الرؤى الوطنية والإعلام: إلهام العقول وإلهاب النفوس

15 يونيو 2021
15 يونيو 2021

عند محاولة التأمل في ما يتعلق بالرؤى الوطنية والإعلام، يتبادر إلى الذهن -رغم مضي أكثر من شهر ونصف الشهر عليه- لقاء ولي العهد السعودي التلفزيوني الذي كرّس جله للحديث عن ما تحقق منذ بدء الرؤية، والتذكير بمبادئها ومحاورها وأولوياتها، واستعراض أمثلة حية حولها، والوعد بما سيتم تنفيذه في السنوات المقبلة.

ويتذكر الجميع كذلك ما تلا تلك المقابلة من ردود فعل بدءًا من مواكبة وسائل الإعلام لها، إلى تفاعل منصات التواصل الاجتماعي معها، وانتهاء بالنقاشات داخل وخارج مجموعات تطبيقات التراسل الفوري.

إن ذلك اللقاء أنموذج واحد فقط من النماذج التي كلما طفت على السطح في الجانب الآخر من السياج -الذي يبدو أكثر اخضرارًا- أثار العديد من التساؤلات المشروعة حول وجود -أو غياب- «رؤية عمان 2040» في الساحة الإعلامية والنقاشات المجتمعية، وما إذا كانت الرسائل الإعلامية حولها تخاطب الناس، وما إذا كان مستوى حضورها كافيا مع اعتبار أننا ما زلنا في الأشهر الستة الأولى من رؤية تمتد لعشرين عاما.

لكن -وللإنصاف- فعند العودة بالزمن بضع سنوات إلى الوراء، وبينما كانت القاعات والمسارح والجمعيات والأندية تعج وتضج وتشهد نقاشات تتصور تطور عمان أثناء العقدين القادمين في مبادرات المشاركة المجتمعية التي جمعت الآلاف من المشاركين من مختلف شرائح المجتمع وجالت مختلف المحافظات، كللها المؤتمر الوطني للرؤية الذي أضاف الحضور فيه تعديلات اللحظة الأخيرة على ما كان يمكن أن يكون أمرا محسوما كمسودة نهائية، بينما كان ذلك الضجيج الوطني مسموعا، كانت طقطقات لوحات مفاتيح خبراء الشركات الاستشارية العالمية والعروض التقديمية باللغة الإنجليزية وهمهمات كبار المسؤولين أثناءها هي أعلى الأصوات التي كان يمكن سماعها قبل الخروج بالرؤى الوطنية في الجانب الآخر من السياج، رغم انتقادات صندوق النقد الدولي لتلك الممارسة، ورغم نفي بعض تلك الشركات علاقتها بذلك في سياق آخر.

وباعتبار أن مرحلة إعداد الرؤية كانت مرحلة تطوير المنتج بمفهوم التسويق، فإن من المهم النظر إلى كيفية تسويق ذلك المنتج إلى المجتمع، حيث وبالعودة إلى التجربة السعودية التي استُهل بها هذا المقال، نجد أن جزءًا كبيرًا من المجتمع قد بدأ يؤمن بالرؤية ويشعر بالمِلكية تجاهها ويتحدث عنها ويربط ما يراه أمامه من منجزات ومشروعات بما تنص عليه الرؤية من مبادئ وأولويات.

ويمكن القول بأن ذلك كان نتيجة جهد مستمر من الترويج للرؤية عبر طرق عديدة تبناها في كثير من الأحيان صاحب مشروع الرؤية -ولي العهد- بنفسه، وترجمتها مختلف المؤسسات الرسمية والشركات ووسائل الإعلام والمجتمع المدني إلى أنشطة إعلامية وترويجية فاعلة، ولكن بالرغم من التأثير الإيجابي والأصداء التي أحدثتها مقابلة ولي العهد السعودي داخل السلطنة، ومع مقارنة ما أورده من إحصائيات حالية أو مؤشرات مستهدفة مع واقع الأرقام ذاته في السلطنة، يتبين أن السلطنة في وضع أفضل بكثير مما يخاطب أحلام وتطلعات المجتمع السعودي، أبرزها مؤشرات الباحثين عن العمل، ومؤشرات نسبة امتلاك السكن، بل وحتى النسب المعلنة لربحية الصناديق السيادية في الدولتين. وهنا يمكن استذكار نص الحديث النبوي الشريف «ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض» ولكن في السياق الإعلامي هذه المرة.

أما بالعودة إلى أنموذج «رؤية عمان 2040»، فإن من أكبر الأسئلة التي قد تتبادر إلى ذهن المواطن البسيط حولها دون جواب واضح حتى الآن: ما الذي يمكنني القيام به في سبيل تحقيق الرؤية؟ وما الذي تحمله الرؤية لي كنتيجة نهائية على المستوى الفردي؟ إن هذين السؤالين مؤشران لما قد يتشكل من خطورة على الصورة الذهنية المرتبطة بالرؤية، حيث إنها قد تبدأ في التحول من مشروع وطني يمثل تطلعات جميع شرائح المجتمع وتمت صياغته بمشاركة مجتمعية واسعة، إلى مشروع حكومي تقوم فيه الحكومة بإسقاط مشروعاته ومبادراته على المواطن الذي يتطلع إلى الأفضل دائما بطبيعته البشرية، دون أن يكون له يد في تنفيذ ذلك المشروع - أو على الأقل هكذا يبدو له. لذا فإن من المهم أن يرافق الرؤية نشاط ترويجي مكثف يلهم العقول ويلهب النفوس من أجل أن يكون المجتمع بكل شرائحه شريكا في تنفيذ الرؤية لا حجر عثرة أمام تنفيذها بسبب ما يجول بباله من مفاهيم غير واضحة أو تصورات مغلوطة ليس آخرها ما تم تداوله مؤخرا حول متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

ويمكن في سياق هذا الحديث أن تُطرح وجهة نظر تقول بأن الرؤية قد حصلت على القدر الكافي من الترويج وأنه لا يوجد مواطن لا يعرف عنها أو لم يسمع بها، إلا أنه وبإسقاط ذلك على أنموذج نظرية آيدا AIDA للتواصل - والذي يصنف استجابة الجمهور على أربعة مستويات هي الانتباه أو الوعي ثم الاهتمام ثم الرغبة أو التبني ثم اتخاذ الفعل أو الإيمان - يتضح أن رؤية عمان في الغالب لم تتعد المستوى الأول في الغالب أو الثاني أحيانا، وهو ما يبين أن هنالك فرصا كبيرة للترويج للرؤية يمكن البناء عليها لتحقيق نجاحات أكبر.

إذًا السؤال الذي قد يرد تلقائيا بعد ما طرح أعلاه هو أي جهة يمكنها تبني تلك المسؤولية أو الأخذ بزمام المبادرة؟ والجواب هو أنه لا ينبغي أن تتولى ذلك مؤسسة واحدة - خصوصا أن المرسوم السلطاني رقم 100 / 2020 والذي أورد اختصاصات وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040 لا ينص على قيام الوحدة بذلك من الأصل - لذا فإن تلك المهمة يمكن أن تتبناها منظومة متكاملة من المؤسسات الرسمية ووسائل الإعلام والشركات والمجتمع المدني والأفراد، ولعل أبرز وأحدث تلك الأمثلة ما قدمته (الشركة The Firm) -وهي مؤسسة تجارية عمانية- حيث قدمت دليلًا استرشاديًا للشركات في كيفية مواءمة خططها واستراتيجياتها بما يتواءم مع أولويات ومحاور «رؤية عمان 2040».

* مهتم بالاتصالات الاستراتيجية والهوية المؤسسية