المآلات المنظورة لمرتبات جيل مستقبل الوطن «استشراف للمرتبات»

23 يونيو 2021
23 يونيو 2021

ما درجة اهتمامنا السياسي، أو أي نوع من الاهتمامات السيادية الأخرى، بحجم مرتبات جيل المستقبل، وتأثيراتها على مستقبل التوازنات السياسة والاقتصادية والاجتماعية في بلادنا؟ فعندما يكون حرصنا على ديمومة الاستقرار الشامل في بلادنا، يكون من المشروعية الوطنية الواجبة، إثارة مثل هذه القضايا حتى تعالج في المطابخ السياسية في وقتها، وهذا دورنا كأقلام عمانية للفت الانتباهات السياسية لمثل هذه القضايا الاستراتيجية، خاصة بعد ما اتضح أن النخب الوزارية لا تملك الوقت الكافي للتفكير فيها، وخاصة في ضوء مسارات جديدة تنتج مرتبات ضعيفة.

سنعرض الكثير من المسارات التي يتأسس عليها مرتبات هذا الجيل، ومن ثم ستكون – أي المسارات - ناطقة لوحدها بالمآلات المنظورة – أي النتائج – وأخيرا، سنوضح مجموعة تحديات كبرى، قد تستغل مرحلة النتائج، ونختصر هذه المسارات في الآتي:

- تحديد الحد الأدنى للمرتبات في القطاع الخاص «325» وإلغاء معيار المؤهلات.

- خفض مرتبات المعينين الجدد في القطاع الحكومي، وإحالة الآلاف من الموظفين للتقاعد الإجباري.

- إخفاق وجمود مشاريع صغيرة ومتوسطة من جراء جائحة كورونا.

- التسريح من الوظائف واعتمادها على راتب الأمان الوظيفي المحدود، وتحديات إعادة تدويرها لسوق العمل مجددا.

- شركات التوظيف، واستغلالها حصة كبيرة من مرتبات المواطنين، وحرمانهم من الترقيات والامتيازات الأخرى – المحاضرين نموذجا –.

- ممارسات مماثلة تستغل المرتبات، أطرافها شركات عمومية تشترك مع شركات خاصة، تسند لها جزء من أعمالها لإدارتها من خلال مناقصات – حاولنا الاطلاع عليها، فلم نتمكن - وهي بدورها توظف شباب عمانيين بعقود مؤقتة وبأجور أقل من الشركة الأم.

- العقود المؤقتة، ونظام العمل بالساعات، فرص عمل جديدة ستصطبغ على مرحلتنا المقبلة، والتلويح بها ورد صراحة مؤخرا من قبل مسؤول حكومي كبير.

- الاعتماد على الضرائب والرسوم ورفع الدعم الحكومي للمجتمع بصورة جذرية وسريعة تحت هاجس الاستدامة المالية.

تأتي تلكم المسارات، أما ترشيقا لهيكل الدولة الإداري لصناعة الاستدامة المالية، أو إعادة ترتيب سوق العمل في بلادنا، أو جنوحا نحو استنفاع البعض من شركات التوظيف، والآن يأتي الحديث عن تبني نهج العقود المؤقتة ونظام ساعات العمل دون دراستها بعمق، وكلها تقع في مرحلة مثقلة بالضرائب والرسوم ورفع الدعم الحكومي الجذري عن المجتمع.

بعض تلكم المسارات لها تأثيرات سلبية على السيكولوجية الاجتماعية العامة والشباب خاصة، وهذا يعني أن نؤسس جيلا بمآلات مالية وسيكولوجية غير مسبوقة، فلو حللنا مخاطر شركات التوظيف، والشركات النفعية الأخرى التي تمتص مرتبات المواطنين، وتلكم الموعودة في الطريق، فسنرى لها أوجها أخرى، ويمكننا أن نحصرها في النقاط الآتية:

- أنها تشوش على الجهود الحكومية الكبيرة في مجال ملف الباحثين عن عمل.

- أنها تشطر مفهوم حقوق المواطنة للجيل الجديد، ففي المكتب الواحد، نجد شبابا عمانيين بمرتبات منخفضة مع مواطنين آخرين بكامل الراتب، وطبيعة العمل وعدد الساعات نفسها، والشهادة واحدة، الفرق بينهما، أن الأول يعمل بعقد مع الشركة والآخر موظف بالتعيين مع شركة حكومية أو عمومية، وهنا تظهر شركات التوظيف كأداة تعمق قضية المرتبات.

