الاحتلال الإسرائيلي ومشروعية المقاومة

11 مايو 2021
11 مايو 2021

عوض بن سعيد باقوير*

خلال المسار التاريخي للصراع بين الشعوب وقوة الاحتلال، تظل المقاومة الشعبية وحتى المسلحة مشروعة بهدف الوصول إلى مقاربة سياسية تنهي ذلك الاحتلال وهو الأمر الذي أنهى كل مظاهر الاحتلال في العالم وكان آخرها احتلال الفصل العنصري في جنوب إفريقيا بعد عقود من الظلم لسكان جنوب إفريقيا من السود.

من هنا فإن النضال والكفاح للشعوب لنيل الحقوق والحرية هي أمور مشروعة يقرها القانون الدولي، ونواميس الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين كانت مؤامرة مكتملة الأركان منذ صدور وعد بلفور المشؤوم وحتى الآن علاوة على الضعف العربي وأيضا نفاق المجتمع الدولي وعجز مجلس الأمن عن تنفيذ قراراته التي أقرها. ومن هنا فنحن أمام احتلال عنصري يدعى السلام المغلف بالعنف وإراقة دماء الأبرياء كما يحدث الآن في فلسطين المحتلة خاصة في قطاع غزة.

وخلال عقود من الاحتلال ورغم معاهدات السلام مع مصر والأردن لا تزال إسرائيل تثبت أنها كيان عدواني واستعماري وهناك عقلية صهيونية طاغية على السلوك الإسرائيلي وهي ظاهرة سياسية تستحق الدراسة والتأمل لكيان غاصب لا يريد أن يعيش مع جيرانه العرب بسلام ويقبل بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأراضي الفلسطينية وهي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية كعاصمة لفلسطين. كما أن الاعتداء المتكرر على المسجد الأقصى المبارك والمصلين هو دليل على همجية هذا الاحتلال واستهتاره بالمقدسات الإسلامية وحتى المسيحية.

الاحتلال والمقاومة

على الدول العربية أن تعيد النظر في سلوك المحتل الإسرائيلي وإن هذا الكيان لا يريد السلام ولكن يريد الاستسلام والسيطرة على المنطقة من خلال نغمة السلام المزورة كما أن الشعوب العربية أثبتت موقفا نبيلا تجاه قضية العرب والمسلمين المركزية وهي القضية الفلسطينية. ومن هنا فإن مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني هي عملية عبثية ترسخ شرعية الاحتلال.

إن المشهد في فلسطين وفي القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك يعطي صورة واضحة أن اليمين المتطرف في إسرائيل لا يريد السلام.

لقد قدم العرب مبادرة سلام متوازنة في قمة بيروت العربية عام ٢٠٠٢ من خلال إقامة السلام الشامل والعادل في منطقة الشرق الأوسط وتعيش شعوب المنطقة بسلام مع حل الدولتين، ومع ذلك ترفض إسرائيل وتواصل سلوكها المشين ضد الشعب الفلسطيني. ومن هنا فإن مسار الصراع سوف يتواصل ضد الاحتلال الإسرائيلي ولا يمكن لأي شعب أن يتفرج على احتلال أرضه. ولهذا فإن مقاومة المحتل في أي مكان أو زمان هي عملية مشروعة وتقرها القوانين الدولية، فالشعب الأمريكي على سبيل المثال قاوم المحتل البريطاني حتى الاستقلال.

إن ظاهرة المحتل الإسرائيلي في فلسطين وبعد سبعة عقود هي ظاهرة من أبشع مظاهر الاحتلال في التاريخ لمن شاهد الواقع على أرض فلسطين من خلال الانتهاكات وقطع أوصال المدن والجدار الفاصل العنصري وقتل الأطفال والنساء والشيوخ بدم بارد، كما أن الكيان الصهيوني هو احتلال بغيض لا يؤمن بالسلام الحقيقي ولا يؤمن بحقوق الشعب الفلسطيني بل إن المستوطنين يسرقون بيوت سكان القدس كما في حي الشيخ جراح على مسمع من محاكم الاحتلال.

إن مقاومة المحتل هو شيء مشروع ورغم عدم التوازن في القوة لكن التاريخ يظهر لنا أن الشعوب وإيمانها بقضيتها هي التي تنتصر في نهاية المطاف خاصة وان الاحتلال الإسرائيلي هو آخر احتلال في التاريخ الحديث وهو احتلال عنصري يتجاوز الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بمراحل تضامن الشعوب.

