الصين والغرب - لماذا يؤيدان كلاهما الاتفاق النووي الإيراني؟

26 يناير 2022
26 يناير 2022

ترجمة: قاسم مكي -

سافر وزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان إلى بيجينج هذا الشهر، حيث جاءت زيارة الوزير الإيراني امتدادا لسلسلة من اللقاءات رفيعة المستوى بين المسؤولين الإيرانيين والصينيين خلال السنوات القليلة الماضية، ومن بين أجندة عبد اللهيان محادثات تتعلق باتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة التي وقعت بين الصين وإيران في مارس 2021.

تتيح هذه الاتفاقية إطارا للتعاون السياسي والاقتصادي والأمني خلال ربع القرن القادم، لكنها ليست فريدة من نوعها. فالصين لديها اتفاقيات شبيهة مع بلدان عديدة من بينها العراق والإمارات والسعودية، لكن الشيء الفريد في اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة اعتماد تطبيقها على استعادة اتفاقية أخرى هي خطة العمل الشاملة المشتركة «الاتفاق النووي الإيراني».

ورغم عناوين الأخبار المثيرة التي تحذر من أن الصين وإيران توطدان علاقاتهما بهدف تحدي الهيمنة الغربية إلا أن العلاقات بين البلدين في الحقيقة متوترة، خصوصا منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في مايو 2018، فخلال العامين التاليين لذلك الانسحاب، شعرت إيران بخيبة الأمل من تحركات الصين لخفض تجارتها النفطية وغير النفطية في وجه العقوبات الثانوية الأمريكية، والصين من جانبها قلقة إزاء الاستفزازات الخطرة بما في ذلك الهجمات على البنية التحية والناقلات النفطية في المنطقة واللتين تشكلان جزءا بالغ الأهمية من سلسلة إمداد الصين بالطاقة.

عندما تسربت مسودة من اتفاقية الشراكة الإستراتيجية في يوليو 2020 استثارت غضبا شعبيا في إيران. فالتقارير الغربية غير الدقيقة قادت الإيرانيين إلى الاعتقاد بأن إدارة روحاني على وشك الشروع في بيع الأصول الوطنية بثمن بخس إلى الصينيين.

وكان الغضب عارما بحيث لزم تأخير التوقيع على الاتفاقية لأكثر من 6 أشهر حتى تتمكن الحكومة من تأمين حصول وزير الخارجية الصيني وانغ يي على ترحيب لائق في طهران.

ومنذ ذلك الوقت تحسنت العلاقات الصينية الإيرانية لكن ليس لأن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية أفضت إلى نتائج ملموسة، بل لأن الجهود الدبلوماسية المتجددة لإيران ساعدت على تهدئة مخاوف واضعي السياسات الصينية من انزلاق الشرق الأوسط إلى أزمة أعمق.

فمن جهة تتيح المحادثات حول الاتفاق النووي احتمال إنهاء الوضع الخطر الذي يمكن أن يشكله التصعيد النووي الإيراني. ومن جهة أخرى جعلت جهودُ إيران للدخول في محادثات مع جيرانها العرب نشوبَ صراع إقليمي أقل احتمالا. وفي كلا الحالين تساعد الدبلوماسية الإيرانية على الحفاظ على أمن الطاقة الصيني بالتقليل من احتمال أن توقف حربٌ إقليمية تدفق النفط الذي يعتمد عليه اقتصاد الصين.

بعد اجتماعه مع عبد اللهيان والذي أعقب لقاءات مع وزراء خارجية السعودية والبحرين وسلطنة عمان وتركيا، قَبِل وزير الخارجية الصيني وانغ بالفكرة التي ترى أن الدبلوماسية الإقليمية يمكنها تأمين سلام إقليمي. وصرح قائلا «نحن نؤمن أن أهل الشرق الأوسط هم سادة الشرق الأوسط. لا يوجد أبدا فراغ قوة. وليست هنالك حاجة لأبَويَّة من الخارج».

بدورها، زادت الصين من مشترياتها من النفط الإيراني، متحدِّية بذلك وعلى نحو مباشر العقوباتِ الثانوية الأمريكية. عزز الانتعاش في قطاع نفط إيران التعافي الاقتصادي الوليد بعد ثلاثة سنوات من الانكماش. وحذرت إدارة بايدن جهرا وسرا الصين من هذه المشتريات. لكنها لم تسع إلى فرض عقوباتها بقدرٍ مؤثر.

وأشار بعض المعلقين إلى أن مشتريات النفط الصينية تعني أن إيران ستكون أقل ميلا لإنهاء مفاوضات الاتفاق النووي. فهي تفيدها اقتصاديا وبقدر مهم رغم العقوبات. لكن هذا التحليل لا ينتبه إلى حقيقة أن الولايات المتحدة والصين لديهما مصالح مشتركة حين يتعلق الأمر بالاتفاق النووي. ومن بين ما يُطرح لتفسير عدم فرض العقوبات النفطية من جانب إدارة بايدن أن الدعم الاقتصادي الصيني القليل لإيران لعب دورا في جعل إيران تعود إلى مائدة المفاوضات.

