بايدن بعد مائة يوم من الرئاسة

04 مايو 2021
04 مايو 2021

مضت مائة يوم على تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، أي أقل من 7٪ من المدة التي انتُخب ليقضيها في منصبه. ومع ذلك، ليس من السابق لأوانه استخلاص بعض الاستنتاجات المبدئية حول طبيعة رئاسته.

إن أهم ما قام به بايدن حتى الآن هو توسيع نطاق إمدادات لقاح (كوفيد-19)، وتسريع وتيرة التمنيع على المستوى المحلي. إذ قدمت الولايات المتحدة حوالي 220 مليون جرعة منذ تولى بايدن منصبه، كما تتوفر على أكثر مما يكفي من الإمدادات لضمان تمنيع جميع الأشخاص البالغين.

وتراجعت حصيلة الوفيات اليومية جراء المرض من أكثر من 4000 وفاة في اليوم إلى أقل من 1000، كما أن الاقتصاد على استعداد للانطلاق، حتى أن البعض قلق من احتمال نشاطه بصورة مفرطة.

وخلال هذه الأيام المائة، برزت المحاور الأساسية التي تشكل جوهر رئاسة بايدن، والتي وضحها في خطابه الذي ألقاه في 28 أبريل أمام الكونجرس، وهي: التركيز على معالجة التحديات المحلية، وتوسيع دور الحكومة الفيدرالية في تحفيز الاقتصاد، وتوفير الخدمات الأساسية، والدعم المالي للمواطنين، والالتزام بالتصدي للعنصرية، وتحديث البنية التحتية، وزيادة تنافسية الدولة، ومكافحة تغير المناخ. وهناك أيضًا استعداد لزيادة الضرائب على الشركات والأثرياء لتغطية جزء مما ستكلفه هذه المبادرات.

ويبقى أن نرى مقدار ما يمكن تحقيقه من هذه الأجندة، وفي الوقت الراهن، يمكن فهم المقارنات بين بايدن، وفرانكلين ديلانو روزفلت، أو ليندون بي جونسون، ولكنها، إلى حد ما، سابقة لأوانها ويمثل الكثير مما أنجزه بايدن أو يريد إنجازه خروجًا حادًا عن نهج سلفه، دونالد ترامب، ويحظى بشعبية لدى العديد من الأمريكيين. ومع ذلك، يثبت نهجه في السياسات المتعلقة بالهجرة عكس ذلك. إذ يرى البعض أن رسائله مسؤولة جزئيًا عن الزيادة في عدد الأشخاص ممن يحاولون دخول الولايات المتحدة عبر حدودها الجنوبية.

وفي الوقت نفسه، يرى العديد من الجمهوريين أن السقوف المحددَة لقبول اللاجئين مرتفعة للغاية، بينما يراها العديد من الديمقراطيين غير مرتفعة بما يكفي.

مع ذلك، فإن المقارنات مع ترامب فيما يتعلق بالسياسة الخارجية هي الأكثر إثارة للاهتمام. إذ للوهلة الأولى، لا يمكن أن يكون بايدن مختلفا عن ترامب بصورة أكثر مما هو عليه الآن. فقد اعتنق التعددية، وأعاد الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ. وتعمل إدارته على إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، الذي انسحب منه ترامب من جانب واحد. وأعاد بايدن الحلفاء والتحالفات التقليدية إلى موقع أساسي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وقد استضاف بالفعل رئيس الوزراء الياباني، يوشيهيدي سوغا، في واشنطن، وسوف يقوم بأول رحلة خارجية له إلى أوروبا في يونيو، من أجل حضور قمة مجموعة السبع. ولن يتم سحب أي قوات أمريكية من ألمانيا، وهو ما قال ترامب: إنه سيقوم به. وجعلت إدارة بايدن حقوق الإنسان محور سياستها الخارجية، وانتقدت باستمرار روسيا والصين، وفرضت عقوبات على ميانمار.

