المجلس التنسيقي العماني السعودي.. ورهانات التحولات الثنائية والإقليمية

28 يوليو 2021
28 يوليو 2021

د. عبدالله باحجاج -

يتعاظم دور المجلس التنسيقي العماني السعودي بين أهميته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والإعلامية وحتى الأمنية، فهو بمثابة عقل هذه الشراكة، وموجهها، ومكتشف مكامن قوتها، وضامن ديمومتها، وحريص على توازناتها بين البلدين، ونعول عليه كثيرا في تجسيد انعكاساتها على الشعبين الشقيقين، وطموحنا الأكبر، أن تعم منافعها على بقية دول وشعوب المنطقة، وهذا الطموح ليس مثاليا أو لدغدغة العواطف، وإنما تتوفر له كامل العوامل لتحقيقه، إذا تلاقت الإرادات السياسية للدول، وحاولت الاستفادة من تجاربها الفاشلة السابقة، وهو يتناغم مع تطلعات شعوب المنطقة كلها، فقد تعبت هذه الشعوب من التوترات والصراعات المتتالية بين دولها.

وفق ما أعلن من مشاريع ضخمة بين مسقط والرياض حتى الآن، وما ننتظره من مشاريع مقبلة، فإنه من المتوقع أن يكون للمجلس التنسيقي العماني السعودي أمانة عامة، ولجان قطاعية، ولجنة استشارية، يدير ويطور حجم الشراكة المتعددة المجالات بين البلدين، ونتفهم بوعي عال إسناد رئاسة المجلس لوزيري خارجية البلدين، وليس غيرهما حتى لو كانت بمسميات أكبر، فهما الأعلم بالسياسة ودهاليزها، وهما المعنيان بمواصلة تنسيق المواقف والسياسيات، وكذلك تجسيد مفهوم التنسيق الدائم بين البلدين، لضمانة عدم تأثير المستجدات الطارئة على الشراكة، وفق ما كشفته القمة العمانية السعودية مؤخرا من تفاهمات وتوافقات على حل قضايا إقليمية معقدة جدا كالأزمة اليمنية وأزمة نووي إيران.

والذي يشغلنا كثيرا ودائما، الدور الاجتماعي الذي نحمله هذا المجلس، والذي من خلاله ستحقق الشراكة غاياتها، وهي الديمومة والاستقرار، وكلما كانت المصالح الاجتماعية فيها أي الشراكة - عميقة وواسعة، كلما كانت الشعوب الضامنة لها، والمدافعة عنها، على عكس استفراد الشركات بالمنافع لوحدها، من هنا، نقترح إشراك الشعبين في اللجنة الاستشارية، عبر اختيار ممثلين لهما من المجالس التمثيلية في كلا البلدين، ومن المفكرين أصحاب الرأي والمشورة، لدواعي التمثيل الشعبي، ولضمانة الاعتداد بالأبعاد الاجتماعية، وتعميقها في بنية المصالح، وجعلها مستهدفة لذاتها، عوضا أن تكون ضمن السياقات التلقائية.

ولنا تجارب محلية وخليجية عربية، تجعلنا نملك الوعي السياسي بمثل هذه المسارات، وانعكاساتها على الشعوب خاصة في عصر جديد غير مسبوق تشهده المنطقة الخليجية، وهو عصر الضرائب ورفع الدعم التقليدي عن المجتمعات، مما تظهر هذه المجتمعات الآن غير قادرة لوحدها على مواجهة هذه التحولات الفارقة، وهذا يحتم علينا توجيه وعي الشراكة بهذا المسار عبر المطالبة بالاعتداد بالأبعاد الاجتماعية، والتحذير من عدم توازن منافعها بين البلدين بما فيهم الشعبين.

من هنا يتجلى أهمية ضبط عملية تأسيس الشراكة، لكي تكون شاملة المستهدفين مثل ما هي شاملة لمعظم المجالات، إذن، كيف يمكن إدماج مصالح الشعوب المباشرة في منافع الشراكة العمانية السعودية؟ لو تأملنا في طبيعة المشاريع الضخمة للشراكة، ففيها من الإمكانية السهلة لدمج الأبعاد الاجتماعية فيها، لكن تستوجب إدارتها، وهذه مهمة المجلس التنسيقي العماني السعودية، كالطريق البري المباشر والوحيد بين البلدين، وكمد أنبوب النفط السعودي عبر الأراضي العمانية وصولا لبحر العرب، وكالمنطقة الصناعية.. فهذه مصالح كبرى ذات حمولة اجتماعية، لذلك، لا بد من تمرير منافع مستهدفة للمواطنين. وبقليل من التفكير المشترك، سنهتدي سريعا، إلى ضرورة أن يضاف إلى مشاريع تأسيس الشراكة، مشاريع استراتيجية أخرى، وذات حمولات متعددة، اقتصادية وأمنية واجتماعية وسياسية، لعل أبرزها، مشروع القطار بين البلدين، وطريق بري ثان عن طريق نيابة ميتين بولاية المزيونة بمحافظة ظفار من الجانب العماني، والخرخير بمنطقة نجران من الجانب السعودية، فهذا الطريق له دواع متعددة، أبرزها، الاستفادة من المنطقة الحرة بالمزيونة التي تخدم اليمن الشقيق الذي هو قوة استهلاكية دائمة «32» مليون نسمة، وكذلك لمرحلة إعادة إعمار اليمن، أما القطار، فتكمن أهميته من منظور التعدد اللوجستي، والسرعة المطلوبة للبضائع والسلع والأفراد والمعدات الأخرى لمختلف الاحتمالات الاعتيادية والطارئة.