وقد بدا لي من خلال المآلات المالية والسيكولوجية سالفة الذكر، أننا في أمسّ الحاجة العاجلة إلى تفعيل دور المؤسسة أو الجهاز المنظم لهذا التعدد، لضبط قراراته وسياساته، ودراساتها لاستشراف مآلاتها، فكل جهة تخطط وتنفذ دون معرفة بمآلاتها على المجتمع والاقتصاد ومن ثم إكراهاتها السياسية المنظورة والمستقبلية.

وهنا التساؤل المهم، وهو، ماذا ستنتج تلكم المسارات من مستوى للمرتبات؟ نخشى هنا طغيان إنتاجها للمرتبات الضعيفة للأغلبية العددية، مما ستجد بلادنا أمام ظاهرة، المرتبات غير الآمنة في بيئة داخلية متغيرة، ومحيط إقليمي تنفتح عليه بلادنا الآن دون هواجس الماضي، أو لنقل بعبارة أدق وأقرب للتوصيف، بعد إسقاط بعض البعابع «مفردته بعبع» في العلاقات الخليجية الخليجية.

وهذا التحول في مواقفنا الصلبة له ما يبرره في عهدنا السياسي الجديد، ليس فقط تحت ضغوطات مالية واقتصادية حرجة، ودواعي صناعة اقتصادنا الجديد، وإنما لإيمان القيادة السياسية الجديدة في بلادنا بأهمية العمق الخليجي للسلطنة، وهذا الإيمان سيكون له انعكاسات إيجابية على مسيرة مجلس التعاون الخليجي، ونشاهد نتائجه الآن في العلاقات الثنائية العمانية السعودية ـ مقالنا المقبل ـ.

لكن، إسقاط البعابع، يحتم العمل الداخلي الذكي، والعمل المؤسساتي المتكامل والمحسوب النتائج، وهنا لا يمكن فصل قضية مرتبات الجيل الجديد عن مرحلة الانفتاح الإقليمية، وكذلك دخول فاعلين دوليين جدد للمنطقة، وكلنا نعلم أجندتهم السياسية والأيديولوجية الخاصة التي سيمرروها تحت مظلة التطبيع والاستثمار مع الدول المطبعة التي تربطنا معها شراكات، وسندخل معها في إطار المنظومة الخليجية بعلاقات جديدة أكثر اندماجية وتكاملية وشمولية في الاقتصاد والتنمية.. إلخ.

لذلك، ندعو إلى دراسة قضية مستقبل مرتبات شبابنا من خلال تلكم المسارات من حيث مستوياتها الثلاث «الكبيرة والمتوسطة والضعيفة» فعلى أي مستوى غالب من المستويات الثلاثة يتأسس عليها مستقبل شبابنا؟ وكذلك من حيث نوعيتها «دائمة ومؤقتة» فلابد من معرفة إلى أين نحن ذاهبون بالمجتمع الجديد الذي أغلبه شباب؟ لا ينبغي أن نمكن اللحظة الظرفية مهما كانت ضغوطاتها أو حتمية انفتاحنا الإقليمي أن تلغي فكرنا الاستشرافي والتخطيطي للتحكم في تطور المجتمع ومستقبله.

لأننا نخشى هنا، من أن يقع أغلبية شبابنا في مستنقع الأجور المنخفضة، وكلنا نعلم بتداعيات مثل هذه الاختلالات البنيوية، وهي بيئات مواتية للاختراقات من أصحاب الأجندات، فالمرتبات الضعيفة، لا يمكن أن تصنع لبلادنا شباب المواجهة، أو مجتمع المواجهة، أو أن تحافظ على قوتنا الناعمة التي واجهنا بها خلال العقود الماضية مختلف التحديات الداخلية والخارجية، وهي القوة الثابتة لكل الأزمنة، مع تضاؤل استخدامات القوة الخشنة كحل للنزاعات.

فبلادنا بحاجة للقوة الناعمة المنتشرة في كل أنحاء ترابنا الوطني بحدوده الجيوسياسية، والجيواستراتيجية، فالتحديات الآن متعددة، وفي فترة ما قبل تأسيس قوتنا الخشنة، وأثنائها، كان المكون الديموغرافي الحارس لهذه الحدود، بينما في عالم الانفتاح الخارجي من البوابة الاستثمارية والاقتصادية، فإننا بحاجة لتعزيز قوتنا الناعمة، وليس المساس بها من منظور المرتبات، وربما نحتاج أن نوسع عملية التفكير كذلك في المتغيرات التي تشهدها بيئتنا الداخلية وتأثيراتها على قوتنا الناعمة.