المحاكم لا يمكنها وقف آلة الاستيطان الإسرائيلي

15 أغسطس 2022
15 أغسطس 2022

جيرشوم جورنبرج -

ترجمة: قاسم مكي -

عندما قرأت عنوان الخبر الذي يتحدث عن أحدث قرار للمحكمة العليا حول الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية غضبت من المحكمة ومن نفسي. سبب الغضب من المحكمة كان بسيطا ويسهل فهمه. فهي سمحت بأغلبية ثلاثة من أعضائها الأربعة لمستوطنة بالبقاء على أرض مملوكة ملكية خاصة للفلسطينيين. وصادقت بذلك قضائيا على سرقة.

أما بالنسبة لغضبي من نفسي فقد أدركت أنني كنت متمسكا بخيط واهٍ من الأمل بإمكانية محاربة المشروع الاستيطاني الذي يشكل جوهر الاحتلال بتقديم الأدلة والمرافعة المنطقية أمام أعلى محكمة في إسرائيل. لقد كنت ساذجا.

سأقول -دفاعا عن نفسي- إنني تعلمت التعلل بهذا الأمل من التاريخ ومن ناشطين ومعلّقين أحترمهم.

في قضية شهيرة تعود إلى عام 1979 قررت المحكمة العليا أن الحكومة أخطأت ببناء مستوطنة على أرض سبق مصادرتها من قبل الجيش بدعوى استخدامها لأغراض عسكرية. توصلت المحكمة إلى أن تلك المستوطنة لا تخدم الاحتياجات الأمنية. وبما أن الاحتلال العسكري بطبيعته مؤقت لا يمكن للحكومة بحسب قرار المحكمة الاستيلاء على أرض خاصة لمقيمين وتحويلها إلى مستوطنة دائمة. لم تكن الحكومة سعيدة بذلك. لكنها أزالت المستوطنة.

حقا تجنبت المحكمة إصدار حكم وقتها وحتى الآن على المسألة البالغة الأهمية المتمثلة في عدم قانونية توطين الدولة المواطنين الإسرائيليين في أرض تحت الاحتلال العسكري. مع ذلك وضعت بذلك سابقة قضائية فحواها أن هنالك حدودًا لما يمكن أن تفعله الدولة في الأرض المحتلة. لقد كانت هنالك قوانين. وكان هناك إشراف قضائي. وإذا لم يكن بمقدور خصوم الاستيطان هزيمته بقرار قضائي واحد وكبير سيكون في مقدروهم شن حرب استنزاف قانونية ضده.

في العشرية الأولى من هذا القرن لاحت إمكانية تحقيق ذلك. أحد الأسباب كان اللاشرعية الفاقعة لما يزيد عن مائة مستوطنة صغيرة أنشئت بعد معاهدات أوسلو. لم تنتهك هذه البؤر الاستيطانية القانون الدولي فقط بل أيضا عدة قوانين كانت إسرائيل نفسها تحكم بموجبها الضفة الغربية كما فصَّل ذلك تقرير أمرت الحكومة بإعداده في عام 2005.

أوضح التقرير أن بؤرا استيطانية عديدة كانت مشيدة على أراض مملوكة للفلسطينيين. وكشف بحث أجرته المنظمة الإسرائيلية «السلام الآن» أن المستوطنات الأقدم التي صادقت الدولة على إنشائها مشيدة جزئيا على أراضٍ فلسطينية خاصة. إلى ذلك، قدمت قاعدة بيانات سرية تابعة للجيش سُرِّبَت في عام 2009 تفاصيل أكثر عن سرقة الأراضي.

وطالبت مجموعتان إسرائيليتان لحقوق الإنسان المحكمة بإصدار أمر بهدم 9 مساكن يجري بناؤها على أملاك فلسطينية في مستوطنة «عوفرا» الأقدم. وكنت قد كتبت في تفاؤل وقتها أنه في حال» نجحت هذه القضية ستهتز الأرض تحت عوفرا والمستوطنات الأخرى.»

بعد سنوات من المحاكمة أمرت المحكمة الدولة بهدم المساكن. في هذه الأحكام القضائية وفي أقضية أخرى غيرها متعلقة بالمستوطنات بدا أن المحكمة لديها على الأقل خط أحمر واحد وهو أنها ستحمي حقوق الملكية العقارية الخاصة للفلسطينيين.

رغما عن ذلك لم تهتز الأرض تحت المستوطنات الأخرى. فالانتصارات الصغيرة في المحكمة لا تغير السياسات الحكومية الكبيرة. وفي أحدث حكم قضائي تخطت المحكمة الدستورية خطها الأحمر بنفسها.

الحكم الذي تناول قضية بؤرة استيطانية في الضفة الغربية تدعى متسبيه كراميم نقض أمرا قضائيا سابقا بإخلاء المستوطنين الذين شيدوا بيوتا على أرض فلسطينية. هذه المرة قضت المحكمة بأغلبية قضاتها أن مسؤولا حكوميا خصص الأرض للمستوطنين اعتقادا منه «بحسن نية» أنها تابعة للدولة. وتطبيقا لقاعدة مستمدة من القانون الإسرائيلي ذكرت المحكمة بوجوب حصول الملاك القانونيين على أرض أخرى تعويضا لهم وبقاء البؤرة الاستيطانية.

كانت إجراءات المحكمة كلها، بمعنى ما، مشوبة «بسوء النية» فكما شرح لي عالم قانون إسرائيلي؛ لقد طبق القضاة القانون الخاص الذي يلائم النزاعات داخل حدود الدولة على العلاقات بين المحتل ومن هو خاضع للاحتلال. وبموجب القانون الدولي حتى إذا كانت الأرض موضع النزاع من الأملاك العامة في الواقع يجب ألا تخصص للمستوطنين. لقد أنشئ المشروع الاستيطاني على أساس تجاهل هذا المبدأ القانوني.

من المعقول أن يواصل الناشطون الإسرائيليون المعركة في المحاكم لمساعدة الفلسطينيين الأفراد ولإبقاء هذه القضية أمام أعين الناس. لكن من الخطأ معاملة المحكمة العليا بوصفها مجموعة من الملوك الفلاسفة الذين سيعيدون تشكيل السياسة الوطنية على أساس السعي البحت وراء العدالة. إنهم جزء من الدولة المحتلة عندما يتعاملون مع الاحتلال.

وحتى عندما يسعون إلى أن يكونوا أكثر موضوعية وأكثر عدالة فإن (قراراتهم) يشكلها النقاش العام الإسرائيلي.

نحن في إسرائيل الذين نعدّ المستوطنات والاحتلال غير عادلَين وخطرا على الدولة علينا أن نكرس المزيد والمزيد من الجهود لإعادة هذه القضية إلى قمة الأجندة السياسية الإسرائيلية. والمحكمة التي يلزمنا إقناعها هي محكمة الرأي العام.

جيرشوم جورنبرج مؤرخ وصحفي إسرائيلي. أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان «ظلال الحرب: مفككو الشفرات والجواسيس والصراع السري لطرد النازيين من الشرق الأوسط».

الترجمة عن «واشنطن بوست»