صيف الـسُـخط في أمريكا اللاتينية

01 أغسطس 2021
01 أغسطس 2021

في منطقة الكاريبي، يأتي فصل الصيف حافلًا بالأحداث، فمع تزايد سخونة الطقس، وتحت الأعاصير العابرة، تميل المشاعر إلى التأجج وتندلع الأزمات، مع ذلك، نادرا ما تحدث مثل هذه الأزمات في أكثر من بلد واحد في الوقت ذاته، وتكون المخاطر التي تفرضها محدودة في عموم الأمر. ولكن ليس في عامنا هذا.

في السابع من يوليو، اقتحم رجال مسلحون محل إقامة الرئيس الهايتي خوفينيل مويس الخاص في منتصف الليل وقتلوه رميا بالرصاص.

صدمت هذه الواقعة هايتي وأطلقت العنان لصراع سياسي على السلطة. والآن، وافق رئيس الوزراء كلود جوزيف، الذي عمل رئيسا بالوكالة منذ وفاة مويس، على تسليم السلطة إلى آرييل هنري، الذي عينه مويس رئيسًا تاليًا للوزراء قبل يومين فقط من مقتله. ولكن في حين قد يقطع هذا شوطا نحو نزع فتيل الأزمة السياسية المباشرة، فإن الاغتيال لا يبشر بأي خير لاستقرار هايتي أو ازدهارها.

شهد هذا الشهر أيضًا أكبر استعراض للمعارضة في كوبا منذ عقود من الزمن، حيث خرج آلاف من مواطني كوبا إلى الشوارع للاحتجاج على تدهور الظروف المعيشية ونقص السلع الأساسية، بما في ذلك الأدوية أثناء فاشية مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) المتزايدة السوء. ودعا كثيرون إلى إنهاء النظام الشيوعي الذي بلغ من العمر 61 عاما.

من منظور صناع السياسات في الولايات المتحدة، يبدو أن عاصفة كاملة تختمر الآن. كان أسوأ كوابيسهم في أمريكا اللاتينية لفترة طويلة الهجرة الجماعية المتزامنة للاجئين من هايتي وكوبا نحو ميامي. وهذا الاحتمال مخيف بشكل خاص في وقت حيث ارتفعت المخاوف بشأن المهاجرين عند الحدود الأميركية المكسيكية إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2000.

بعد الانقلاب العسكري في هايتي عام 1991، انطلق عشرات الآلاف من مواطني هايتي إلى الولايات المتحدة. واليوم، يعسكر الآلاف من أهل هايتي خارج مكتب اللاجئين المكسيكي في تاباتشولا، على الحدود المكسيكية مع جواتيمالا.

وأقام عدة آلاف آخرون معسكرا «مؤقتا» (يتحول إلى معسكر دائم على نحو متزايد) في تيخوانا. وفي حين حَـذَّرَ وزير الأمن الداخلي الأميركي أليخاندرو مايوركاس مواطني هايتي من محاولة الدخول إلى الولايات المتحدة، فمن المرجح أن يتجاهل تحذيره كثيرون.

في حالة كوبا، ربما تكون أسباب القلق أكثر لدى المسؤولين الأميركيين. في عام 1965، أثناء واحدة من الأزمات الاقتصادية الأولى بعد الثورة الكوبية، سمح فيدل كاسترو للحكومة السويسرية وإدارة الرئيس الأمريكي ليندون جونسون بتشغيل ما يسمى «الرحلات إلى الحرية»، والتي حملت الآلاف من مواطني كوبا إلى ميامي.

في عام 1980، جلبت رافعة مارييل للقوارب - تحت إشراف كاسترو أيضا - نحو 125 ألف كوبي من شتى مناحي الحياة إلى ميامي، وإن كانت الحال انتهت ببعض منهم إلى مجمع عسكري في أركانساس. وفي عام 1994، بعد أعمال الشغب ماليكونازو، أعلن كاسترو أن أي شخص يريد مغادرة كوبا يمكنه أن يفعل ذلك. وعلى هذا فقد انطلق ما بين 25 ألفًا و40 ألف كوبي إلى ميامي على أطواف بسيطة، وانتهت الحال بكثير منهم إلى القاعدة البحرية الأمريكية في جوانتانامو.

