حديث جانبي على هامش مؤتمر آبل

21 سبتمبر 2021
21 سبتمبر 2021

بدر بن عبدالله الهنائي

بالنسبة لشركة مثل آبل فإن الحديث عن هويتها المؤسسية ومحاولة تحليلها وإسقاطها على نظريات الهوية والإعلان والتواصل والأعمال هو حديث يبدأ ولا ينتهي؛ من قميص ستيف جوبز الأسود وبنطاله الجينز اللذين يظهر بهما في مؤتمرات إطلاق أجهزة آبل، إلى إعلان «1984» لإطلاق جهاز ماكنتوش الذي بني بطريقة عبقرية على رواية 1984 لجورج أورويل، وصوت جوني آيف الرخيم بلكنته البريطانية وهو يتحدث بشغف عن دقة تصنيع وتصميم منتجات آبل، وانتهاء بتربع آبل على عرش أغلى العلامات التجارية في العالم وأغلى الشركات قيمة في العالم.

وبالنظر إلى المبادئ التي رسخها مؤسس الشركة ستيف جوبز والتي قد تعكس مستوى معينا من الغرور أو ربما التفرد والخصوصية - وذلك يعتمد على وجهة نظر الفرد - غير أن المتابع يستطيع ملاحظة بعض التنازلات التي اتخذتها آبل في عهد تيم كوك حيال تلك المبادئ؛ حيث بدأت الشركة في إنتاج هواتف بأحجام كبيرة رغم تعهد ستيف جوبز قبل وفاته بعدم القيام بذلك، وقامت باعتماد نظام شحن USB Type C لأجهزة آيباد مقابل نظام Lightning الذي طورته لأجهزتها، ورغبة في توسيع قاعدتها الجماهيرية فقد اعتمدت آبل منصة يوتيوب لبث مؤتمرات إطلاق أجهزتها بعد أن كان بث تلك المؤتمرات محصورا على المنصات التابعة للشركة والتي لا تتاح إلا عبر أجهزة آبل فقط.

وبالرغم من تلك التنازلات ونقاط التحول التي مرت بها الشركة في قناعاتها، إلا أن الهوية المؤسسية لآبل تعتبر أحد أبرز الأمثلة التي يمكن اعتبارها في ما يتعلق بأصالة الهوية المؤسسية Brand Authenticity. حيث يذكر مايكل بيفرلاند في كتابه (أصالة الهوية: العادات السبع للهويات الرائدة) أن إحدى سمات أصالة الهوية لشركة ما هي أن تفخر تلك الشركة بأصولها، وهو ما يمكن الاستدلال به ببساطة من خلال عبارة «صُمم من قبل آبل في كاليفورنيا» التي تتم طباعتها في الجهة الخلفية لهواتفها.

وقد أرادات آبل في مؤتمرها السنوي الأخير لإطلاق أحدث أجهزتها والذي أقيم الأسبوع الماضي أن ترسخ سمة الاعتزاز بمكان نشأتها بشكل بارز وذلك عبر تسمية المؤتمر «بث من كاليفورنيا»، كما كان بداية المؤتمر عبارة عن مشاهد ولقطات من ولاية كاليفورنيا ترافقها مقطوعة لأغنية «روح كاليفورنيا California Soul» التي تم بثها لأول مرة في العام 1967. إن اتباع آبل لهذه الممارسات من شأنه تعزيز قيمة هويتها المؤسسية والتي ما إذا تم مقارنتها بشركات إنتاج الأجهزة الذكية الأخرى يتبين أنها أكثر عراقة وأصالة وموثوقية مقابل عدم إبراز الشركات الأخرى لجذورها أو أمكنة نشأتها أو الحديث عن بلد المنشأ لاعتبارات مختلفة.

أما في أثناء المؤتمر فقد حافظ تيم كوك على إيقاع سير أحداثه بصفته المتحدث الرئيسي فيه وهو يناقل الحديث بين زملائه مبديا الحماس والشغف وثقته في الموظفين. وبالحديث عن الموظفين فإن من أهم ما يمكن التنبه له خلال المؤتمر هو تجسيد الشركة لمبدأ التنوع والشمولية Diversity and Inclusion حيث ظهر الموظفون من الجنسين بنسب متكافئة ومن عرقيات مختلفة وهو ما يمكن أن يكون رسالة ضمنية حول مدى اهتمام الشركة بهذا الجانب.

أما بالنسبة للجانب الأكثر إمتاعا في المؤتمر فهو الإعلانات التي تم تضمينها بعد استعراض كل منتج من المنتجات الجديدة التي أعلن عنها خلال المؤتمر. فبعد الكشف عن ساعة آبل الجديدة تم عرض إعلان يمزج بين الاستمالة العقلية والفكاهة يبدأ بطرح أسئلة وجودية عن سبب وجود الإنسان وهدفه في الحياة ثم ما تلبث أن يطرح المعلق أسئلة مرتبطة بما يمكن أن تقدمه ساعة آبل من إجابات حول الرياضات التي يمكنها قياسها، مختتما الإعلان بأن هنالك العديد من الأسئلة التي نود طرحها وتمتلك إجاباتها ساعة آبل الجديدة. كما يبين الإعلان الآخر حول ساعة آبل مدى متانة الساعة وتصميمها الجديد عبر تمثيل سقوط راكب دراجة هوائية على أنه ظاهرة جيولوجية أشبه بالزلازل أو الانهيارات الصخرية.

وبعد إطلاق جهاز آيباد ميني اللوحي تم بث إعلان يبين القدرات الفائقة التي يمكن أن يقدمها جهاز صغير الحجم، حيث اعتُمِدَ في إخراج الإعلان زوايا تصوير تبين الجهاز بحجم ضخم رغم وجوده في أمكنة ضيقة مثل الجيب أو حقيبة اليد، بالإضافة إلى استعراض ما يمكن إنجازه من مهام مثل إعداد وتقديم العروض المرئية والتصوير والطيران والرسم وغيرها. أما الإعلانات التي جاءت بعد إطلاق أجهزة آيفون - الفئة العادية وفئة برو - فقد ركزت على ذكر مزايا جهاز آيفون 13 برو بالاستمالات المنطقية عبر سرد كل ميزة من مزايا الجهاز وخصوصا ما يتعلق بمواصفات الكاميرا وقوة المعالج وسرعة شبكة الجيل الخامس وقدرة الهاتف على تحمل أقسى الظروف، فيما عنونت الشركة إعلان جهاز آيفون 13 العادي بـ «بطل كل يوم» بتمثيل الحياة اليومية لعامل توصيل وكيف يقوم باستخدام هاتفه الآيفون في تأدية مختلف مهامه العملية والشخصية بكل سهولة وذكاء، ومدى قدرة الهاتف على تحمل مختلف الظروف.

إن أحداثا مثل مؤتمرات آبل السنوية وغيرها من شركات التقنية الكبرى جديرة بالمتابعة ليس فقط من قبل المهتمين بالتقنية، بل وحتى العاملين في تخصصات الهوية المؤسسية والإعلان والتواصل؛ من أجل استدامة مواكبتهم لأحدث الممارسات والتوجهات والأفكار التي يمكن أن تثري الحصيلة المعرفية لديهم. كما أن من المهم ربط ما يتلقاه طلبة تلك التخصصات مع أحدث ما تقدمه كبريات الشركات من إنتاج وتحليله وفقا للجانب النظري من أجل ضمان مستوى أكبر لجاهزية أولئك الطلبة لسوق العمل.