نوافذ :بين خيارين ..

30 أبريل 2021
30 أبريل 2021

يعيش كل واحد منا في واحة خيالية خصبة تمتد عبر مساحة العمر، منذ لحظة الوعي بما حولنا، وتدرج هذا الوعي عبر مسيرتنا الحياتية، سواء على مستوى الفرد، أو مستوى الجماعة الضيقة، أو مستوى الجماعة الإنسانية على اتساعها الجغرافي، ولكن على الرغم من هذه الخصوبة الـ «خيالية» حيث؛ الرؤى، والآمال، والطموحات، والأماني، إلا أن كل ذلك لا يخرج عن خيارين لا ثالث لهما، إما خيرا، أو شرا، وبالتالي نرتهن في الفعل وفق أحد هذين الخيارين، فأيهما يستقطب حظه الأوفر من هذا الارتهان؟ تبقى هذه مسألة أخرى خاضعة لظروف كثيرة في بيئة الحياة اليومية، وظروف كل فرد على حدة؛ فمن ينشأ في بيئة آمنة مستقرة، قد ينحاز إلى معسكر الخير، وقد تعصف به الظروف والمصالح ليجد نفسه في مستنقع الشر، مع أن مساحة الخير عنده أكثر اتساعا، ورحابة، وأفقا، وأما من ينشأ في بيئة عدائية غير مستقرة، فإن مساحة الشر تكون أمامه أكثر من غيرها، إلا الاستثناء الذي سوف يموضعه في مربع الخير، ويعفي نفسه؛ عندها؛ من مشاق كثيرة، وهو فرد محظوظ على كل حال، ومآل كلا الفردين؛ في نتيجتهما النهائية لن يخرج عن محصلة سلوكهما، الذي سوف يشار إليه لترجيح هذه النتيجة.

هناك من يتحدث عن القيم، والمبادئ، وأثرهما في الحد من تأثيرات الجنوح نحو أحد هاتين النتيجتين، ومن وجهة نظر شخصية؛ أن الوصول إلى هذه النتيجة المطلقة في شأن هذه المحددات للسلوك، نظرة تحتاج إلى شيء من التروي، وخاصة تلك الخارجة عن الفطرة الإنسانية، وأعني بالفطرة هنا؛ أن هناك أناسا خلقوا وعندهم رصيد طاغٍ أو خصب من هذه القيم، وهؤلاء ليست عندهم مشكلة في توظيفها في مجمل سلوكياتهم اليومية، مع أنفسهم، ومع الآخرين من حولهم، فهم (أنبياء السلوك) إن تصح التسمية، وبالتالي فمجمل خياراتهم السلوكية، خيارات محبة وسلام، ويمارسون كل ذلك من غير تكلف، ولكن هل هم محظوظون جدا في ذلك؟ أقولها: ليس شرطا، فقبول السلوك الآمن ليس ناجحا في كل الاتجاهات، ولذلك يصاب مثل هؤلاء بصدمات قاسية في حيواتهم، ذلك لأنهم يظنون أن كل أبناء جلدتهم على شاكلتهم، ولا يستحضرون الجانب الآخر من المعادلة، وأما الطرف الآخر فيعيش نفس هاجس الأول ولكن في جانبه المقفر من السلوك الآمن، ويظن كذلك أن كل الآخرين من حوله يعيشون هاجسه السيئ، ولذلك فهم أيضا يعيشون غربة المشاركة في سلوكياتهم، إلا الاستثناء كذلك، ولذلك تكون ردات فعلهم قوية وقاسية على الطرف الآخر عندما لا يشاركهم نفس السلوك، حيث يشعرون بالمهانة، والضعف، فيعوضون ضعفهم بسلوك أكثر قسوة، وأكثر سيئة، ولقد قرأت في الآونة الأخيرة أكثر من قصة حدثت في أكثر من دولة، أن بعض المصابين بمرض بـ «كوفيد-19» يسعون عن عمد في نشر الفايروس لأصحاء من حولهم، لأنهم فقط ليسوا على حالتهم، وأحداث الحياة مترعة بالقصص عن سلوكيات الأشرار، وتقصيهم الدقيق في أن يكون كل الناس على شاكلتهم، ولذلك يستعاذ في الدعاء من «أشرار الناس».

حمّلنا ديننا الحنيف مسؤولية الاختيار بين الخير أو الشر، والنصوص كثيرة في هذا الأمر، وأخبرنا بالنتيجة كذلك: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) - سورة الزلزلة -. واليوم نحن في النصف الثاني من شهر رمضان المبارك، ومكافآت الأعمال في هذا الشهر مضاعفة، ومباركة، وهي فرصة للانحياز إلى خيارات الخير؛ وما أكثرها؛ وهي فرصة لإعادة النظر في كثير من سلوكيات الشر التي استحسنا متعتها في لحظة ضعف، فالإنسان؛ وعلى الرغم من فطرية توظيف السلوك التي يتميز بها؛ إلا أنه له القدرة على إعادة صياغة أي سلوك يريد، ونص الآية واضح: (وهديناه النجدين) - سورة البلد -.