كان إرسال الكوبيين حازمين حقائبهم بعد احتجاجات جماهيرية حاشدة الإجراء المعتاد من قِـبَـل النظام. لكن هذا النهج ربما لم يعد كافيًا لنزع فتيل التوترات الداخلية. فبادئ ذي بدء، توفي فيدل، وتقاعد شقيقه راؤول في أبريل بعد أن أدار كوبا منذ عام 2006. كنت أعرف فيدل، وأعلم أن راؤول ليس فيدل. ولا يتمتع هو ولا ميجل دياز كانيل، الذي خَـلَـفَ راؤول رئيسا لكوبا ورئيسًا للحزب الشيوعي، بالعلاقة الكاريزمية التي ربطت فيدل بالشعب الكوبي، في السراء والضراء. علاوة على ذلك، قد تكون الأزمة الاقتصادية التي تواجه كوبا اليوم أكثر حدة حتى من أزمات «الفترة الخاصة» بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

أدى التخفيض الأقصى لقيمة العملة في يناير إلى التضخم المفرط، وشلل الإنتاج، ولا تزال القيود التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب على التحويلات والسياحة من ميامي سارية.

الواقع أن كل ما يريده أهل كوبا تقريبا نادر. إذ ينتظر الناس في طوابير طويلة لشراء السلع الأساسية، ويعانون أثناء انقطاع التيار الكهربائي في حرارة الصيف القائظ. وفي الوقت ذاته، تستعر الجائحة. لا يرى مواطنو كوبا أي ضوء في نهاية النفق. وحتى إذا لاحقت الحكومة إصلاحات اقتصادية جذرية - مثل الخصخصة على نطاق واسع، بتمويل من موارد من الشتات الكوبي، أو التحرير الكامل للواردات - فلن تكون النتائج فورية. تتلخص سمة مميزة أخيرة للأزمة الحالية في الدور الذي تضطلع به وسائط التواصل الاجتماعي.

فعلى الرغم من المبالغة في تضخيم أهميتها في أغلب الأحيان، من الواضح أن اتساع نطاق توفرها في كوبا منذ التطبيع الدبلوماسي في عهد باراك أوباما عام 2016 أحدث فارقا ملموسا. فالآن يستطيع المتظاهرون التواصل بين بعضهم بعضا، وتبادل المعلومات العملية، والشعارات، والصور، والأغاني. ويمكنهم مشاركة تجاربهم مع بقية العالم بشكل لحظي.

لا يوجد دليل أعظم على تأثير وسائط التواصل الاجتماعي من القرار الذي اتخذته الحكومة الكوبية في الحادي عشر من يوليو بإغلاق الإنترنت - وهي السياسة التي لم تتراجع عنها الحكومة بشكل كامل بعد. والآن، تدرس الولايات المتحدة ما إذا كان بإمكانها المساعدة في تمكين مواطني كوبا من استعادة القدرة على الوصول إلى الإنترنت باستخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية من مواقع بحرية.

بطبيعة الحال، استخدم النظام الكوبي أيضًا القمع على الطريقة القديمة. أنه لأمر بالغ الأهمية أن الحكومة تجنبت نشر القوات المسلحة - على الأقل حتى الآن. فمثل هذا التحرك من شأنه أن يضع الأفراد العسكريين أمام اختيار صارخ: إما أن يطلقوا النار على الحشود، إذا صدرت الأوامر بذلك، أو ينضموا إلى المتظاهرين. وأي من الاختيارين يعني نهاية النظام الكوبي كما نعرفه. لكن التغيير ربما يكون جاريا الآن في كوبا. يعرف الجيل الأكثر شبابا من المسؤولين أن الوضع الحالي من غير الممكن أن يستمر. والآن تبدد أي أمل لديهم في إصلاح الاقتصاد، دون إصلاح النظام السياسي أيضا. إذا حدث أي تغيير حقيقي في كوبا، فسوف يمتد تأثيره إلى سائر أرجاء أمريكا اللاتينية. في الوقت الحالي، فاز مرشحو يسار الوسط بالفعل أو من المنتظر أن يفوزوا بالانتخابات الرئاسية في البرازيل، وشيلي، وكولومبيا، وبيرو. وكل من هؤلاء المرشحين له تجربته الخاصة مع كوبا. إن إنهاء النظام الشيوعي هناك من شأنه أن يمكن (إن لم يُـجبِـر) اليسار في أمريكا اللاتينية من التصالح مع ماضيه الاستبدادي وميوله الاستبدادية القديمة.

____________

**وزير خارجية المكسيك الأسبق، وأستاذ في جامعة نيويورك ومؤلف كتاب «أمريكا من خلال عيون أجنبية».

** خدمة بروجيكت سنديكيت