الخلاف الأمريكي الفرنسي ومستقبل حلف الأطلسي

21 سبتمبر 2021
21 سبتمبر 2021

عوض بن سعيد باقوير

العلاقات الأمريكية الفرنسية دخلت مرحلة معقدة بعد أن قامت استراليا بفسخ عقد شراء غواصات بحرية من باريس تتجاوز قيمتها عشرات المليارات وتوجيه تلك الصفقة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. ومن هنا جاءت التصريحات الفرنسية غاضبة ضد كل من سيدني ولندن وواشنطن وتم استدعاء السفراء الفرنسيين من سيدني وواشنطن وهو الأمر الذي جعل العلاقات بين باريس والدول الانجلوساكسون تدخل مرحلة صعبة في ظل إعلان البيت الابيض بأن الولايات المتحدة الأمريكية متمسكة بالصفقة الاسترالية.

ومن هنا فالجميع يتابع نتائج المكالمة الهاتفية المرتقبة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الفرنسي ماكرون وبقية الاتصالات والتحركات خاصة اجتماعات وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في مدينة نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

من ترامب إلى بايدن

كانت هناك آمال أوروبية بأن تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تحسنا كبيرا في العلاقات على ضفتي الأطلسي بعد فتور كبير من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خاصة وأن الإدارة الديمقراطية الجديدة في واشنطن بدأت عهدها بالمشاركة المتواصلة في قمة السبع الكبار في المملكة المتحدة وايضا في اجتماعات حلف شمال الأطلسي في بروكسل بحضور الرئيس بايدن، وفي ظل ذلك التناغم في العلاقات الأوروبية الأمريكية جاء موضوع صفقة الغواصات ليضيف بعدا استراتيجيا لتلك العلاقة والتي بدأت ملامحها السلبية في عدم التنسيق بين واشنطن والحلفاء خلال الانسحاب الفوضوي من أفغانستان . ومن هنا جاءت التصريحات الفرنسية والألمانية والهولندية منتقدة السلوك الأمريكي، حيث قدمت وزيرة الخارجية الهولندية استقالتها على ضوء أحداث الانسحاب الامريكي غير المنضبط من أفغانستان بعد احتلال أمريكي وأوروبي استمر لعقدين. ومن هنا جاء السلوك الأمريكي والاسترالي والبريطاني على ضوء الصفقة بمثابة الطعنة في الظهر، كما أشارت التصريحات الرسمية الفرنسية وأيضا تعليقات كبار المحللين الفرنسيين. ودخلت علاقات دول ضفتي الأطلسي في أزمة جديدة وعميقة وتحتاج الى حوار شفاف بين الحلفاء في ظل الحديث عن تكتل انجلوساكسوني يضم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واستراليا وهذا الأمر والتحرك شعرت به باريس عبرت من خلال عن صدمتها من السلوك الأسترالي والأمريكي وحتى البريطاني.

المصالح الاقتصادية تلعب دورا محوريا في عالم اليوم خاصة بين الدول الرأسمالية الغربية حيث فلسفة الاستحواذ بصرف النظر عن المواثيق والتعهدات وهو ما حصل في الحالة الفرنسية. ومن هنا فإن حلفاء الأطلسي يعيشون وضعا سياسيا واستراتيجيا على المحك خاصة وأن هناك تحولا كبيرا على صعيد المشهد في المحيط الهادي ،حيث المواجهة المرتقبة مع عملاق آسيا والعالم الصين وهذه المواجهة المحتملة تحتاج إلى كل حلفاء الأطلسي وليس الولايات المتحدة الأمريكية. ومن هنا فإن هذا الشرخ السياسي الذي تشهده العلاقات الأطلسية سوف يكون له تأثير فيما يخص الاستراتيجية الغربية عموما في المحيط الهادي وايضا المحيط الهندي حيث التواجد الفرنسي بشكل مكثف.

هل يتم احتواء الأزمة؟

ليس من مصلحة حلفاء الأطلسي أن تتصاعد الأزمة خاصة بين باريس وواشنطن وفي تصوري فإن المكالمة الهاتفية المرتقبة بين بايدن وماكرون سوف تلطف الأجواء إلى حد ما وقد تمنح باريس بعض الصفقات الجانبية لتعويضها عن صفقة الغواصات مع استراليا والتي كانت فرصة كبيرة للجانب الفرنسي لتحسن الاقتصاد بعد مشكلات كبيرة بسبب فيروس كورونا. كما أن واشنطن تدرك بأن مصلحتها مع الحلف وهي تستعد في إطار استراتيجيتها الجديدة المواجهة مع الصين في ظل الانسحاب من أفغانستان ولاحقا العراق وحتى من الشرق الأوسط وتحديدا من منطقة الخليج خلال عقد على أكثر تقدير.

وعلى ضوء ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج إلى كل الشركاء في الغرب ومنهم فرنسا كما هو الحال مع ألمانيا وبريطانيا واستراليا ومن خلال هذا المنظور الاستراتيجي سوف يتم احتواء الخلاف الاقتصادي من خلال القيادة الأمريكية ومن خلال إيجاد مقاربة سياسية واقتصادية تخفف من الغضب الفرنسي، والذي جاء كخطوة سلبية غير متوقعة في ظل الاتفاق بين سيدني وباريس على تفاصيل الصفقة قبل عدة اشهر، وهناك شعور متزايد في أوروبا بأن فرنسا قد تلقت ضربة اقتصادية غير عادلة. ومن هنا سارع الرئيس الأمريكي بايدن بترتيب مكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي ماكرون وهي المكالمة التي قد تقلل من التوتر السياسي وتخلق أجواء إيجابية في ظل المصالح الاستراتيجية بين دول حلف الأطلسي وفي ظل تحديات مرتقبة من الصين وحتى روسيا علاوة على موضوع الهجرة غير الشرعية والإرهاب خاصة في دول الساحل الإفريقي وحتى مسألة عدم الاستقرار في أفغانستان في ظل حكومة طالبان وفي ظل التفجيرات التي تشهدها عدد من المدن الأفغانية، وفي ظل وجود داعش في أفغانستان وفي أكثر من منطقة جغرافية.

وعلى ضوء ذلك، فإن المصلحة الاستراتيجية تحتم على باريس وواشنطن وحتى لندن احتواء ذلك الخلاف الاقتصادي والانطلاق نحو الشراكة الحقيقية بين دول حلف شمال الأطلسي على ضوء التحديات الكبرى التي تنتظر تلك الدول في المحيطين الهادي والهندي.

*صحفي ومحلل سياسي