أفغانستان بين المصالحة والمواجهة

04 مايو 2021
04 مايو 2021

عوض بن سعيد باقوير*

يتواصل الانسحاب الامريكي من أفغانستان بعد احتلال دام عقدين وبالتحديد منذ عام ٢٠٠١ وسوف يكتمل هذا الانسحاب بحلول شهر سبتمبر في ظل غموض المرحلة ومؤشرات ليست واضحة بين تطبيق اتفاق المصالحة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان علاوة على أن عدد من الحركات الأخرى قد تظهر مجددا في ظل الانسحاب العسكري الأمريكي والغربي.

تشهد أفغانستان تشهد تاريخيا انسحابا عسكريا جديدا خلال قرن بعد انسحاب الاستعمار البريطاني في عقد العشرينيات من القرن الماضي بعد كارثة كبيرة للجيش البريطاني وبعد ذلك تدخل الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان في عقد السبعينات من القرن الماضي ليتلقى الهزيمة وينسحب بعد معارك كبيرة ونجاح الأفغان والمجاهدين العرب من دحرهم بعد سنوات وتعد هذه احد الأخطاء الكبرى للقيادة السوفييتية انذاك والتي أدت تداعياتها إلى تفكك الاتحاد السوفييتي بداية عقد التسعينات من القرن الماضي.

وبعد أحداث سبتمبر ٢٠٠١ وهجوم القاعدة على نيويورك واشنطن تدخلت القوات الأمريكية في أفغانستان لصد خطر القاعدة والقضاء على بن لادن وقد تم بالفعل أضعاف القاعدة، ولكن ظلت حركة طالبان تواصل القتال ضد المحتل الامريكي الذي نشهد انسحابه بعد الفشل الذريع على القضاء على حركة طالبان او على الأقل اقناعها بالدخول في المسار السياسي.

ومن هنا فان الدرس الكبير من خلال حروب أفغانستان المتعددة خلال قرن هو أن الحل الوحيد لإيجاد السلام والاستقرار في هذا البلد الإسلامي هو إيجاد مصالحة وتفاهمات بين الأفغان أنفسهم ولعل هذا الانسحاب قد يعطي فرصة حقيقية للمصالحة وفتح صفحة جديدة من التعايش والتنمية للشعب الافغاني الذي عاني الأمرين خلال العقود الأخيرة من الصراعات المحلية والتدخلات الاستعمارية الخارجية.

بين المصالحة والمواجهة

في ظل الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان والذي يتواصل تدريجيا فإن ثمة مخاوف من تجدد المواجهة المسلحة بين الجيش الحكومي وحركة طالبان وربما حركات أخرى قد يغريها دواعي الانسحاب الأمريكي ووجود الفراغ في عدد من المحافظات الأفغانية كما أن هناك مخاوف من تدخلات إقليمية غير مباشرة لدعم تلك الحركات المسلحة بالمال والسلاح وبالتالي تدخل أفغانستان في حرب اهلية معقدة وقاسية وهناك بوادر لهذه الاحتمال من خلال تصاعد المواجهة العسكرية بين القوات الحكومية وقوات طالبان.

إن المواجهة العسكرية ليست هي الحل الأمثل بعد كل تلك السنوات الصعبة ومعاناة الشعب الأفغاني ومن هنا فإن المصالحة على ضوء اتفاق الدوحة يعد الخطوة الأكثر حكمة لإنقاذ هذا البلد الإسلامي الذي يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي وأيضا موارد طبيعية كبيرة يمكن أن تجعل من أفغانستان دولة مستقرة ومزدهرة وعلى ضوء ذلك فإن الإرادة السياسية للأفغان هي التي تحدد مسار الوضع في أفغانستان ما بعد مرحلة الاستعمار الأمريكي والتدخلات الدولية.

إن أمام أفغانستان فرصة ذهبية للانتقال إلى مسار التنمية الشاملة والمصالحة من خلال مسار سياسي ديمقراطي تكون فيها الانتخابات التشريعية وعلى مستوى الحكم هي الخطوة الصحيحة للانتقال إلى مناخ يتسم بالسلام والاستقرار والوحدة الوطنية وهذا أمر ممكن تحقيقه بعد عقود من الصراعات والحروب التي عانت منها أفغانستان.

