هل الكتاب يعيش أزمة؟

14 يونيو 2021
14 يونيو 2021

الكتاب الذي طالما كان صديقا للكائن أصبح الآن يعيش أزمة حقيقية، وذلك بسبب الانصراف عنه إلى بدائل إلكترونية. ولكن يجب أن نعرف أن كل ذلك ليس سوى محطة عابرة. قبل أيام قرأت كتابا بعنوان (الحيوان الحكاء) قرأته كاملا في المقهى من المساء حتى الليل ولمدة يومين متواليين. في الصباح طبعا أتفرغ للعمل ولكن المساء يكون عادة للقراءة أو لزيارة صديق أو قريب. ولكن بسبب عزلة كورونا أكتشف مع الوقت أن هذا القريب والصديق هو الكتاب الورقي وليس الإلكتروني.

لا أحب كثيرا الإلكتروني، إنه جسد بلا روح. الورقي تقلبه بحميمية. لذلك أشتري الكتب كل مرة من مكتبة لوتس، التي تشبه بستانا ورقيا جميلا. أشجاره يانعة وقطوفه دانية.

كتاب (الحيوان الحكاء) يتحدث عن هذا الأمر تحديدا. ويصل إلى خلاصة أن الكتاب – والحكاية تحديدا- تتسلل إلى كل شيء حتى إلى الفلم السينمائي. ويتحدث بإيجابية عن بقاء الكتب وعدم إمكانية العزوف عنها. وهو يقول أنك حتى حين تنصرف إلى هاتفك أو حاسوبك فأنت في الحقيقة تنصرف إلى كتاب. ولكنه كتاب مفرق وموزع الرابط الحقيقي يكون في ذهنك. لذلك فإن محبتنا للكتاب هي محبة أصيلة. وليست نزوة عابرة. لا يمكن الحياة بدون كتاب. وقضية الكتاب وأزمته تأخذ أشكالا متنوعة في العادة، وكان من أهمها البحث عن مكان لها. لا مكان للكتب في المنازل الجديدة، ولكنها تجد لها مكانا بطريقة من الطرق.

***

كنا قبل تفريق كورونا ألتقي بين فترات متقطعة بأصدقاء في المقهى القريب من كلية الآداب بالرباط، وأغلبهم أساتذة في نفس الجامعة أو في كلية الصحافة أو سينمائيين وممثلي دراما. يأتي الحديث أحيانا على موضوع واحد ويتشعب. ولكن ذات مساء كان الحديث عن الأزمة التي يعيشها الكتاب في عالمنا العربي. أحد الأساتذة أخبرنا بأنه التقى برميل له كان يستعرض عليه فيلته التي يشرع في بنائها، تحدث عن كل التفاصيل البيت حتى عن معدات النظافة التي أوصى بإحضارها من أوروبا، وانتظره أن يتحدث عن المكتبة ولكن ذلك لم يحدث، فتيقن أنه أمام معلم لا يقرأ. آخر تحدث عن زميل له فارق الحياة فاتصلت به زوجته أن الراحل ترك كتبا كثيرة إن كان يرغب في اقتنائها فرد عليها أن لديه مكتبة كبيرة في البيت ولا حاجة له بمزيد من الكتب. ثالث تحدث عن احتياله لزوجته حين تراه يدخل البيت بعد غياب عدة أيام لمشاركة ثقافية على هامش معرض للكتاب، إن هذه الكتب جميعها إهداءات من كتابها. آخر تحدث عن قريب له كثيرا ما يسأله حين يلتقيه: هل ما زلت تقرأ؟ وأحاديث أخرى شبيهة ومواقف مشابهة.

أزمة الكتاب تأخذ عدة أشكال حاليا، ولكنها غير ثابتة. ترى مثلا بسبب جائحة كورونا أن الكثير من دور النشر تعزف عن طباعة الكتب وبما فيها الرواية التي من المفترض أنها تشهد رواجا كبيرا، ولكن رغم ذلك فإن التأجيل والتسويف يطال طباعتها، وذلك بسبب التوقف الحاصل لمعارض الكتب طيلة ثلاث سنوات تقريبا، الأمر الذي قلص من التداول التجاري. حيث إن الكتاب في جانبه المؤسساتي يرتبط بحركة التداول الحرة التي توفرها معارض الكتب كبؤر موسمية أشبه بالأسواق الثقافية، يتم خلالها ليس فقط بيع وترويج الكتاب جديدة وقديمة، إنما كذلك عقد ندوات ثقافية مفتوحة للجمهور، فخلال فترة المعرض التي عادة لا تتجاوز الأسبوعين، تعيش العواصم والضواحي حركة ووفودا إلى أراض المعارض، التي بدورها تمور في أروقتها وأجنحتها أكثر من حياة، سواء في صالات عرض الكتب أو في قاعات الفعاليات المفتوحة.