وفي الغالب يبدو أن الصين جعلت دعمها الاقتصادي لإيران مشروطا بتقديم ضمانات من طهران بأنها ستسعى، على الأقل في الأجل الطويل، لاستعادة الاتفاق النووي.

هذه صفقة ذكية. فلولا ازدياد مشتريات النفط الصينية والذي بدأ على نحو جاد في عام 2020 لكانت إيران قد توصلت منذ فترة طويلة إلى أنه لن تكون هنالك أية فوائد اقتصادية من استمرار مشاركتها في الاتفاق النووي.

ومن المفيد تذكر أن القادة الأوروبيين في عام 2018 كانوا قد وعدوا بإيجاد سبل للحفاظ على منافع الاتفاق الاقتصادية لإيران في وجه العقوبات الاقتصادية الأمريكية. لكن المسؤولين الأوروبيين فشلوا في وقف التدني المثير في التجارة الثنائية مع إيران. وقد تمثل هذا الفشل في تدشين وذبول انستيكس (أداة دعم المبادلات التجارية)، وهي شركة حكومية أنشأت لتسهيل التجارة مع إيران.

كانت الصين الطرف الوحيد في الاتفاق النووي القادر على تقديم متنفَّس اقتصادي لإيران في وجه العقوبات الثانوية الأمريكية. وهذا منح المسؤولين الصينيين رافعة (نفوذ) فريدة.

من المرجح أن عبد اللهيان في أثناء زيارته لبيجينج وجد تشجيعا لإكمال المفاوضات النووية وتحذيرا من أن الفشل في القيام بذلك ستترتب عليه عواقب مهمة على العلاقات الصينية الإيرانية.

ويعزو البيان الرسمي الذي يلخص ما دار في اللقاء «الوضع الصعب» لانسحاب الولايات المتحدة (من الاتفاق النووي). لكنه أيضا يناشد «كل الأطراف على التغلب على المصاعب والتوصل إلى حل وسط. ويصرُّ على دفع عملية التسوية السياسية والدبلوماسية إلى الأمام».

من المهم أن الدعم الاقتصادي الصيني لإيران محدود في الوقت الحاضر. ففي حين انتعشت مشتريات النفط إلا أن مشتريات إيران البالغة الأهمية من السلع الصناعية الصينية لم ترتفع بدورها. والاستثمار الصيني في إيران غير موجود أساسا. وكما هي الحال بالنسبة لمعظم البلدان النامية فإن مسار إيران نحو النمو الاقتصادي المستقر يعتمد على علاقة اقتصادية أكثر فعالية مع الصين. أما الآن فتجارة واستثمارات الصين في إيران تتخلف كثيرا عن مستوياتها مع الجيران العرب. واللحاق بهم سيتطلب استفادة إيران من رفع العقوبات الثانوية الأمريكية.

إذا فشلت المحادثات النووية ستقاوم الصين القبول بالمساعي التي يقودها الغرب لإعادة تطبيق العقوبات المتعددة الأطراف. وستحول دون العودة التلقائية للعقوبات الأممية وربما تفضل اتفاقا مؤقتا. ولإثبات سيادتها الاقتصادية وتعزيز أمن الطاقة ستستمر الصين في شراء بعض النفط الإيراني.

لكن من المستبعد أن تستمر هذه المشتريات بنفس أحجامها الحالية. خفض المشتريات لن يكون فقط الطريقة الوحيدة التي تفرض بها الصين ثمنا على إيران لأي تصعيد يعقب إنهاء الاتفاق النووي. فالحجم الحالي للمشتريات النفطية الصينية يعتمد جزئيا على إعادة الصادرات من بلدان أخرى. ومن الممكن أن توقف هذه البلدان تعاملها الاقتصادي البراجماتي مع إيران. أيضا تعتمد هذه المشتريات على عدم تطبيق العقوبات الثانوية الأمريكية. وأي تشدد في تطبيقها سيدفع شركات تجارة النفط والمصافي الصينية إلى تجنب التعامل مع الموردين الإيرانيين مرة أخرى.

إذا نظرنا إلى العلاقات الصينية الإيرانية التي تشهد تحسنا في هذا السياق، سنجد أنها تبشر بخير للاتفاق النووي. فالصين حافظت بذكاء على دعمها الاقتصادي لإيران. وضبطت مستوى الدعم لتحفيز إيران على عدم التخلي عن الاتفاق النووي مع توضيحها، في نفس الوقت، أن التمتين الحقيقي للروابط الثنائية يعتمد على استعادة الاتفاق النووي.

المسؤولون الغربيون مُحِقُّون في الخشية من المخططات الجيوسياسية للصين. لكن الغرب والصين يتشاطران المصالح فيما يخص إيران. وإذا أُنقِذَ الاتفاق النووي ستستحق الدبلوماسية الاقتصادية الصينية الكثير من التقدير.

اسفنديار باتْمانْجَيلِج الكاتب زميل زائر بالمجلس

المقال مترجم عن «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»