بيد أن هناك استمرارية في السياسة الخارجية بين بايدن وترامب بصورة تفوق ما يبدو للعيان للوهلة الأولى. لنأخذ أفغانستان على سبيل المثال، حيث يبلغ الفرق بينهما ما يزيد قليلًا عن أربعة أشهر. لقد وقع ترامب اتفاقية مع طالبان ألزمت الولايات المتحدة بسحب جميع قواتها العسكرية بحلول الأول من مايو، والتزم بايدن بالقيام بذلك بحلول 11 سبتمبر. وما له أهمية مماثلة، هو أن بايدن كرر إصرار ترامب على أن الجدول الزمني هو الذي سيحدد تاريخ الانسحاب العسكري الأمريكي، وليس الظروف المحلية.

وهناك استمرارية كبيرة فيما يتعلق بالسياسة تجاه الصين أيضًا. إذ لم نعد نسمع مطالبات بتغيير النظام، لكن الاتصال الدبلوماسي رفيع المستوى الوحيد بين المسؤولين الأمريكيين والصينيين لم يكن دبلوماسيا على الإطلاق.

ومن ناحية أخرى، حافظت إدارة بايدن على الرسوم الجمركية وضوابط التصدير كما هي، واستمرت في إرسال السفن الحربية الأمريكية لتحدي مزاعم الصين في بحر الصين الجنوبي، ووصفت بدورها الإجراءات الصينية في شينجيانج على أنها إبادة جماعية، وفرضت عقوبات على المسؤولين الصينيين، وحافظت على اتصالات رفيعة المستوى مع تايوان.

أما بالنسبة للتجارة، فالشيء الذي لم يتغير بعد هو غياب المبادرات. إذ من خلال السياسة القوية المختلفة التي يعتمدها بايدن تجاه الصين، ليس هناك ما يدل على أن الولايات المتحدة ستعيد النظر في عدم رغبتها في الانضمام إلى التجمعات التجارية الإقليمية لآسيا والمحيط الهادئ. وبدلًا من ذلك، هناك التزام مستمر بـ«شراء المنتجات الأمريكية»، إلى جانب الحديث عن السياسة الخارجية للطبقة الوسطى، وهو شعار فارغ، يشير إلى أن التجارة ستظل ذات أولوية متدنية نظرًا لما تثيره من جدل ما زال قائمًا مع العديد من الأمريكيين. وحتى في سياق (كوفيد-19)، اعتمدت رئاسة بايدن شيئًا من نهج «أمريكا أولًا» عندما تعلق الأمر بمشاركة (أو بالأحرى رفض مشاركة) اللقاحات الأمريكية الصنع مع بقية العالم.

وجاء التغيير متأخرًا ومصحوبًا بالالتزام بمشاركة ما لم يُستغل بعد من إمدادات لقاح أسترازينكا مع الآخرين. ولكن التحول محدود، وقد أتاح التأخير فرصًا استراتيجية للصين وروسيا، وأدى إلى تباطؤ الانتعاش الاقتصادي في جميع أنحاء العالم، وزاد من المصاعب، ومنح متحورات (كوفيد-19) فرصة أكبر للظهور واكتساب المزيد من القوة.

وباختصار، رغم أن ترامب لم يعد في المكتب البيضاوي، إلا أن سياسته لا تزال تلوح في الأفق. فهجماته على التجارة الحرة والهجرة، والترويج لوجهة نظر «أمريكا أولًاً» الضيقة تجاه العالم، والانحياز نحو التخفيضات هي الآن وفي المستقبل المنظور جزء من النسيج السياسي. ولا تزال أمريكا مستقطبة بينما الكونجرس منقسم بالتساوي تقريبا. ويترك هذا مجالا محدودًا لبايدن حتى يقوم بمناورة تمكنه من تعزيز الديمقراطية وإجراء الدبلوماسية وتنشيط المؤسسات العالمية.

وعلى غرار جميع الرؤساء الأمريكيين، لا يزال بايدن يتمتع بقوة ونفوذ كبيرين. ولكن، كما أظهرت الأيام المائة الأولى من ولايته، فإن الشيء الوحيد الذي لا يستطيع الرؤساء الأمريكيون السيطرة عليه هو السياق الذي يعملون فيه.

______________

** رئيس مجلس العلاقات الخارجية، شغل سابقًا منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية (2001-2003)، وكان المبعوث الخاص للرئيس جورج دبليو بوش إلى أيرلندا الشمالية ومنسق مستقبل أفغانستان.

** خدمة بروجيكت سنديكيت