وتلكم رؤية لحجم المنافع المحتملة وانعكاساتها على الشعوب، فلو تركناها للسياقات التلقائية، فنخشى طغيان الربحيات للشركات على الأبعاد الاجتماعية، والخشية نفسها من طغيان الرأسماليات الكبيرة على نظيراتها الأقل منها، والاستفراد بحصة الأسد، فحجم المصالح في مثل هذه الشراكات لا يقاس بحجم الاستثمارات الخارجية فقط، وإنما بجيواستراتيجيتها، وهنا تميل المصلحة الغالبة للجانب السعودي عبر استثماراته الكبيرة، ومشاريعهم الضخمة التي سيفتح لها ثلاثة بحور مهمة مطلة على البحار الدولية المفتوحة تطل عليها السلطنة، أبرزها بحر العرب، هذا البحر الذي كان حلم الرياض القديم المتجدد، لكي تنقل نفطها للأسواق العالمية بعيدا عن مضيق هرمز وتوتراته الدائمة، وهذا الحلم يتحقق الآن، فما هو مردوده المالي لبلادنا؟

وتلكم رهاناتنا على المجلس التنسيقي العماني السعودي، وليس الشركات الخاصة أو العامة، بعد أن تم توجيه بوصلة الاستثمارات السعودية الخاصة السلطنة للاستثمار فيها بعد ما التقت مصالح البلدين الاستراتيجية الآن، وهذا مسار لا يمكن أن يحدث ما لم تكن مسقط والرياض قد توصلتا إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى للأزمات والقضايا الإقليمية والعالمية، وهذا سيكون له دور مباشر على التسويات الإقليمية كما ذكرت ذلك في مقال سينشر قريبا في مجلة خليجية بارزة فتلكم المشاريع متعدية الثنائية، ولها انعكاسات على شعوب ودول المنطقة، ومعها، سيكون السلام والاستقرار الإقليمي مصلحة مباشرة لمسقط، مثلما هي كذلك لكل الأطراف، وستوظف مسقط كل اتصالات وعلاقاتها باتجاه التسويات الإقليمية لمصلحة هذه الشراكة التي يمكن أن تستوعب كل دول المنطقة، بما يشمل شعوبها. وهذا أيضا تفكير ينبغي أن ينفتح عليه المجلس التنسيقي، بحيث تكون واعية بالمحيط الإقليمي للشراكة العمانية السعودية، فالخلافات والصراعات لن تظل ملازمة لدول المنطقة طويلا، ومؤشرات الأحداث الإقليمية والعالمية الراهنة، تزكي القناعة السياسية بانتهاء العصر الذي تعتمد فيه الدول على الخارج، وهذه المؤشرات، تظهر كذلك الأهمية الوجودية للمنظومة الخليجية، وتصالحها مع محيطها الإقليمي، وتحقيق السلام والاستقرار، ويمكن أن نجد في الشراكة العمانية السعودية منطلقات لهذا التحول التاريخي، لذلك، فعلى مسقط والرياض أن يقودا هذا التحول بإغراءات الثنائية المتساوية من جهة والإقليمية الجاذبة لها.

وكلنا تابعنا فرحة الشعوب الخليجية الغامرة، خصوصا الشعبين الشقيقين والجارين، العماني والسعودي، بالقمة التاريخية بين السلطنة والمملكة، ونتائجها القبلية والبعدية، وحجم التفاؤل الكبير بالمستقبل الناجم عنها، ووراء هذه الفرحة وحجمها تكمن الحقيقة، وهي أن الشعوب الخليجية العربية قد تعبت من توترات وخلافات دولها المتتالية، تعبت بعد ما أرهقتها المقاطعات والفتن، فهل تدرك الأنظمة الخليجية تداعيات هذا التعب، وتوق شعوبها إلى الاستقرار والتنمية؟

ولنا أن نوسع من نطاق تفكيرنا إذا ما تلاقى هذا التعب وفقدان الأمل في الاستقرار والتنمية مع استمرارية استنزاف المقدرات المالية الخليجية في صراعات وحروب فاشلة، تتلاقى مع مرحلة الضرائب والرسوم وازدياد أعداد الباحثين عن عمل في كل دولة خليجية، والمرتبات المتدنية.. فكيف سيكون المشهد السياسي في الخليج؟ وما تطرحه هذه الفقرة من إشكاليات موضوعية وحتمية، ينبغي أن تدخل في صلب التفكير الاستراتيجي للمجلس التنسيقي العماني السعودي، وهذا يستوجب أن يكون في المجلس مفكرون من كلا البلدين متخصصون وممثلون ومؤهلون لذلك.

كل الفرص مواتية الآن، والكرة في الملاعب الخليجية الستة، وتقودها الآن الشراكة العمانية السعودية، وسياسيا لا بد أن يكون هناك وعي سياسي بهذه الرهانات، ومخاطرها في الوقت نفسه، وتضع القيادتان في كلا البلدين كل تلكم الفرص الكبيرة، وتحولاتها التاريخية من مسؤولية المجلس التنسيقي العماني السعودي، فمسماه تنسيقي، بينما محتواه وأدواره أكبر من مسماه، من هنا يأتي أهمية تشكيله ولجانه وكوادره وأطره، والانفتاح على النفعية المتبادلة والمتعدية إقليميا، لذلك، ينبغي أن توجه سياسيا، ويكبح جماح طغيانها النفعي المطلق الحكومي أو الخاص، ولدينا إيمان، بأن الشراكة العمانية السعودية يمكن أن تقود المنطقة للاستقرار والتنمية إذا ما أثبتت ذلك من أطارها الثنائي أولا، وهذه فرصة كبرى متاحة علينا العلم السياسي بها، ومن ثم الحرص على تجسيدها بالوعي السياسي.