الأمن الأمريكي في ظل التمرد

26 يناير 2022
26 يناير 2022

آن ماري سلوتر -

هيذر هيرلبورت -

إن ذكرى الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 يناير 2021 قد أنقضت والعديد من الأمريكيين يشعرون بالاكتئاب العميق بسبب أن الإنقسام السياسي في البلاد قد تعمق بشكل أكبر وعلى الرغم من أن معظم قادة الحزب الجمهوري قد أدانوا الهجوم في ذلك الوقت، إلا أن الحزب الجمهوري منذ ذلك الحين استوعب شبكة أكاذيب الرئيس السابق دونالد ترامب عن انتخابات 2020 والتي خسرها بسبعة ملايين صوت.

لقد رفض الجمهوريون بشكل عام حتى المشاركة في تحقيق الكونغرس فيما يتعلق بهذا الموضوع.

بعد مرور سنة على محاولة رئيس أن يقلب نتائج انتخابات عادلة وقانونية، فإن محاولة تحديد أولئك المسؤولين ومقاضاتهم الآن تتنافس مع أزمات أمنية أخرى فيما يتعلق بالأولويات فالقوات الروسية تحتشد قرب أوكرانيا وإيران تقترب من عتبة القدرة على اكتساب قدرات نووية وهناك كوارث إنسانية في أفغانستان واليمن. إن القادة الأمريكيين الذين يواجهون كل تلك التحديات قد يميلون إلى أن يرسموا خطا واضحا يفصل بين ما يحصل في البلاد وخارجها ولكن القيام بذلك سيكون محفوفا بالمخاطر وخاطئاً. إن الاستقطاب العميق في أمريكا يعكس مجتمعا ًلم يعد أفراده يشتركون في فهم أساسي لما تعنيه كلمة "آمن" فالأمريكيون عادة ما تكون لهم تجارب مختلفة جدا -على أسس عرقية ودينية ونوع الجنس - مع المؤسسات الأمنية الأمريكية. إن الثقة بالقوات العسكرية والأمنية الأمريكية كانت مرتفعة باستمرار. أما الآن فإن هناك تراجع في تلك الثقة بالإضافة إلى تراجع الثقة بالمؤسسات الحكومية الأمريكية الأخرى فلم يعد الأمريكيون يتفقون على ماهية التهديد وشكله حيث من المرجح بشكل كبير أن يشير الديمقراطيون إلى التجانس الداخلي والعنف السياسي بينما يشعر الجمهوريون بالقلق بشكل أكبر من أعداء الدولة القومية التقليديين وبالإضافة إلى ذلك فإن الأمريكيين منقسمون على أسس الأيدولوجيا والعمر فيما إذا كان الناس والأفكار من مكان آخر يشكلون فرصة أو تهديد.

إن تلك الانقسامات وما ينتج عنها من جمود في السياسة ستكون سيئة بما يكفي بشكل منعزل، ولكن بقية العالم يراقبون وهم يرون مجتمع لا يستطيع الاتفاق على ماهية الديمقراطية أو من ينتمي إلى شعب تلك الدولة الديمقراطية علما أنه في مؤشر البنك الدولي لمجموع نقاط الكيان السياسي تم تخفيض تصنيف الولايات المتحدة من درجة عشرة والتي احتلتها لفترة طويلة من الزمن والتي تعتبر أعلى درجات الديمقراطية إلى درجة خمسة، مما يعني أنها على وشك أن تصبح أنوقراطية أي ديمقراطية ذات خصائص استبدادية. إن الناس حول العالم الذين شعروا بالإلهام من قادة مثل أبراهام لنكولن ومارتن لوثر كنغ جونيور يشعرون بالقلق من صور رفع علم الكونفدرالية في قاعات الكونغرس الأمريكي. إن الحلفاء الذين تعود علاقاتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحرب العالمية الثانية يشاهدون حاليا المسؤولين الأمريكيين المنتخبين وهم يعانقون أولئك الذين ينكرون حدوث الهولوكوست. لم يعد أصدقاء الولايات المتحدة الأمريكية وأعداءها يصدقون أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية القدرة أو الرغبة في الوفاء بوعودها على المدى الطويل سواء فيما يتعلق بتوزيع اللقاحات أو اتفاقيات المناخ أو الاتفاقيات النووية. لو كنتَ أمريكي وهذا الوصف يبدو مبالغ فيه بالنسبة لك، يتوجب عليك النظر إلى جارتك الشمالية كندا والتي تشترك معها الولايات المتحدة الأمريكية بأطول حدود غير محصنة بالعالم حيث ناقشت كبرى وسائل الأعلام الكندية في ذكرى 6 يناير ما الذي يتوجب على كندا عمله فيما يتعلق بالإنهيار المحتمل للديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية. أما في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها فلقد أشارت المختصة بالعلوم السياسية باربرا والتر وهي من كبار الخبراء العالميين في الحروب الأهلية في كتابها الجديد إلى أن "معظم الأمريكيين لا يستطيعون تخيل وقوع حرب أهلية أخرى في بلدهم... ولكن هذا لأنهم لا يعرفون كيف تبدأ الحروب الأهلية".

