تعهدات بايدن للفلسطينيين.. عام من الخيبات

25 يناير 2022
25 يناير 2022

ترجمة: أحمد شافعي -

مع حلول نهاية السنة الأولى من رئاسة بايدن، سوف يعمل الخبراء وجماعات المصالح من شتى الاتجاهات على تقييم مدى نجاحه في دفع الأجندة التي وضعها لإدارته. ولأنني كنت منخرطا في مفاوضات مع فريق بايدن حول اللغة التي من شأنها صياغة برنامجه للقضايا المتصلة بالشرق الأوسط، فإنني أريد أن أركز على بعض الالتزامات التي تعهدت بها حملة بايدن سواء في برنامجها أو تعهدت بها بشكل مباشر للأمريكيين العرب، وبخاصة ما يتصل بالتعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

إنني منخرط في معارك على برنامج الحزب الديمقراطي منذ العمل في حملة جيسي جاكسن الرئاسية سنة 1988. في ذلك الوقت، بعد حث حملة دواكيس على القبول ببعض الإشارات إلى الفلسطينيين، قيل لي إن "كلمة الفلسطينيين لو ظهرت محض ظهور في البرنامج، فسوف يتداعى كل شيء". وننتقل إلى المستقبل في عام 2016: في أثناء العمل مع حملة ساندرز، خضت حربا ـ وخسرتها ـ من أجل إدراج كلمة عن معارضة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في برنامج كلنتون. في ضوء هذا التاريخ، سرَّني أن فريق بايدن كان على استعداد لإدراج شيء من اللغة التي فشلنا في إدراجها في سنين سابقة.

فقد تكلم برنامج بايدن ـ مثلا ـ عن "تساوي الإسرائيليين والفلسطينيين قيمة وشأنا". وأدان أيضا المستوطنات الإسرائيلية. لقد كان ما ركزنا عليه في 2020 هو الإصرار على قبول حملة بايدن لمبدأ الشرط، فيربط الدعم السياسي والاقتصادي الأمريكي لإسرائيل بسياساتها في الأراضي المحتلة. وفشلنا في إدراج أي لغة على هذه الشاكلة في البرنامج، وغياب مبدأ الشرط هذا هو السبب في أن إدارة بايدن عاجزة عن الوفاء بكثير من العهود التي قطعتها للفلسطينيين خلال الحملة.

في كل من برنامج بايدن عام 2020 و"خطة الشراكة" التي أعلنتها حملته مع مجتمع الأمريكيين العرب، عالج بايدن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على النحو التالي:

1 ـ "يؤمن بايدن أن لكل فلسطيني ولكل إسرائيلي شأنا وقيمة. وسوف يعمل على ضمان أن ينعم الفلسطينيون والإسرائيليون بمساواة في إجراءات الحرية والأمن والرخاء والديمقراطية".

2 ـ "سوف ترتكز سياساته على الالتزام بحل الدولتين، حيث تعيش إسرائيل ودولة فلسطينية مستقبلية قادرة في سلام وأمن واعتراف مشترك".

3 ـ "يعارض بايدن أي خطوات أحادية الجانب من أي من الطرفين من شأنها تخريب حل الدولتين. ويعارض ضم الأراضي أو التوسع الاستيطاني وسوف يستمر في معارضة الأمرين في رئاسته".

4 ـ "سوف يتخذ بايدن فور توليه الرئاسة خطوات لاستعادة المساعدة الاقتصادية والإنسانية للشعب الفلسطيني، بما يتسق والقانون الأمريكي، بما في ذلك دعم اللاجئين، والعمل على معالجة الأزمة الإنسانية القائمة في غزة".

5 ـ "إعادة فتح القنصلية الأمريكية في شرق القدس".

6 ـ "والعمل على إعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن".

وبعد عام، تكشف نظرة سريعة على هذه القائمة أن إدارة بايدن فشلت في الوفاء بأي من التعهدات التي قطعتها على نفسها في التعامل مع القضية الإسرائيلية الفلسطينية بل وفشلت حتى في إحراز تقدم نحو أي منها، باستثناء رقم 4.

