ضوابط فاتورة الكهرباء الزراعية المرتقبة.. ومستقبل أمننا الغذائي

04 أغسطس 2021
04 أغسطس 2021

د. عبدالله باحجاج

لقد أحسنت الحكومة التدخل في إعادة النظر في أسعار الكهرباء بعد الاستياء الاجتماعي من ارتفاع الفاتورة، وبشرت المجتمع عبر رئيس هيئة تنظيم الخدمات العامة بأن الأسعار الجديدة ستخفف من الأعباء على كاهل المواطنين، وكل مواطن يترقب الآن فاتورته بفارغ الصبر؛ لأن المواطن قد أصبح همه الأول والأخير دفع فاتورتي الكهرباء والمياه حتى لا تقطع هاتين الخدمتين عن منزله أو مزرعته.

ورغم تحفظنا على نظام الشرائح؛ لأننا نرى فيها استمرارًا لتعميم نظام الضرائب، إلا أن العبرة ستكون للنسبة المئوية لفاتورتي الكهرباء والماء من مرتبات المواطنين، وفي الوقت نفسه مدى جاذبيتها لديمومة نجاحات الحكومة والمواطنين في تأمين أمننا الغذائي والتي قطعنا فيها أشواطًا كبيرةً نفتخر بها، وكذلك جاذبيتها للاستثمارات في الزراعة.

**

صراحة، كان من الخطأ الاستراتيجي معاملة الشركات العاملة في مجال الأمن الغذائي سواء كانت حكوميةً أو أهليةً معاملة فئة كبار المستهلكين دون مراعاة الرهانات الوطنية على قطاع الزراعة، وكذلك حجم تحديات إنتاجيته، بدليل، استدركه مؤخرًا من حيث المبدأ، وتعكف هيئة تنظيم الخدمات العامة على تقييم بعض التعريفات التي ترتبط بالأنشطة الزراعية والاقتصادية لضمان مواءمتها للظروف المالية، كما كشف رئيسها في المؤتمر الإعلامي يوم الاثنين الماضي، فالقضية لا تزال في مربعها الأول، وتثير القلق عند كل المزارعين، وبالتالي، فإن نتائجها محط ترقب كبير، وستشكل لحظة تاريخية لمستقبل أمننا الغذائي.

وحسب معلوماتنا، فقد كان هناك اجتماع مهم وكبير بين مجموعة أطراف حول التعرفة الزراعية والاقتصادية، ولم يسفر عن اتفاق بسبب الاختلاف حول المعايير والأسس التي بموجبها تحدد التعريفات على المزارع، والاستمرارية في الاختلاف لن يكون في صالح أمننا الغذائي، وكلما تأخرنا في إيجاد الحل السريع والمقدر للقطاع الزراعي، كلما كان التأثير كبيرًا على الإنجازات المتعاظمة التي حققتها الحكومة والمواطنين في مجال الأمن الغذائي، فالدولة أنشأت مشاريع ضخمة وملموسة للأمن الغذائي، كما أقدم مواطنون على مبادرات ذاتية حققوا من خلالها للبلاد اكتفاء ذاتيًا في الكثير من مجالات الأمن الغذائي، وأصبحت طموحاتنا الوطنية تذهب بعيدًا نحو تأمين سلة غذائنا من الأزمات والمضاربات.. قبل التحولات في أسعار الكهرباء.

والآن يتركز الاهتمام حول حجم التقدير المأمول لفاتورة الكهرباء الزراعية والاقتصادية؟ هذا التقدير له أسسه ومعطياته العميقة، وينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار عند تحديد التعريفات الجديدة، وأبرز الأسس والمعطيات المقيدة للتعريفات، هي:

- التكلفة العالية للإنتاج الزراعي في بلادنا.

- ضريبة القيمة المضافة، وقدرها «5%» على المدخلات الزراعية.

- المديونية المرتفعة الملقاة على عاتق المزارعين، وهي مديونية ناتجة عن تحقيقهم نجاحات مشهودة وباهرة في مجال الأمن الغذائي - كما سنورد مثالًا على ذلك.

- الزراعة تجارة غير ربحية سريعة، ويندرج معظم المزارعين في فئة محدودي الدخل، وغالبًا ما يفتقرون إلى الحصول على التمويل، ويكافحون من أجل بيع منتجاتهم لتجار التجزئة.

- استراتيجية الأمن الغذائي لبلادنا تقوم على القدرة على تحمل تكاليف أمننا الغذائي.

وهنا التساؤل، على أي أسس ومعايير موضوعية اعتمدت التسعيرات المثيرة للجدل؟ فلماذا لم تراع تلكم الأوضاع؟ فعلى الصعيد الاجتماعي أثارت استياءات عامة، وعلى الصعيد الاقتصادي والزراعي، تأثيراتها حتى الآن بين توقف بعض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عن الإنتاج، خاصة مزارع المحميات التي تنتج الفواكه والخضروات على مدار العام؛ لأنها تستهلك كهرباء أكثر من غيرها، وبين القلق المرتفع من التعريفات المرتقبة، فاعتبار المزارعين من فئة كبار المستهلكين للكهرباء قد صعق كل المزارعين دون استثناء.

