جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري

27 نوفمبر 2022
27 نوفمبر 2022

الإستثمار في الشباب هو وقود الأمم وثروة الشعوب المتقدمة، وذلك بعدم هدر طاقاتهم الضخمة وإسثمارها بما يعود عليهم وعلى أسرهم ومجمتعهم بمنافع كثيرة ومختلفة. فالشباب هم نبض الحياة وقوة الحاضر وأمل المستقبل وبهم تحلم وتتطلع لغد أجمل وتنهض بحضارتك.. ومن هذا المنطلق فقد بارك حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري والتي يسعى سموه من خلالها لإختصار الزمن والنهوض بهذا المجال بصورة أقوى تواكب المرحلة وحجم تطلعاتها.

هذه المسابقة الإبداعية الكبيرة بتنا ننتظرها بشغف وترقب كبير بعد أن سجلت حضورها القوي وتركت بصمة رائعة على كافة الأصعدة؛ الاقتصادية والإحتماعية والبيئية والثقافية وصناعة الإبداع وغيرها. وتؤكد قيمة وجودة الجائزة الحرص الكبير على المساهمة الفاعلة في هذا الجانب المهم الذي يترجم واحدة من أضلاع رؤية عمان ٢٠٤٠ الطموحة.

مسابقة ناجحة أهتمت بجانب قريب من الشباب الحالم والمحب لوطنه الجميل، جائزة تحفز الشباب على الإبداع والبذل، وكان للنسخة الأولى أثر كبير وصدى واسع، وقد تجلَّى ذلك في جميع مراحلها؛ فبمجرد أن تنتهي مرحلة تجد نفسك في مرحلة أجمل وأعمق من المرحلة السابقة. حيث بدأ توافد الطلبات من منتصف يناير ٢٠٢٢، وتم فرز الكثير من الأعمال الإبداعية؛ حيث وصل عدد الأعمال المستوفية لشروط المسابقة إلى ٣٥٦ مشروعا! واستمر العمل الدؤوب للجنة التحكيم على فرز هذا العدد الهائل من الأعمال إلى أن أختيرت أفضل عشرة مشروعات ..وجاء اليوم الموعود، يوم ١٥ مارس ٢٠٢٢ لاختيار أفضل ثلاثة مشاريع.. ليلة مملؤة بعبق الماضي والهوية وبالأفكار واللمحات العصرية الساحرة.

كل ذلك قد مر كلمحٍ بالبصر! وإذا أردت أن أتحدث عن قيمتها العظيمة، فسأحتاج إلى صفحات طويلة؛ فهذه الأسطر القليلة لن تحيط بكل جوانب نفعها ولن توفيها حقها ولكني سأكتفي باقتطاف زهرة من كل بستان، وسأمر سريعا على كل جانب.

فمن الناحية الاقتصادية، فإن تنفيذ المشروع الفائز سيحتاج إلى الكثير من الأيدي العاملة وسيفتح أبواب العمل أمام الكثير من الباحثين عن العمل، وبالتالي سيدرُّ دخلا عظيما للسلطنة مما سيساعد على تحريك وتسريع عجلة التنمية؛ فالمشروع الفائز سيخلق فرصًا استثمارية لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وما يدرينا، فقد تتبنى قطاعات أخرى باقي المشروعات العشرة التي تأهلت للجائزة! وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا المشروع سيكون عنصرا جاذبا للسياحة، وسيكون مقصدا للجميع.

ومن الناحية الاجتماعية، فإن هذا المشروع من شأنه أن يشجع الشباب على الإبداع وإطلاق العنان لخيالهم لتحقيق نجاحات تساعدهم على صعود السلم الاجتماعي بخطى حثيثة بما يضمن لهم الحياة الطيبة. فانظر إلى العدد الهائل من الشباب المشاركين في هذا المشروع! ألا يستحق هؤلاء فرصًا في المجتمع العماني الحديث؟ فسُمُوه ما كان ليبادر بهذا العمل الوطني إلا إيمانا منه بالشباب وبقدراتهم. صحيح أن أصحاب الخبرة في مجال العمارة يسهمون بإسهامات عظيمة في مجال العمارة وغيرها من المجالات، ولكن ماذا عن الشباب؟ كيف نساعدهم على اكتساب خبرات جديدة؟ مَن يتبنى هذه العقول النيّرة ؟ أظن أن هذه الأسئلة قد دارات في خلد صاحب السمو عندما رعى هذه المسابقة..

