هوامش... ومتون : جرعة ثانية من الأمل

09 يونيو 2021
09 يونيو 2021

حين توجّهت صباح أمس الأول لتلقي الجرعة الثانية من اللقاح المضاد لكورونا، شاهدت الطابور الطويل الذي يقف أمام الموقع الذي اخترته من بين المواقع الخمسة، وهو مجمع السلطان قابوس الرياضي، وفي الوقت الذي أزعجني أنني مضطر للوقوف في طابور طويل، للوهلة الأولى، وقد جبلت على كره الانتظار، والوقوف في الطوابير، أفرحني إقبال المواطنين، والمقيمين على حدّ سواء على أخذ اللقاح، هذا الإقبال أعادني إلى أواخر الستينيات، عندما كانت أعداد غفيرة من الناس البسطاء يتوجّهون للمراكز المخصصة لأخذ التطعيم ضدّ الأوبئة التي كانت تنتشر بين وقت وآخر، كالكوليرا، والسل الرئوي، يومها لم تكن وسائل الإعلام بهذا الزخم، لكن هناك ثقة متبادلة بين الناس، والجهات المسؤولة عن الصحة، حين انهارت تلك الثقة حدثت بلبلة، سمحت لنشر الإشاعات، رغم تأكيدات معالي وزير الصحّة أنّ «السلطنة لن تقبل أيّ تطعيم إلّا بعد التأكّد من مأمونيّته» يومها، انطلقت حملات تثقيفية انتشرت عبر وسائل الإعلام القديم، والجديد، فنجحت في توجيه الرأي العام الوجهة الصحيحة، وتعديل المسار، وإعادة الثقة باللقاح الذي تنفق الدول مبالغ طائلة لتوفيره لمواطنيها دون مقابل، شاركت في تلك الحملات شخصيّات عامّة مؤثّرة، نصحت عبر الكلمة، والصورة، ومقاطع الفيديو بأخذ اللقاح، وإعادة الثقة اللازمة من أجل الخروج من النفق، وكذلك القناعة الذاتية بأنّ الحل يكمن في اللقاح، بعد ارتفاع الإصابات، والوفيات مجدّدًا، واستمرار حالة الركود في مرافق الحياة العامّة بأنشطتها المختلفة، وعدم تمكن المجتمع الدولي من السيطرة على الوباء؛ لذا أعاد بعضهم النظر في نظرته للقاح.

لقد اختلفت الصورة التي رأيتها وأنا أقف في طابور طويل، كان رقمي (768)، ولكم تخيّل العدد عن الوضع الذي كان قبل شهرين، عندما توجّهت للمستوصف لأخذ الجرعة الأولى من اللقاح وسط دهشة، واستنكار العديد من الأصدقاء؛ لذا لم أستغرب حين رأيت العدد القليل من الذين قدموا لأخذه، ومعظمهم من المقيمين بسبب تردّد الكثيرين، مع وضع هوامش عديدة لمن لا يناسب اللقاح أجسامهم؛ بسبب وجود مشاكل في الجهاز المناعي، وكذلك الأطفال، وهذا الأمر نتفهمه لكنّ تردّد بعضهم، كان نتيجة لانتشار معلومات غير صحيحة، وقصص مفبركة، وهناك من ذهب بعيدًا، ورأى أن ظاهر اللقاح ضد كورونا أما باطنه، فهناك أهداف خفية، بما يندرج ضمن نظرية المؤامرة التي نكّدت علينا حياتنا، ومن الطبيعي كلّ جديد يواجه بالرفض، والمقاومة، مع علمنا أن هناك اليوم من هو ثابت على موقفه الرافض لأخذ اللقاح، ولم يتزحزح، رغم أن منظمة الصحة العالمية التي شبهت ذات يوم كورونا بـ «نار جهنم وهي تفور» قالت: قبل حوالي شهر إن نهاية الوباء مرهونة بتنفيذ ثلاث نقاط أساسية، كما نقل د. عامر هشام الصفّار، وهذه النقاط هي: توفير اللقاح المضاد، ومراعاة مبدأ العدل في توزيعه على الدول، رغم التفاوت في قدراتها على التمويل، والالتزام بالتدابير الوقائية مع تلقي اللقاح، وكما نرى، ورد ذكر مفردة (اللقاح) في النقاط الثلاث، فلا حل سواه، مع وضع النقطة الثالثة في نظر الاعتبار، فاللقاح لا يملك العصا السحريّة التي تطوي صفحة الفيروس، ولكنه عامل مهم، في الحدّ من أضراره وانتشاره، ويكون ذلك مع استمرارية العمل بالإجراءات الاحترازية، ووضع الكمامات، وتعقيم اليدين، والمحافظة على المسافة اللازمة للتباعد، وتقوية الجهاز المناعي.

حين عدت إلى المنزل، ولم أعانِ بحمد الله، من أيّ أعراض متوقّعة كالصداع والحمّى، شعرت أن كابوسًا كان قد جثم على صدري طوال عام ونصف، بدأ يتلاشى، ويتقهقر، مفسحًا الطريق ليمرّ الأمل بنفوسنا، ونتشارك في طيّ صفحة الوباء السوداء.