الدور الإقليمي حيوي

أفغانستان في ظل الظروف الحالية تحتاج إلى مساندة دولية من خلال خطة للإعمار تطلقها الأمم المتحدة كما أن دور جيران أفغانستان هامة وحيوية خاصة باكستان وإيران والهند حيث أن هذه القوى الإقليمية ممكن ان تلعب دورا حيويا في اطار مساعدة أفغانستان على تثبيت المصالحة والعودة الى الحوار للتخلص من معاناة الماضي الأليم والنظر من خلال رؤية موضوعية لمستقبل أفغانستان والشعب الذي يتطلع الى حياة كريمة والانطلاق نحو البناء والتعمير.

إن الانسحاب العسكري الامريكي والقوات الدولية من أفغانستان هي فرصة حقيقية للوحدة والنقاش الجاد نحو مرحلة جديدة كما حدث مع دول جنوب شرق آسيا التي تخلصت من ماضي الحروب لتنطلق خلال سنوات لتحقق النهضة التنمية والقاعدة الصناعية التي جعلتها من اللاعبين الكبار على صعيد الاقتصاد الدولي.

ومن هنا فإن هناك نماذج حية في الإقليم وليست بعيدة عن أفغانستان لأن الحروب والصراعات لن تأتي بشيء إيجابي لأفغانستان بل سوف تعقد الأمور وتجعل البلد تعيش عزلة سياسية وعدم اهتمام من المجتمع الدولي.

المصالحة في أفغانستان هي مطلب شعبي لاقتناص الفرصة والانطلاق نحو فكر مختلف أساسه الحوار خاصة وأن السيطرة الأحادية على السلطة في أفغانستان هي أمر يصعب تحقيقه ومن هنا فإن الخيار الأمثل هو أن تتصالح القوى الأفغانية لصالح الشعب والأرض معا حتى يكون لأفغانستان دور إقليمي ودولي وتنطلق نحو تحقيق أهداف الشعب الأفغاني الذي اكتوى بالحروب لأكثر من قرن.

المسار الجديد

إذن المسار الجديد لأفغانستان سوف يتحدد بشكل صريح بعد اكتمال انسحاب القوات الأجنبية بحلول شهر سبتمبر القادم وعلى الحكومة وحركة طالبان وبقية الحركات الأخرى أن يترجموا تطلعات الشعب الأفغاني ورغبة المجتمع الدولي في وجود أفغانستان دولة مستقرة يسودها السلام لأن البديل سوف يكون مدمرا لهذا البلد الإسلامي ومقدراته وسوف يحكم التاريخ القريب والبعيد على قيادات أفغانستان حول مسار المرحلة في ظل وجود الأفغان بشكل منفرد في بلدهم وهم الذين سيقررون مستقبل بلادهم أما نحو المصالحة والاستقرار والتنمية وفتح نافذة ايجابية لملايين الأجيال الجديدة في أفغانستان أو الرجوع ثانية الى أتون الحرب الأهلية والتي سوف تدخل البلاد الى نفق مظلم وقد يجعل العالم أقل اكتراثا بما يحدث من صراعات مسلحة بين الأفغان وهو مسار لا أحد يتمنى حدوثه. ومن هنا فإن المنطق السياسي والحكمة تقتضي من السياسة الأفغان أن يحكموا العقل لصالح مستقبل بلادهم وشعبهم الذي يعاني الفقر وتدني الخدمات والمشكلات الاجتماعية علاوة على تردي الأوضاع الاقتصادية.

إن أفغانستان هي الآن في مفترق طرق في ظل مسار من عدم اليقين يسود الساحة الأفغانية وفي ظل مناوشات عسكرية من هنا وهناك ولاشك أن الحكومة الافغانية وحركة طالبان أمام مفترق تاريخي حيث أن العالم يراقب ما يجري من تطورات خاصة مع الانسحاب التدريجي للقوات الاجنبية خاصة الأمريكية لأن أفغانستان هي ذات خيار واضح أما مسار المصالحة والسلام والتعددية السياسية وبالتالي التنمية أو الدخول مجددا في حرب أهلية طاحنة سوف تدمر مقدرات هذا البلد وتفقد ملايين الأجيال حلم الاستقرار والحياة الكريمة. ومن هنا فإن المسار واضح والمسؤولية كبيرة على عاتق القيادات الأفغانية بمختلف توجهاتها مع التمنيات المخلصة أن تستقر أفغانستان وتنطلق نحو تحقيق أحلام شعبها وعدم تضييع الفرصة الذهبية التي ظهرت من خلال انسحاب القوات الأجنبية حتى يتحدد مسار ومستقبل أفغانستان من قبل أصحابه.