نوافذ :الـتـعـايـش..

18 يونيو 2021
18 يونيو 2021

من الأمثال المتداولة كثيرا عند أبناء المجتمع؛ القول: «اسمع منه ولا تهمه» وخلاصته «اللامبالاة» أو التعايش مع المشكلة، و«اللامبالاة» إذا تأصلت في النفس، كانت لها نتائج كارثية، على مستوى الفرد، والجماعة على حد سواء، قد ينظر إليه البعض من باب «طنش تعش» فالوقوف على كل صغيرة وكبيرة مرهق للذاكرة، ومعطل لما هو أهم، ويسقط أهميتها آخر حتى تتحسن الظروف، ويذهب بها ثالث؛ على أنها لا تشكل أولوية في وقتها الحاضر، ولذلك لا يحرك ساكنا، ولا يتقدم خطوة في ذات اتجاه المشكلة، حتى تتقادم، وتتماهى مع كثير ممن شكل أهمية ما؛ في لحظة زمنية فارقة.

منذ بداية جائحة (كورونا - كوفيد19) ترددت كثيرا كلمة التعايش مع المرض، وكلمة مناعة القطيع، وأن هناك دولا سلكت التوجه ذاته، فإذا بها تسقط في قاع هيمنة المرض وشراسة تأثيراته المخيفة، فرجعت إلى مربعها الأول من حيث الأخذ بالحزم، ووضع الآليات، وأن مسألة التعامل مع المرض ليس بهذه البساطة، أو التسطيح الذي تحمله كلمة التعايش، أو مناعة القطيع، فهي تحتاج إلى كثير من العمل، وإلى كثير من الجهد، وإلى كثير من المعالجات الفنية، والإدارية، وأن مجموعة الناس في المجتمعات ليس التعامل معهم بذلك اليسر، وبتلك السهولة، ومن يظن ذلك يفقد البوصلة الموصلة إلى هذه الحقيقة - هذا مثال فقط للفكرة -.

بيت شعر كان والدي - رحمه الله - يردده كثيرا على مسامعي، ولعله يتعمد ذلك، لإيصال الفكرة: «لا تترك الحزم في أمر تحاذره؛ فإن سلمت فما للحزم من بأس». فالإنسان؛ بطبيعته؛ مجبول على الإهمال، وعلى التغاضي، وعلى التسويف، وهذه كلها مناخات داعمة للتعايش مع أي مشكلة على المستويين الخاص والعام، وإذا لم يوجد ما يدفع بالالتزام؛ سواء عبر قانون، أو عبر قيم، أو عبر محفز مادي أو معنوي، فإن أغلب القضايا العالقة ستظل عالقة إلى أبد الدهر، وستكون الحياة على رتم معين، وستظل جميع مشاريعها متموضعة تنتظر الفرج، إلى أن يقيض الله فردا، أو جماعة، تأخذ بأسباب النجاح، ولا تؤمن بحالة السكينة هذه التي يحملها مفهوم الـ «تعايش».

من منظور ومراقبة شخصية؛ أرى أن اشتعال الهمم في الذات الفردية أو الجماعية، تخضع كثيرا لمسألة البيئة الحاضنة، فهناك بيئات حاضنة نشطة، وهناك بيئات حاضنة خاملة، وهذه البيئات من أولوياتها تأسيس الثقافات في نفوس الأفراد والجماعات، وتأتي مجموعة المكملات من القوانين، والمحفزات، لتوسع مساحة الإشتغال في أوجه الحياة ومناخاتها المختلفة، وبالتالي فإن وافقت النفس المتحفزة للعطاء بيئة نشطة، استطاعت في المقابل أن تغير وجه الحياة، وكان ذلك إضافة نوعية للحياة الإنسانية، وإن وافق بيئة خاملة تعايش في الوسط الذي يكون فيه، وظلت جميع المعطيات الأخرى تراوح نفسها حتى توقدها شرارة للتو تستحم بشروق يوم متوهج.

يبدو أن الرضا بـ «التعايش» مع المشكلة، مع الحدث، مع الموقف، مع الحزن، مع السرور، مع أي قضية إنسانية، مع أي شيء من شأنه أن يكون لحظة فارقة في حياة الفرد أو الجماعة، فيه الكثير من المخاطرة، فالحياة مكتسب مرتبط بالزمن، والزمن لحظات هاربة من حسابات الأفراد، ومخطئ من يظن أنه بإمكانه أن يعوض خسارات الأمس، في الزمن المتاح اليوم، فما ذهب قد ذهب، وظروف الحياة لا تقبل المساومة، فهي متجددة، ومتراكمة، لا تحتمل أية فراغات فاصلة بين مكوناتها، وهذه من التحديات التي يعيشها الإنسان مع ذاته، ومع مجتمعه، فملء الفراغات معناه البحث الدائم عن حلول للمشكلة، وفي عرف الإنسانية؛ فأية مشكلة لا تقبل التعايش معها، أو الرضا بها كيفما كانت.