أثر الجائحة على الدبلوماسية

06 مايو 2021
06 مايو 2021

قبل حلول الجائحة، ربما ظن البعضُ أن ذلك ليس سوى "كذبة أبريلية" جيدة الحبك.

فقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية الشهر الماضي أن أنتوني بلينكن سيبدأ أول "رحلة افتراضية" له إلى إفريقيا في 27 أبريل وأنه "سيشارك في حوار مع الشباب من كل أنحاء القارة".

ورد أيضا في البيان الصحفي للوزارة عن هذه الرحلة الإفتراضية أن وزير الخارجية الأمريكي سيسافر إلى نيجيريا ويلتقي الرئيس محمد بخاري قبل أن يسجل زيارة إلى الرئيس آوهورو كينياتا ليؤكد على الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وكينيا. ثم بعد ذلك "سيزور" بضع شركات محلية في قطاع الطاقة المتجددة هناك.

لكن الدبلوماسية الإفتراضية ليست نكتة. لقد حافظت على حَراك العلاقات الدبلوماسية خلال العام الماضي مع ازدياد صعوبة السفر واستحالة عقد الإجتماعات المباشرة في أحيان كثيرة. وفي أثناء ذلك، أضافت المزيد إلى "أدوات العمل" الدبلوماسي. فالدبلوماسيون يمكنهم إستخدام هذه الوسيلة الجديدة بكثرة في المستقبل بعد زوال الجائحة أيضا. (الدبلوماسية الإفتراضية تختلف عن الدبلوماسية المعهودة بعدم التفاعل المباشر بين المسئولين والحكومات وعقد إلإجتماعات واتخاذ القرارات عبر الإنترنت- المترجم)

لا يمكن للعديدين الإنتظار حتي أوان العودة إلى الإجتماعات بحضورهم الشخصي. ولهم الحق في ذلك. ففي الإجتماع الإفتراضي بتقنية "زوم" من الصعب بناء الثقة التي هي "عُملة" الدبلوماسية. ومن السهل عدم التفطُّن إلى العلامات الدقيقة للغة الجسد (مثلا، اختلاجة حاجب العين وزمّ الشفاه وحركة البدن التي تنمّ عن الضيق) والتي يمكن أن تكون بليغة في دلالتها مثل الكلمات.

القُرب له أثر كبير جدا. فأن يكون لديك مقعد إلى جوار روسيا في اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سيعني ذلك وجود قناة اتصال ممتازة لنقل رسالة إلى الرئيس فلاديمير بوتين (على سبيل المثال: لا تغزُ أوكرانيا).

أصعب الإتفاقيات غالبا ما يتم التفاوض حولها في جلسات مطولة خلف الأبواب المغلقة. وتساعد على ذلك الأفكارُ التي تُقترح في الممرات أو أثناء جولة تنزُّه سيرا على الأقدام.

لا يمكن لرحلة بلينكن الإفتراضية إلى إفريقيا، مع أفضل النوايا، أن يكون لها نفس الأثر الذي تخلفه زيارة فعلية بواسطة رجل دولة يتكبد مشقة السفر وتقديم إحتراماته لبلاد بعيدة.

واقع الحال، ستعود دبلوماسية الواقع الفعلي تدريجيا. ففي لندن من المقرر أن يجتمع وزراء خارجية بلدان مجموعة السبع الصناعية المتقدمة في الفترة من 3 إلى 5 مايو بأشخاصهم لأول مرة منذ ما يزيد عن عامين بمساعدة فحص يومي لفيروس كورونا وتباعد بدني معقول . ( بدأ هذا الإجتماع في موعده المقرر يوم الثلاثاء 3 مايو. وهو أول إجتماع حضوري لهم منذ أكثر من سنتين وسط إجراءات احترازية مشددة ضد فيروس كورونا – المترجم).

وفي 7 يوليو يخطط قادة بلدان مجموعة السبع لعقد إجتماع قمة في كورنْوَل (جنوب غرب أنجلترا). ثم سيعقب ذلك مؤتمر قمة بحضور شخصي للناتو في بروكسل. وقد تم ترتيب الرحلة إلى بروكسل مبدئيا كأول زيارة خارجية لجو بايدن بعد توليه الرئاسة.

لكن سيكون من الخطأ افتراض أن الدبلوماسية ستعود ببساطة إلى وضعها العادي. فمن ناحية أثبتت الدبلوماسية الإفتراضية أنها يمكن أن تكون فعالة جدا. بايدن، على سبيل المثال، أستطاع أن يتنقل بسرعة فائقة حول العالم دون أن يغادر البيت الأبيض حيث انضم إلى القادة الأوروبيين، على الشاشة، في ميونيخ والزعماء الاسيويين في قمة رقمية للرباعية الهندو- باسيفيكية.

كما أمكنه جمع العشرات من قادة العالم لمؤتمر المناخ الأخضر في اليوم العالمي للأرض. و في المستقبل يمكن، بكل سرور، تقليص إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والمناسبات الدبلوماسية الكبيرة بالنظر إلى أن الكثير من أعمالها الروتينية يمكن أداؤها على أكمل وجه عبر الإنترنت.

أحيانا، في المفاوضات المعقدة مثلا، من المعقول تنفيذ الأعمال المطلوبة حضوريا. وأحيانا أخرى تكون الإجتماعات الإفتراضية أفضل من الناحية العملية وأوفر إنتاجا.

وقد يتيح لها ذلك أن تكون أكثر شمولا ( بالمشاركة عن بُعد في المفاوضات). فالجائحة كثفت تجارب حشد نطاق واسع من الأصوات لحل النزاعات. في العالم المادي المحسوس يشكل ترتيب لقاء المجموعات النسائية أو الشبابية من بلد مضطرب في مكان آمن معضلة لوجستية. لكن إستخدام المنصات الرقمية، كما اكتشفت الأمم المتحدة في ليبيا واليمن، سهل نسبيا.

ويمكن أن تدحض المشاركة الواسعة في "الحوارات الرقمية" النقدَ الذي يوجَّه إلى العملية السلمية بوصفها تدبيرا فوقيا لا تشارك فيه القواعد وأن تضفي شرعية أكبر لأي اتفاق يتم التوصل له مما يتيح فرصة أفضل لنجاحه. وحتى أصحاب الخبرة والحنكة يتحمسون لمستوى الشمول (اتساع نطاق المشاركة) الذي تَعِد به لقاءات المنصات الرقمية. ويجب أن يكون هذا جزءا أساسيا من صِيَغ التوصل إلى السلام.

في القرن التاسع عشر قلَّص التلغراف الوقتَ المطلوب للإتصال بالمبعوثين الدبلوماسيين. وفي القرن العشرين قلَّصت الطائرات النفاثة المسافات. والآن تحل المنصات الرقمية محل الحضور الشخصي. وإذا استُخدِمت بحكمة سيفيد ذلك الدبلوماسية وستكون أفضل حالا.