وأما من الناحية العلمية والمهنية، فهذه الأغصان اليافعة منذ أن سمعت بالمسابقة شعرت بالشغف الشديد وسارعت بالاشتراك، وحاولوا تقديم أفضل ما لديهم. وهذه المحاولات من شأنها أن تطور مهاراتهم في التصميم والعرض والعمل الجماعي وغيرها من المهارات. فهذه الجائزة قد أتاحت الفرصة أمام الشباب لمعرفة المعايير والمهارات التي يتطلبها السوق الحديث. فمن يصبو إلى الاشتراك في الدورات التالية سيبدأ من الآن في اكتساب وتطوير المهارات المطلوبة.

ولكن ماذا عن الطبيعة والبيئة؟ فقد كان من شروط الجائزة أن يتقدم المتسابقون بمشروعات صديقة للبيئة. فهذه المسابقة لا تستهدف الجانب الجمالي فقط ولكنها أيضا تهتم بالجوانب البيئية كاستخدام الطاقة النظيفة المتجددة والتركيز على مبدأ الاستدامة. فلابد أن تعتاد الأجيال الناشئة وتتربى على قيم الحفاظ على البيئة والتطلع إلى العيش في نظام إيكولوجي فعال.

وسلطنة عمان تتمتع بتنوع جغرافي وتضاريسي ساحر وملهم؛ فهناك مناطق بحرية وأخرى جبلية وأخرى صحراوية. وستضمن هذه المبادرة الوطنية انتقال موقع مشروع الجائزة كل عام، بحيث تستفيد كل المحافظات من أهداف التطوير والتنمية. وبالطبع ستختلف طبيعة كل مشروع وشروطه بحسب اختلاف كل مدينة وطبيعتها وجغرافيتها. وهذا الأسلوب يعكس مبدأ المساواة الذي يضع في اعتباره تطوير وتنمية جميع مدن السلطنة؛ فالتنمية لن تقتصر على مسقط العاصمة ولكنها ستمتد لتشمل باقي المحافظات.

ولم تغفل المسابقة الجوانب الشعبية الثقافية؛ فالمشروعات المُقدَّمَة ستكون عصرية لكنها في نفس الوقت لابد أن تعكس روح الحضارة والثقافة العمانية. فكل مدينة تتميز بطابع خاص يستقي تميزه وذاتيته من عاداتها وتقاليدها وهويتها الفريدة.

هل انتهى هذا الحدث الكبير بتسليم الجوائز؟ بالفرحة التي كانت تتلألأ في عيون الفائزين؟ بالطبع لا! فهناك مَن تسلَّم هذه الرواية لاستكمال فصولها. فالمشروع الفائز سيخرج للنور. وما هذا المشروع الفائز إلا الفصل الأول من هذه الرواية الماتعة النافعة. فلم تمر سوى أشهر قليلة إلا وبدأنا نسمع هذه الأيام عن بداية الفصل الجديد! فقد بدأ الترويج الآن للدورة الجديدة للجائزة على صفحتها الرسمية. وسيتنافس المتنافسون لتصميم متحف للتاريخ البحري في ولاية صور.

ومِن المعاني الجميلة التي علَّمتني إياها هذه الجائزة، أن كل مَن شارك في هذه المسابقة كان فائزا. فقد ذكر مُقدِم الحفل هذا المعنى السامي حينما قال: "إن عُمان هي التي فازت بهذه المشروعات". وصدق في قوله! فكل المسابقات فيها فائز وخاسر ولكن هذه المسابقة الكل فيها فائز! وقد يتعجب البعض ويتساءل: "كيف وقد فازت ثلاثة مشاريع فقط بالمراكز الأولى؟!". في الحقيقة، مجرد حصول المشروعات الأخرى على استحسان لجنة التحكيم التي تدعمها الدولة كفيل بأن يزكّي هذه المشروعات؛ فيكفي أن لجنة التحكيم قد اختارت المشروعات العشرة من بين أكثر من ٣٥٠ مشروعا! فهذه المشروعات ستجذب رجال الأعمال والمستثمرين الباحثين عن الإبداع والأصالة.

ومِن اللمسات الجميلة التي أبرزت رؤية عُمان وتتطلعها نحو مواكبة المستجدات المعرفية والمتغيرات التقنية، أن جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري هي أول جائزة في الشرق الأوسط تعتمد تقنية الـ NFT كنسخة من الجوائز (وهي تقنية الأصول الرقمیة غیر القابلة للاستبدال). وهذه لفتة لطيفة تُذكِّرنا بأهمية التحول الرقمي والانطلاق نحو المستقبل.

وأخيرا وليس آخرا، فإن هذه الجائزة تعزز من روح الوطنية؛ حيث تبث حب الوطن ليس فقط في قلوب الشباب المشاركين ولكن أيضا في نفوس أصحاب الشركات الهندسية المستعدة لبذل الغالي والنفيس في سبيل رِفعة الوطن ورُقِيّه.