القضية الفلسطينية

هي قضية عادلة ومن هنا تقف شعوب العالم مع الشعب الفلسطيني من خلال أصوات أحرار العالم. ولاشك أن الشعوب العربية كانت حاضرة خلال أحداث القدس وغزة، وقد لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في فضح الكيان الإسرائيلي وسلوكه العدواني علاوة على شعوب العالم في حالة تضامن إنساني ضد سلوك كيان محتل لا يقر بالقوانين الدولية ويرفض مبادرات السلام العربية وحتى الدولية. ولذلك فإن على الدول العربية أن تراجع حساباتها تجاه الكيان الاسرائيلي وعدم الانسياق تجاه التطبيع الزائف الذي ترفضه الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، إن الشعوب العربية أثبتت صلابتها في رفض العدوان وعدم القبول بالاحتلال ورفض التطبيع منذ وقت مبكر، ولعل نموذج الشعبين المصري والأردني هو نموذج واضح في رفض التواصل مع الكيان الاسرائيلي.

ومن هنا فإن التطبيع هو محاولة إسرائيلية وبدعم من إدارة ترامب السابقة للقضاء على القضية الفلسطينية ومع ذلك فشلت صفقة القرن المشؤومة.

إن أحداث مدينة القدس وقطاع غزه تشير إلى أن السلوك العدواني الإسرائيلي لن يتغير وأن غطرسة الاحتلال متواصلة وهذا يفرض على العرب كدول وشعوب انتهاج استراتيجية مختلفة تجاه هذا الكيان الغاصب للأرض والحقوق، وإن التطبيع مع الكيان الصهيوني هو جريمة في حق الشعب الفلسطيني الذي يقاوم لاستعادة حقوقه المشروعة التي كفلتها قرارات الشرعية الدولية ولعل الشارع العربي يتساءل بعد جريمة المحتل في المسجد الأقصى المبارك هل يمكن الوثوق بالكيان الاسرائيلي المتطرف والتعامل معه بعد تلك الجريمة البشعة، حيث لا احترام لأماكن العبادة في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان المبارك؟.

إن إسرائيل هي كيان عنصري لا يمكن الوثوق به وهو يريد إخضاع الشعب الفلسطيني ومصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية كما أن الاحتلال لا يحترم المحاكم الدولية التي سجلت جرائمه ضد الشعب الفلسطيني كما يرفض الاحتلال دخول المنظمات الحقوقية والإنسانية وعلى ضوء ذلك تبقى للشعوب كلمتها وفي تصوري أن إسرائيل وسلوكها المشين انكشف بشكل صارخ من خلال الإعلام وشبكات التلفزة، ومن خلال متابعة غير مسبوقة للأفراد من خلال منصات التواصل الاجتماعي.

المجتمع الدولي

أمام وحشية السلوك الاسرائيلي في القدس وقطاع غزة، فإن أمام المجتمع الدولي مسؤولية قانونية وأخلاقية لكبح جماح العدوان الاسرائيلي الذي يضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط، مع مواصلة الكيان الاسرائيلي في ذلك العدوان، ثمة ضرورة لموقف دولي تجاه هذا الكيان المارق الذي لا يحترم الشرعية الدولية ولا يحترم القانون الدولي ورغم القوة العسكرية التي يمتلكها المحتل، إلا أن هناك هشاشة في إسرائيل تعجز في كل مرة عن المواجهة مع المقاومة الفلسطينية وهذا يعود إلى عوامل جغرافية من خلال صغر مساحة فلسطين المحتلة. كما أن إسرائيل لن تستطيع كسر المقاومة وأيضا صمود الشعب الفلسطيني الذي يعد من أكثر الشعوب مقاومة وكفاحا في التاريخ الحديث. ومن هنا فإن المجتمع الدولي أمام معضلة سياسية معقدة أمام كيان منفلت أخلاقيا وقانونيا وأمام كيان لا يعترف بالشرعية الدولية.

أن الحفاظ على السلم والأمن الدوليين يحتم موقفا دوليا لحماية المنطقة من هذا الطيش الاسرائيلي والذي يهدف إلى حسابات داخلية في الكيان حيث يواجه نتانياهو تهم فساد ورشاوى وعجزا عن تشكيل الحكومة. ولهذا فإن القضية الفلسطينية في نهاية المطاف سوف تشهد معادلة سياسية تضع الأمور في نصابها كما حدث الأمر مع النظام العنصري في جنوب أفريقيا والتاريخ البعيد والقريب. يقول إن الشعوب المناضلة لنيل حقوقها سوف تنتصر لا محالة وسوف يدرك الكيان الاسرائيلي أن مكابرته سوف تسقط وانه لا يمكن لاحتلال أن يستمر في ظل مقاومة شعبية تحظي بالتأييد من شعوب العالم لأنها عادلة وتهدف إلى إقرار السلام الشامل والعادل وقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ .

**صحفي ومحلل سياسي