آيباك في مقابل الديمقراطية

17 أغسطس 2022
17 أغسطس 2022

روث ميسنجر

مايك مور

ترجمة : أحمد شافعي

الديمقراطية الليبرالية في الولايات المتحدة، المصممة لتحقيق غرضين معا، هما حماية الأقليات الضعيفة وتوفير مسارات يسلكها المواطن العادي لصوغ الحكم، كانت باستمرار عظيمة بالنسبة لغالبيتنا نحن اليهود. إذ إننا نزدهر في ظل الديمقراطية وتسوء أحوالنا في ظل أنظمة الحكم الاستبدادية.

ولو أن اليهود الأمريكيين لا يتفقون على كل شيء، فهم في هذه المسألة إلى حد كبير يقفون في صفها. فالديمقراطية الأمريكية نظام في الحكم يجب أن نرغب في حمايته وتوسعته.

لذلك كان من المشين أن نرى بعض يهود أمريكا الأكثر انخراطا في السياسة، ومنهم منظمة آيباك AIPAC وحلفاءها، يتخذون خطوات لإضعاف ديمقراطيتنا كثيرا من خلال إنفاق بلا حدود للتغلب على مرشحين غير موالين، ودعم مرشحين يعارضون القوانين والأعراف الديمقراطية، والسعي إلى الحد من حرية التعبير لو أن في هذا التعبير انتقادا لإسرائيل.

ولنبدأ بمسألة الإنفاق بلا حدود.

موضوع العطاء اليهودي في السياسة موضوع حافل. فهو، من ناحية، من وسائل تأثير يهود الولايات المتحدة على السياسة العامة ونتائج الانتخابات. والمشاركة المدنية، ومنها التبرع المباشر للحملات السياسية، أمر حميد. ومن الناحية المقابلة، تمثل مزاعم الهيمنة المالية اليهودية على مؤسسات أساسية في الشؤون المحلية والعالمية مقولة شديدة العداء للسامية أدت تاريخيا إلى عنف أسفر عن كباش فداء. ويعتقد الكثير من الناس أن اليهود يحركون الخيوط من وراء الستار ويعدون التبرعات السياسية الضخمة دليلا على تأثير غير مشروع.

بحكمها الصادر سنة 2010 في القضية التي رفعها «مواطنون -أمريكيون- ضد اللجنة الانتخابية الفيدرالية»، فتحت المحكمة العليا الباب للإنفاق بلا حدود تقريبا على الانتخابات. فبوسع كل من يمتلك جيوبا عميقة أن ينشئ ما يعرف بالسوبر باك -وهي لجنة سياسية للإنفاق يحق لها تلقي التبرعات بلا حدود من الأفراد والشركات وجهات أخرى - بحسب موقع لجنة الانتخابات الفيدرالية على الإنترنت ـ المترجم- فتنصب ملايين الدولارات في أي سباق، من أقلها شهرة إلى أرفعها شأنا. والطوفان الناجم في التلفزيون والإذاعة وإعلانات الإعلام الاجتماعي والبريد وغيرها من وسائل التواصل قادر على تحويل الرأي العام بسرعة.

والإنفاق بلا حدود ضار بالديمقراطية، ففي عالم يعرف فيه أغلب الناس المرشحين من خلال الإعلام المدفوع، بوسع القدرة على إغراق الناخبين من مقاطعة معينة بالمعلومات المناصرة أو المناهضة لمرشح معين أن تفسد العملية برمتها.

وذلك ما يرجع بنا إلى آيباك، فبعد سنوات من الإصرار على أنها منظمة مؤلفة من كلا الحزبين تركز عملها كجماعة ضغط على الكونجرس والبيت الأبيض، وأنها غير معنية بالتورط في الانتخابات، قررت آيباك الاشتراك مباشرة في الانتخابات. وفي ظل اعتراض الرأي العام والمسؤولين المنتخبين على دعم الجماعة لسياسات إسرائيل، مفهوم أن تتجاوز آيباك الحدود التي بدا يوما ما أنها غير قابلة للانتهاك.

أولا، أنشأت الباك الخاص بها، باسم (باك آيباك)، لإعطاء المال للمرشحين. ثم أنشأت (سوبر باك)، وأطلقت عليه اسم (مشروع الديمقراطية المتحد) UDP وتبين أن ذلك الاسم نموذج مثالي للخطاب المزدوج، ومن داعمي مشروع الديمقراطية بالمستوى المجاوز للمليون دولار مانحون جمهوريون كبار.