وقد تواصل معي بعض المزارعين في النجد بمحافظة ظفار، وأكدوا لي أن الزيادة على فاتورة الكهرباء تصل إلى الضعفين ونصف الضعف أو ثلاثة أضعاف، واعتبرها البعض منهم بأنها كارثة على القطاع الزراعي عامة، وسيكون لها تأثير سلبي على مستقبل الكثير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وعلى تنافسية المنتج العماني لصالح المنتج الأجنبي، مما سيتحمل المواطن/ المستهلك أعباء إضافية فوق أعبائها القديمة والجديدة، وهذا كله يعزز طرح تساؤلنا سالف الذكر عن المعيارية، وهل بنيت على دراسة علمية أم كانت مجرد رؤى، غلبت عليها النفعية المالية المباشرة؟

والتطلعات الآن تتجه نحو التعريفات الجديدة، وتحمل إشارة رئيس هيئة تنظيم الخدمات العامة بشأن تقييم التعريفات المرتبطة بالأنشطة الزراعية والاقتصادية الأمل باستدراك خطأ التسعيرة أسوة بخطأ التسعيرة الاجتماعية، لكنه أمل محفوف بالترقب المقلق، فكيف ستتم إعادة التقييم بحيث يراعي الأهمية الوطنية لتأمين سلة غذائنا محليًا من جهة، والتكلفة العالية للإنتاج الزراعي سالفة الذكر.

التساؤلات السابقة، وهواجسها، وكذلك الضوابط الحاكمة للتعرفة الكهربائية المرتقبة للمؤسسات العاملة في القطاع الزراعي، نضعها الآن فوق طاولة اللجنة المكلفة بإعادة تقييم التعريفات للأنشطة الزراعية والاقتصادية، ونبعث لها بالرسالة العاجلة التالية حتى تحدد تعريفاتها لقطاع الزراعة وفق كل الخلفيات وتحدياتها، من هنا يمكن القول:

إن العالم يطل على أزمة غذائية متعددة المحاور، والأزمات الغذائية قد أصبحت سمة العصر، وتعلمون طبيعة تأثير الأزمات السياسية والعسكرية والصحية والمضاربات على الغذاء، وما يهدد البشرية من مجاعات.. لذلك، فلا خيار لبلادنا سوى تأمينه محليًا، وبالتالي، ينبغي أن تراعي التعرفات المرتقبة هذه الطموحات الوطنية وتحدياتها، ونتطلع أن يحظى القطاع الزراعي بدعم حكومي معتبر، يمكّن المزارع من الاستمرارية في الذهاب بعيدًا في إنجازاته الزراعية، وقد أثبت المزارع العماني فعلا جديته في الزراعة، وله انعكاسات ملموسة في تحقيق طموح بلاده في الأمن الغذائي.

وهذه جهود ينبغي الحفاظ عليها لا المساس بها، والنموذج الذي نقدمه للاستدلال به على النجاح وضرورة رعايته، الزراعة في النجد في محافظة ظفار، فالنجد أرض خصبة تمتد لأكثر من 40 ألف كيلومتر مربع، وقد حققت الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي في العديد من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، ويتم تصديرها لدول مجلس التعاون الخليجي، وقد انفتحت الحكومة مؤخرًا على هذا نجاحاتهم تشجيعًا لهم، وأنشأت شركة لتسويق منتجاتهم.. إلخ.

وفي إحصائية نشرتها في مقال سابق فإن عدد أشجار المنطقة من الفاكهة في 115 مزرعة فقط بلغ أكثر من 143 ألف شجرة بينما بلغ إنتاج الخضار السنوي 27 ألف طن و80 طنًا من القمح في مزرعتين بهيلة الراكة والشصر بالإضافة إلى أكثر من ألف طن من التمور و10 ملايين ربطة سنويا من الحشائش كأعلاف للماشية.

ويأتي التوسع المتعاظم في زراعة محصول القمح في منطقة النجد، الحدث الذي نحاجج به من أجل التوصل إلى فاتورة مشجعة للزراعة، فبعد محاولات متواضعة جدًا من قبل مزارعين خلال العام الماضي 2020، ارتفع إنتاج محصول القمح عام 2021، من «60» فدانًا إلى «6010» أفدنة، يبلغ إنتاجها ما بين «720-730» طنًا، بكلفة إنتاجية مرتفعة وبجهود ذاتية تحت الظروف القاسية في صحراء الربع الخالي، وانتصرت بعون من الله عز وجل.

وأية تعرفات مقبلة، سيكون لها تأثير كذلك على المشاريع الحكومية الكبيرة للأمن الغذائي في بلادنا التي انطلقت مسيرتها منذ عام 2008، وحطمت النجاحات في السنوات القليلة الأخيرة بعد اختيار إدارة فعالة وذكية، وعندما نوسع تفكيرنا باتجاه مساعي البلاد لجذب الاستثمارات الخاصة بما فيها الأجنبية لقطاع الزراعة، فينبغي أن تكون فاتورة الكهرباء جاذبة لها، وليست طاردة، ففاتورة الكهرباء يمكن أن يكون لها نفس النتيجتين، فماذا نختار؟ لن نختلف على أن التعرفات المرتقبة لتعرفة الكهرباء، ينبغي أن تكون موضوعية مع واقعية القطاع الزراعي، ورهاناتنا الوطنية عليه، ونخشى من تأثير الفكر الضرائبي، وتركيزه على الآنية لرفد خزينة الدولة بسيولة مالية إضافية، وهذه السيولة في عاجلها ستؤثر سلبًا على المنافع المتعددة الآجلة التي أشرنا إليها سابقًا.