نوافذ : عزاء النساء

28 أبريل 2021
28 أبريل 2021

أقامت نساء الكويت -وبعض شبابها أيضا- عزاء افتراضيا على وسائل التواصل، اتشحت فيه المعزيات بالسواد، لبسن العباءات التقليدية، وتموضعن للصور، في احتجاج صامت بالأبيض والأسود.

هذا العزاء المقام على روح الفتاة المغدورة، فرح أكبر، الفتاة التي لجأت للقانون لحمايتها من التهديدات المستمرة بالقتل، بينما وقف رجال القانون مكتوفي الأيدي، في انتظار وقوع الجريمة.

فنفذ القاتل تهديده، باختطافها ثم بتسديد طعنة شقت صدرها، وتركها تنزف أمام المستشفى، حتى فارقت الحياة.

هذه الجريمة، واحدة من سلسلة لا نهائية من جرائم قتل تكون ضحاياها من النساء، فهناك امرأة تقتل كل عشر دقائق، في مكان ما على هذا الكوكب، وتشير الإحصائيات إلى أن ٣٨٪ من حوادث قتل النساء تتم على يد الشريك.

يتم التعامل مع جسد المرأة وكأنه شيء، مجرد شيء، يمكن استخدامه والتخلص منه، شيء لا ينتمي إلى نفسه، إذ يبدو أن هناك شعورا جمعيا بأن جسد المرأة هو جزء من الفضاء العام، هو بشكل من الأشكال ملك للجميع إلا صاحبته، لذا يستطيع الجميع أخذ شيء منه ولو على الماشي، كما يقال، حتى أن هذا الفعل لا يتم استنكاره في كثير من المجتمعات، إذ سجلت الإحصائيات أن حوالي ٤٠-٦٠٪ من نساء الشرق الأوسط تعرضن للتحرش اللفظي أو الجسدي أو الملاحقة في الشارع.

مع ذلك يدعي الكثير من الذكور حمايته، وبذلك يسوغون حجبه، ومصادرة حقه في الوجود، فالذكور يعرفون أن جسد المرأة بالنسبة لهم هو شيء مشاع، ربما أكثر حتى من كراسي الحديقة، وعندما ترفض المرأة هذه الوصاية وهذا التحرش، يتصاعد الموضوع، وقد يصل إلى الترصد والاغتصاب والقتل، كما حدث في الكثير من القضايا، التي لم تزل منظورة أمام القضاء.

كما يتجلى عدم انتماء جسد المرأة لصاحبته، في رؤية ذكور العائلة لمفهوم الشرف، إذ تستفحل قضايا جرائم الشرف في هذا الجزء من العالم، التي تقتل فيها النساء بدعوى تعريضها شرف الزوج أو الأسرة للخطر، هذا الشرف كما يبدو يتعلق دوما بجسد المرأة، فيبدو أن الكثير من الرجال لا يملكون تعريفات للشرف أبعد من ذلك، لذا لا تمس قضايا الفساد، السرقة، أو حتى خيانة الوطن، شرف مرتكبيها، وحتى بعد الإدانة، تراهم يستقبلون في المجالس ويخالطون الناس «مرفوعي الرأس»، وكأن الشرف لا علاقة له بهم من قريب أو بعيد، إذ ألصق بجسد المرأة وانتهى الأمر، إلا في حالة واحدة فقط، هي أن يتم استخدام جسده جنسيا كما يستخدم جسد المرأة، لذا فالمعتدي لا يخجل قدر خجل ضحيته، ولا يشعر بالذنب قدر شعور الضحية، الذي تتكالب عليه الانتهاكات وأصابع المجتمع المتهمة.

هذه القضايا، رغم أنها قضايا قتل، مما يعني أن هناك روحا تزهق، روحا وردت في التشريعات السماوية حرمتها، لكنها مع ذلك يتم التعامل معها بشكل غير متساوٍ مع روح الرجل، فروح المرأة، تكلف في غالب التشريعات عندنا من ثلاث إلى سبع سنوات سجن، بل إنه يمكن في بعض الدول أن يدفع غرامة بسيطة ويخلى سبيل القاتل.

يبدو أننا نعيش في زمن متردٍ يشبه زمنا غابرا متوحشا، حيث لا تعدو قيمة روح الإنسان قيمة رصاصة، وتعاني فيه النساء ليس من مطالبتها بحقوق قائمة على مواطنة متكافئة فقط، فهذا أمر يبدو متقدما في بعض المجتمعات، لكنها تصارع حتى يكون لها حق في الحياة، وأن تكون لحياتها حرمتها التي أقرها الله تعالى.

لبست نساء الكويت السواد على روح فرح أكبر، وأرواح كل النساء قبلها وكل النساء بعدها، فمن تضمن فعلًا أن لا تكون هي الضحية التالية.