برغم جمعه تبرعات كبيرة من جمهوريين، أنفق مشروع الديمقراطية أموالا في انتخابات داخلية في الحزب الديمقراطي، داعما مرشحين موالين لآيباك ضد ديمقراطيين كانوا أكثر انتقادا لسياسة إسرائيل. ومن أهداف مشروع الديمقراطية الكبار النائب آندي ليفين عن ميشيجن، الذي يعلن صهيونيته وسبق له أن كان رئيس معبد يهودي وله سجل قوي في دعم العمال ومعالجة القضايا الدولية في انتهاكات حقوق الإنسان، ومنها الاحتلال الإسرائيلي. وخسر ليفين ـ وكان أحد أسباب خسارته على الأقل يتمثل في التدفق الضخم لأموال آيباك ـ ترشحه الحزبي في 2 أغسطس، فاعتبرت آيباك ذلك انتصارا لقضية مناصرة إسرائيل.

هاجمت بيانات آيباك الصحفية وتغريداتها ليفين بسبب سجله في ما يتعلق بإسرائيل وفلسطين. لم تذكر إعلانات المنظمة القضية مطلقا. فقد علمت آيباك أن القضية غير بارزة في مقاطعته، لذلك تجاهلت إسرائيل وفلسطين. والأمر الجاري، مباشرة، هو أن منظمة وطنية لديها مقادير هائلة من المال، أغلبه من متبرعين جمهوريين، تسعى إلى تحديد نتيجة انتخابات الحزب الديمقراطي بتجاهلها القضية الأساسية التي تعمل من أجلها. وما هكذا ينبغي أن تكون الديمقراطية، (سمر لي) مرشحة لمجلس النواب الأمريكي، تنتمي إلى الطبقة العاملة في بنسلفانيا، واستطاعت الفوز على الرغم من ملايين أنفقتها آيباك ضدها، وقد أوجزت الأمر في تغريدة أخيرة لها قالت فيها «مطلوب مني بطريقة ما أن أجمع الملايين لصد هجمات بملايين الدولارات... إن وجود شركات بلا حدود وأموال مشبوهة في الانتخابات أمر سيء موضوعيا ويتناقض مع إقامة ديمقراطية حقيقية». ولا نعقب على ذلك إلا بآمين. ومن الأمور السيئة للديمقراطية أيضا: المتمردون الساعون إلى قلب انتخابات نزيهة.

ولعلكم تتذكرون هؤلاء يوم اقتحموا مبنى الكونجرس بهدف إيقاف التصديق على انتخابات 2020 وتمهيد الطريق لولاية ثانية لترامب في الحكم. ولعلكم تتذكرون أيضا كيف أنه في وقت لاحق من الليلة ذاتها صوت 147 من أعضاء الكونجرس الجمهوريين على عدم التصديق على الانتخابات، مسجلين ازدراءهم لسيادة القانون ولعمليتنا الانتخابية. ولقد رأيتم الكثير من أصحاب المناصب الحاليين والرافضين على المستويين الفيدرالي والولاياتي مستمرين في الإصرار على أن الانتخابات الأخيرة تعرضت للسرقة وأن هجوم السادس من يناير كان عملا وطنيا رفيعا.

لقد أقرت آيباك 109 من هؤلاء الرافضين، ومنهم النائب سكوت بيري عن بنسلفانيا. ولعلكم تتذكرون أن بيري استغل اجتماعا للجنة البرلمانية للشؤون الخارجية للترويج لمؤامرة من مؤامرات المؤمنين بسيادة البيض مفادها أن المهاجرين (بتشجيع من اليهود) يتوافدون على الولايات المتحدة لـ»يحلوا محل» الأمريكيين المولودين في أمريكا. كما صوت بيري ضد التصديق على انتخاب بايدن. ولعلكم تنظرون إلى صندوق سوبر باك التمويلي وإلى كلمة الديمقراطية التي تشكل جزءا من اسمه، وإلى طبيعة تكوين المنظمة لدعم بلد يعد «البلد الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط» بالنيابة عن مجتمع ازدهر في ظل ديمقراطيات ليبرالية، فتتصورون أنه قد يكترث لو أن مرشحيه يعادون الديمقراطية. ولكنكم حينئذ تخطئون في تصوركم.

وثمة عامل ثالث يقوض الديمقراطية الليبرالية في الولايات المتحدة وهو الهجمات على الخطاب السياسي لمنتقدي إسرائيل. في حماستهم لمعارضة حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، تجاوز قادة المجتمع اليهودي الحدود. ففضلا عن دعم القوانين المناهضة للحركة التي تعاقب التعبير السياسي، والتحقيق في مواقف المرشحين من الحركة بات يسيطر على الخطاب المحيط بالانتخابات في كل مستويات الحكم.

