستقل من تعبئة القدر الكافي من الموارد المحلية. تفتقر بلدان عديدة منخفضة ومتوسطة الدخل ببساطة إلى الحيز المالي وقدرة الدولة على متابعة تدابير الحد من الفقر على نطاق واسع بمفردها.

يرتبط هدف التنمية المستدامة الأول ارتباطا وثيقا بغيره من أهداف التنمية المستدامة، من ضمان المساواة بين النوعين الاجتماعيين إلى النهوض بجهود الاستدامة إلى تحسين التغذية. لقد تسببت جائحة كوفيد-19 في إهدار عقود من التقدم في هذه المجالات، ونحن في احتياج إلى تدخلات شاملة تدعم مجالات متعددة من التنمية في ذات الوقت إذا كان لنا أن نتعافى. تتمثل الطريقة الوحيدة لمنع تخلف كثيرين من الناس عن الركب في ضمان التمويل الأفضل لتدخلات مكافحة الفقر، وجعلها أكثر شمولية، وأكثر فاعلية في التعامل مع النطاق الكبير.

** المدير الأول للتمويل الأصغر وبرامج التخرج للفقراء للغاية في BRAC.

** خدمة بروجيكت سنديكيت