نوافذ :الكل يملك حقيقة ..

11 يونيو 2021
11 يونيو 2021

ولأنها ليست هناك حقيقة مطلقة؛ إلا الوطن، فهو الحقيقة الوجودية المطلقة؛ فإذن الكل يملك حقيقة عن شيء ما، ربما قد تختلف المعلومات المتوفرة عند شخص ما؛ عن شخص آخر حول موضوع ما، لأن كل أمر في هذه الحياة له جوانب مختلفة، قد تكون اجتماعية، وقد تكون اقتصادية، وقد تكون سياسية، وقد تكون دينية، وقد تكون فكرية، ومن هنا تندرج مجموعة التخصصات عند كل فرد على حدة، ولكن في النهاية قد تجمعهم حقيقة واحدة حول الموضوع ذاته، ولذلك يبقى في حكم المستحيل أن تتجرد الحقيقة من تبعاتها الثانوية، وهذه الثانوية هي التي تتيح لمجموع الأفراد لأن يملكوا حقيقة ما، وفي المقابل؛ لا تترك الفرصة لأي كان لأن يحتكر حقيقة ما بصورة مطلقة.

في الزمانات القديمة، كما يروى؛ أن هناك أناسا بعينهم يستحوذون على حقائق الأشياء، ولذلك تبوؤا مكانات عالية في مجتمعاتهم، فوعي الناس في مراحل الحيوات الأولى لم يكن بذلك المستوى الذي يتيح لآخرين أيضا أن يشاركوهم في ثانويات الحقائق، ولذلك – في المقابل – كثر الطغيان، وكثر الظلم، وكثر العصيان، وكثر الاستغلال، وهناك أناس وصلوا إلى مستوى التقديس من كثرة ما بُجّلوا، وما فُضّلوا، وما استُثنوا، ولا تزال آثار تلك الصورة المشوهة للحقيقة ماثلة في كثير من الصور حيث لا تزال هناك صور نمطية "مهترئة" تتسيد على المشهد في جوانب كثيرة من الحياة، وكأن هذا الإنسان لا يريد إلا أن يكون أسير هذه الفتافيت، وكأن حقائق الحياة لا تزال تتموضع عند أناس بعينهم، وأن الآخرين عليهم أن يبقوا على تموضعهم في مستنقع هذه الصور النمطية المراوحة لذاتها، على الرغم من شيوع المعرفة، ومن سهولة وصولها إلى الناس، ومن الاستغناء الذي وصل إليه الناس في المراحل المتقدمة من حياتهم الحاضرة، ويبقى الاستثناء الوحيد هنا؛ وبصورة أكثر دقة؛ هو استثناء العلماء الأجلاء، سواء العلماء الربانيين، أو علماء المختبرات، ويظلون قلة من مجموعات المجتمعات الإنسانية، فهؤلاء يمكن أن يستحوذوا على كثير من الحقائق، والتي لا يمكن لعامة الناس أن يقتسموا معهم المعرفة في التخصصات ذاتها.

تفرض وسائل المعرفة نفسها اليوم على واقع الناس؛ أكثر من أي وقت مضى؛ وهذا الحضور الواسع، والشامل من شأنه أن يوسع قدرة الناس على امتلاك حقائق أكثر مما كان عليه الأمر قبل فترة من الزمن، ولأن الأمر كذلك، فهذا يحمل الناس؛ في المقابل؛ مسؤوليات أكبر، تجاه أنفسهم، واتجاه مجتمعهم، وبالتالي فلا يعذرون عن القيام بأدوارهم الحقيقية في كل أمر يسند إليهم، أو في كل أمر يمكنهم أن يساهموا فيه بطريقة أو بأخرى، فامتلاك؛ ولو جزء من الحقيقة؛ معناه اتساع في رقعة الوعي بما يدور حولهم، ومتى تحقق ذلك، أصبح في حكم الواجب القيام بكامل المسؤولية، دون أن يكون هناك توجيه، أو تنفيذ أمر مسلط، وهذا ما يحمل الشعور بالمسؤولية بصورة أكثر، وأكبر وأوسع.

ولنضرب مثالا حاضرا اليوم، وهو جائحة (كرونا - كوفيد19) التي تملأ الآفاق، حيث الجميع يملك حقيقة معينة عنها، انطلاقا من الأعمار الصغيرة، ومن أهم الحقائق هي مجموعة الإجراءات الوقائية التي تحتم على الجميع التقيد بها، وبالتالي؛ وهو الأمر المتحقق؛ أن يكون الجميع على خط مستقيم في شأن التقيد بهذه الإجراءات، حفاظا على ما هو متحقق من الوقاية من تأثيراتها السلبية، وعندها؛ ليس شرطا؛ أن يمتلك الحقيقة الأكبر في هذا الاتجاه أن ينزل الميادين ليحقن الناس بما تبقى من معرفة عن الحقيقة الكاملة للجائحة، لأن آثارها السلبية ملموسة، ومخيفة، وقس على ذلك أمثلة كثيرة في هذه الحياة.