يحتاج الأمريكيون إلى إدراك أن تآكل ديمقراطيتهم هي مسألة سياسة خارجية بقدر ما هي مسألة داخلية. إن أولئك الجمهوريين والديمقراطيين الذين ما تزال لديهم الرغبة بالعمل معا فيما يتعلق بالقضايا العالمية المهمة يحتاجون لقبول أن هذا يتطلب أيضا العمل معا لدعم المعايير الديمقراطية الأساسية في الداخل.

إن هذه المعايير تعتبر أساسية لكل شيء تريد الولايات المتحدة الأمريكية تحقيقه في الخارج وهي تشمل على أقل تقدير رفض العنف وخطاب الكراهية وحماية قوية لحقوق التصويت وإدارة الانتخابات غير الحزبية. يتوجب على المحافظين الذين يحثون إدارة بايدن على التصرف بشكل أكثر صرامة في الخارج التوقف والتفكير في الشكل الذي يبدو عليه الطرح اليميني المستمر حول "السرقة الكبرى" لبقية العالم. يمكن لقادة الولايات المتحدة من مختلف الأطياف السياسية إرسال رسالة أكثر إقناعًا بكثير من خلال إظهار استعدادهم لإصلاح التصدعات في الديمقراطية الأمريكية. لقد كانت القدرة على القيام بذلك من الناحية التاريخية إحدى أعظم نقاط القوة في أمريكا. لقد مررنا بتجربة مماثلة في السابق فقبل نصف قرن تم اختبار الديمقراطية الأمريكية من قبل رئيس أُجبر على الاستقالة ومؤسسة أمنية ضللت البلاد وذلك بقيادتها لحرب كارثية. لقد أدى هذا إلى جهود واسعة لمعالجة العيوب المنهجية وبينما كانت الحلول غير كاملة، إلا إنها نجحت مع ذلك في استعادة هيبة المؤسسات الأمريكية على مدى العقود الأربعة التي تلت ذلك - في الداخل والخارج على حد سواء. كيف يمكن تكرار تلك التجربة الآن؟ لقد استجمع عضو مجلس الشيوخ من ساوث داكوتا مايك روندز شجاعته لمقاومة ترامب حيث صرّح لمحطة "أ.بي.سي.نيوز": "لقد كانت الانتخابات عادلة حسب ما رأينا ونحن بكل بساطة كجمهوريين لم نفز بالانتخابات الرئاسية". إن هذه بداية جيدة ولكن بدون احراز تقدم في معالجة مجموعة كاملة من المشاكل المتعلقة بالانتخابات الأمريكية- من الذي يحق له التصويت وكيفية عد الأصوات – لن يستطيع الجمهوريون أو الديمقراطيون رفع رؤوسهم عاليا في محكمة الرأي العام العالمي. بالطبع فإن المسؤولية لا يتحملها الكونغرس فقط. لقد أوضحت إدارة الرئيس بايدن في دليلها الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الذي نُشر في مارس الماضي، أن "دورنا في العالم يعتمد على قوتنا وحيويتنا هنا في الوطن" ومنذ ذلك الحين وقّع بايدن على مشاريع قوانين ونفذ سياسات تهدف لتخصيص مليارات الدولارات من أجل البحث والتطوير في الصناعات الاستراتيجية والبنية التحتية المادية بالإضافة إلى بنية تحتية اجتماعية أفضل. ومرة أخرى هذه بداية طيبة ولكن ماذا لو افترضنا أن الإدارة ستقوم بتطوير منطقها الخاص وتعلن صراحة أن التهديدات لديمقراطيتنا هي أيضًا تهديدات لأمننا؟ إن مدير المخابرات الوطنية قد حذّر بالفعل بإن التطرف السياسي العنيف -وهو التعبير المخفف البديل لوصف الإرهاب المحلي- يشكل تهديدا أكبر على الأمريكيين من الإرهاب الإسلامي. ومع تداعي المعايير السياسية الأمريكية ووجود الفئوية التي يشوبها العنف، فهل من المستغرب أن 17٪ فقط من الديمقراطيات في العالم تنظر إلى الولايات المتحدة على أنها دولة يجب محاكاتها؟ لقد

حان الوقت للأميركيين، أو على الأقل أولئك الذين يهدفون إلى تمثيل الولايات المتحدة في العالم، ليروا أنفسهم كما يفعل الآخرون بدون أعذار أو تبريرات.

• آن ماري سلوتر المديرة السابقة لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية.

• هيذر هيرلبورت مديرة مبادرة النماذج الجديدة لتغيير السياسات في أمريكا.