ومؤكد أنه يحق لآيباك وللعديد من المنظمات والناخبين الآخرين معرفة موقف المرشح من قضية حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والمعاقبة. لكنكم تطالعون الصحافة اليهودية فتشعرون وكأن هذه القضية هي الشاغل الوحيد للمجتمع اليهودي. ففي مدينة نيويورك، حيث يعيش كلا كاتبي هذا المقال، خصصت مقالة في وكالة التلغراف اليهودية JTA تغطي منتدى لأحد المرشحين في اتحاد بيت لوهيم في بروكلين 14 فقرة لسؤال واحد حول حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والمعاقبة، وتسع فقرات فقط للأسئلة الخمسة الأخرى مجتمعة.

لقد قادنا الخوف المجتمعي اليهودي من حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والمعاقبة إلى السير في طريق خطير بخنق حرية التعبير وتشويه الأولويات المجتمعية. فالمرشحون من أصحاب المواقف الدقيقة بات مطلوبا منهم الالتزام بالصف، وإلا. وفي الوقت نفسه، يعطي هذا انطباعا بأن المجتمع اليهودي لا يهتم حقا إلا بشيء واحد فقط. تقول مجموعة الاتحادات اليهودية لأمريكا الشمالية الجامعة إنها تساعد في تأمين «10 مليارات دولار من الأموال العامة التي تتدفق إلى المجتمعات اليهودية. تدعم هذه الأموال الآلاف من الوكالات التي تخدم الأشخاص من جميع الخلفيات، بما في ذلك المستشفيات ودور رعاية المسنين والمراكز المجتمعية ووكالات خدمة الأسرة والأطفال وبرامج التدريب المهني». وثمة منظمات يهودية أخرى تناصر تيسير الإجهاض، وحقوق الإنسان والحقوق المدنية، والمساعدات الدولية، وإصلاح العدالة الجنائية، والعديد من القضايا الأخرى. ومع ذلك، فقد حلت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والمعاقبة محل أي محادثة مع المرشحين والمسؤولين المنتخبين حول شبكة الأمان الخاصة بالبرامج الاجتماعية التي يعتمد عليها الكثير في مجتمعنا.

أخيرا، غالبا ما يتم تصنيف مؤيدي حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والمعاقبة، أو المدافعين عن مؤيديها، ضمن أعداء السامية أو يُتهمون إن كانوا يهودا بأنهم ليسوا يهودا حقيقيين. وهذا النوع من الخطاب السام، الذي أيده بعض زعماء المجتمعات المحلية المرموقين، يعيد صياغة الخلافات السياسية في صورة خطاب كراهية. ويحوِّل منتديات التحقيق إلى منتديات لمحاكم التفتيش، حيث تفترض الإدانة، وحيث العقوبة مناظرة للحرمان الكنسي. إيباك تريد الفوز. وهذا مفهوم. وكلنا نحن المدافعين عن قضايا مختلفة لدينا أهداف نريد تحقيقها، وتغييرات نرغب في إجرائها، وسياسات نؤمن بها. وغالبا ما تكون المخاطر كبيرة. ولكن الأهم من الفوز في كل معركة هو أن نحافظ على نظام عادل يمكن فيه للأشخاص المعارضين أن يتنافسوا على السلطة مرارا وتكرارا في ساحة لعب متكافئة بشكل معقول. وطالما بقيت المعارضة قيمة يهودية أساسية، كما كانت لآلاف السنين، فنحن بحاجة إلى دعم نظام سياسي يحميها.

إن بلدنا يمر بمنعطف. إذ يبدو أن عددا كبيرا للغاية من الأمريكيين على استعداد للتخلي عن تقاليدنا ومؤسساتنا الديمقراطية الليبرالية - وعن تقاليدنا ومؤسساتنا التي توفر مستوى من الاستقرار الضروري لسلامة مجتمعنا ونجاحه. فلنحرص على ألا ننضم إليهم، قبل أن نحطم ديمقراطية لن يسهل إصلاحها.

روث ميسنجر ناشطة في مجال العدالة الاجتماعية تعمل استشارية للجاليات اليهودية والعلاقات بين الأديان.

مايك مور المؤسس والرئيس التنفيذي لوكالة مور بلاس أسوشيتس الإبداعية، وله العديد من الكتابات في السياسات اليهودية

ترجمة لـ $ عن «ذي نيشن»