فقد عوملت حياة الفلسطينيين وقيمتهم مرارا وتكراراباعتبارهما تاليتين لحياة الإسرائيليين وقيمتهم. واستمرت إسرائيل في اتخاذ إجراءات أحادية الجانب تجعل حل الدولتين مستحيلا حتى في الخيال. ويبدو أن إدارة بايدن استسلمت لإسرائيل ولـ"الصقور" الموالية لإسرائيل في الكونجرس في ما يختص بمسألة إعادة فتح قنصلية القدس (التي تقع فعليا في القدس الغربية لا الشرقية) ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

خلال العام الماضي تدهور الوضع الذي يواجهه الفلسطينيون في الأراضي المحتلة بشكل جلي. فحرب غزة ـ التي تفجرت بسبب أفعال إسرائيلية استفزازية تهدد بتغيير الوضع القائم في الحرم القدسي ومحاولات لإجلاء الفلسطينيين عن بيوتهم في القدس ـ وباستعمال حماس الخطير للصواريخ ـ تسببت في وفاة أكثر من مئتي فلسطيني وأكثر من عشرة إسرائيليين، وخراب البنية الأساسية في غزة، ودمار منازل عشرات الآلاف. كما لقي عشرات المتظاهرين الفلسطينيين في الضفة الغربية مصرعهم بنيران إسرائيلية.

لم يبدر عن إدارة بايدن غير رد فعل جبان تجاه الأفعال الإسرائيلية في القدس واستعمالها غير المتناسب للقوة في غزة والضفة الغربية. والمساعدة التي عرضتها الولايات المتحدة على الفلسطينيين، وإن تكن مشكورة، بلغت 360 مليون دولار، وهي شذرة إن قورنت بمساعدات لإسرائيل تبلغ 3.8 مليار دولار سنويا، يضاف إليها مليار دولار لتجديد نظام دفاع القبة الحديدية.

لقد أعلنت حكومة إسرائيل الجديدة عن خطط لزيادة كبيرة في عدد الوحدات السكنية الاستيطانية في الأراضي المحتلة و"شرعنت" عددا من المستوطنات القديمة "غير المرخصة"، وهذا النمو مخطط استراتيجيا لمزيد من ترسيخ السيطرة الإسرائيلية على الأراضي وجعل إقامة دولة فلسطينية مستقلة قادرة أمرا مستحيلا. في الوقت نفسه واصلت إسرائيل تدمير المنازل الفلسطينية، ولم تفعل شيئا لكبح تصاعد عنف المستوطنين المنظم وتحرشهم بالفلسطينيين المقيمين على مقربة من المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية. ولزيادة الطين بلة، أعلن الإسرائيليون كبرى الجماعات الفلسطينية العاملة في مجال مراقبة ومناصرة حقوق الإنسان جماعات إرهابية تابعة في محاولة لإثناء البلاد الأوربية عن مواصلة الدعم المالي لها.

في مواجهة كل هذه الأفعال الإسرائيلية، لم تفعل إدارة بايدن أكثر من التعبير عن "قلقها العميق" الذي تتجاهله إسرائيل بكل أريحية ـ نظرا لغياب مبدأ الشرط. وعدم القيام بأي إجراء ملموس لدفع إسرائيل إلى إيقاف النمو الاستيطاني مع السماح بالضم التدريجي للأرض الفلسطينية وزيادة الضغط على الفلسطينيين الأسرى يتعارض مع جميع الأهداف التي وضعها فريق بايدن.

في محاولة للدفاع عن تخاذل الإدارة، يعرب بعض المدافعين عن خوفهم من أن اتخاذ موقف أكثر عنفا تجاه الحكومة الإسرائيلية الجديدة قد يهدد استقرارها ويخاطر بإرجاع نتانياهو مرة أخرى إلى السلطة. ويرون أيضا أن التحديات التي ستواجه إسرائيل سوف تتسبب في ردود فعل سلبية من الجمهوريين وبعض الديمقراطيين في الكونجرس. ومع أن هذا قد يكون صحيحا، فإن تقديم أوضاع إسرائيل السياسية الداخلية على الحقوق الفلسطينية يشكك في التزام إدارة بايدن المعلن بـ"تساوي كل من الإسرائيليين والفلسطينيين قيمة وشأنا"، ويجعل هذه التعهدات للفلسطينيين مجرد كلمات جوفاء.

لا يزال أمام الرئيس بايدن وقت لتصحيح المسار وإظهار الزعامة اللازمة بحق والوفاء بالعهود التي قطعها على نفسه في برنامجه. وسيكون هذا هو الفعل الصحيح من جانبه. لكنني، في ضوء سجله حتى الآن، لا أثق كثيرا في أنه سوف يفعل.

• جيمس زغبي رئيس المعهد الأمريكي العربي وكان عضوا في اللجنة الوطنية الديمقراطية من 2001 إلى 2017

• ترجم المقال عن ذا نيشن