في بهجة الأعياد

12 مايو 2021
12 مايو 2021

محمد جميل أحمد -

فرح الأعياد الذي تستعيد به المجتمعات الإنسانية أيامها الخالدة؛ جزء من طبيعة أفراح الحياة التي تتجدد باستمرار لتذكر تلك المجتمعات بمناسباتها التي تعود بها الأزمنة المتعاقبة للسنين والشهور والأيام.

في كل عيد يتجدد فرح ما، لكن ثمة أعياد تعكس هوية حقيقية للفرح أكثر من غيرها، وبذلك تدل بقوة على لحظتها والتأسيسية الأولى حين تنقل ذلك الإحساس المتجدد. الأعياد الدينية هي من شاكلة تلك المناسبات التي مهما تباعدت حظوظ الناس في تدينهم، لكنها تظل باستمرار تذكيراً بفرح عميق يتغلغل في نفوسهم.

ثمة سر حقيقي للفرح في أعياد الأديان، بصفة خاصة، سر يأخذ معناه القوي من اللحظة التأسيسية التاريخية الأولى للحدث /الفرح، وتلك الحقيقة لا يكاد ينكرها أحد في مجتمعات المسلمين، على سبيل المثال، إذ أن أي مسلم في لحظة ما من لحظات حياته استشعرها في نفسه بصدق.

ذلك أن العيد بوصفه موسماً للفرح؛ يخلق أجواءً في أوساط المحتفلين بما يشحن طاقة الذاكرة البشرية بالمعاني المتجددة والقيم المتناسخة، ففي قوة الفرح في يوم العيد طاقة نادرة تحمل الناس على التماهي مع حس السرور بما ليس في عاديات الأيام، لذلك فهو فرح استثنائي يختبر حالات عامة لمشاعر البشر الممزوجة بقوة اللحظة وملابسات الوقت المستعاد للمناسبة السعيدة.

وبالرغم من أن بهجة الأعياد في هذه الأزمنة أصبحت فرحاً مختلساً، إلا أن المفارقة هنا؛ هي: أن وقت العيد ومناسبته الثابتة والمحددة في الزمان بمواقيتها الدينية هي مناسبة خارقة لعادة الزمن لا تتخلف أبداً؛ حيث أن شرطها في ذلك التوقيت هو الذي يؤطر الناس ويدفعهم للتأقلم معه بجلب الفرح واستعادته، مهما بدا الظرف الذي يحل فيه العيد، حزيناً أو مأساوياً في بعض المجتمعات؛ كأن فرح العيد هو دعوة لإرادة الحياة عبر مزج للسرور لابد أن يقع في تلك الأيام.

طاقة الفرح المتصلة بالعيد هي طاقة الذاكرة؛ ذاكرة التأسيس الأولى لحدث العيد ذاته من ناحية، وذاكرة الأفراد في علاقاتهم بمسرات الأعياد الخاصة في أطوار حياتهم، من ناحية ثانية.

بطبيعة الحال؛ متى ما هلَّ العيد سيظل هناك تواطؤ ضروري للدخول في لحظة عامة للفرح والسرور في حياة المسلمين، لأنه ثمة فئةً عزيزة في مجتمعهم هي على موعد حر ودائم مع هذا الفرح المطلق للأعياد في عوالمهم البريئة؛ فالأطفال هم مجتلي معاني العيد وذاكرته الأولى التي لها قابلية تذكير الناس عبر وجوههم البريئة بما يمكن أن يحيل إلى معنى الفرح الأول المكتمل لمناسبة العيد الأولى يوم أن هلَّت على المسلمين بعد نهاية رمضان في المدينة المنورة. فتلك الفرحة الأولى هي طاقة التاريخ المتجدد لقوة العيد في حياة المسلمين.

ولعل ما يؤكد معنى الفرح كحقيقة أولى للأعياد، قول الله في الآية الكريمة من سورة المائدة على لسان المسيح عليه السلام: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

فذلك الحدث السعيد الذي حدث للمسيح عليه السلام وحوارييه بإنزال المائدة السماوية (التي تسمى في الكلاسيكيات المسيحية بالعشاء الأخير) هو بلا شك حدث عظيم وسبب للفرح الخارق؛ كحدث يحتاج تذكره إلى تجديد معناه دورياً على مر السنوات.

إن فرح الأعياد فرح روحاني لكنه مرتبط بما هو دنيوي على نحوٍ فريد. حيث ترتبط الأعياد بمزاج للأكل والشرب في أحوال من السرور، أو التماهي الضروري مع السعادة التي تعني مشاركة عمومية لعادات الأكل والشرب.

فكما أن في حدث المائدة السماوية التي أنزلها الله لحواريي المسيح ما يعكس بوضوح ذلك المزيج من الفرح الروحاني والمادي، كذلك في عيد الأضحى الذي يخص المسلمين ما يدل على ذلك المعنى الذي تكون فيه إرادة فن العيش في ألوان الطعام قصداً متعمداً يستهدف تعميق المشاركة الوجدانية والمادية بين أفراد المجتمع في أيام العيد بوصفها أياماً استثنائية للفرح.

فقد قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- عن أيام عيد الأضحى المبارك: «إنها أيام أكل وشرب وذكر لله» مع نهيه عن صيام أيام العيد. وبطبيعة الحال؛ أن في قصدية الوصف لهذه الأيام بأنها: «أيام أكل وشرب» ما يحيل إلى الاحتفال بالحياة.