معنى "الدخول الثقافي" والحاجة إليه

20 سبتمبر 2021
20 سبتمبر 2021

اعتادت فرنسا، وكثير من دول القارة الأوروبية، في بداية كل موسم يعقب فصل الصيف، وعادة في شهر أكتوبر، ليتزامن بذلك مع العام الدراسي، اعتادت هذه الدول على أن تشرع في تنفيذ خطة أو برنامج ثقافي متكامل يطلق عليه "الدخول الثقافي" ترسم له طوال فترة الصيف سياسات ثقافية شاملة، ويتم خلاله عمل خريطة تستمر حتى فصل الصيف من العام الموالي، ويشمل بذلك ترويج الإصدارات من الكتب التي تبلغ أحيانًا أعدادًا كبيرةً، ولكن كل ذلك سيجد مكانه المناسب من القراءة والترويج. يتضمن كذلك جولات تقوم بها المدارس والجامعات والمعاهد الطلابية لأهم المكتبات العامة والخاصة. إلى جانب معارض للكتب تشمل كل مناحي الحياة حتى السجون. كل ذلك تقوم به وزارة الثقافة ضمن خطة مدروسة تعاضدها جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات في الدولة، وذلك لما في الأمر من أهمية وطنية ومردود لنشر القراءة بين الجميع. هذه القراءة هي التي حمت أوروبا وجعلتها منتجةً للفكر وقبلةً للعلوم والمعارف" سنكتشف أن جامعة أكسفورد وحدها تدعم الدولة بنحو ملياري دولار، وفي ذلك حديث آخر" فكل كتاب يقرأ معناه أن هناك مشكلة في طريقها للحل، حين نعلم أن من يقرأ كتابًا تزداد قدراته خطوة في مواجهة أي مشكلة وعقبة تعترض حياته. لذلك فإن الدخول الثقافي الأوروبي تجد له تجسدات حية في الواقع اليومي المعاش، تشترك في تفعيله جهات كثيرة من بينها دور النشر والقنوات الإذاعية والتلفزيونية والمواقع الإلكترونية، حيث تبث البرامج الثقافية على الوسائط المسموعة والمرئية وإدخال فقرات في القنوات الفضائية لمتابعة الإصدارات، والملاحق الأدبية، والمجلات العامة، والمواقع الإلكترونية، والمؤسسات الثقافية والإعلامية. وبذلك يتجول الكتاب في أكثر من مكان، ويخرج من طوق المكتبات إلى رحاب المتاجر الكبرى والمؤسسات الخدمية ومحطات القطار والمطارات.. كما يدشن في فرنسا في وقت الدخول الثقافي مناسبات الجوائز الأدبية وفتح أبواب الترشيح لجوائز الـ(غونكور)، و(رونودو)، و(ميديسيس)، والـ(فيمينا).. إلخ، كما أن هناك نشرا ورواجا على مستوى الكتب والدراسات النقدية التي تغطي مجالات التاريخ وعلم الاجتماع والفكر والسياسية والفلسفة.

ولكن في عالمنا العربي نرى عقمًا في هذا السياق، وإن تم فأنه بصورة مبتسرة عشوائية ومزاجية، حيث إننا ننتظر دائمًا معارض الكتب من أجل الترويج للإصدارات المحلية وفي جميع المستويات. ربما ثمة استثناء ولكنه يظل دون الطموح، وهو ما تقوم به وزارة الثقافة المغربية من عمل دخول ثقافي سنوي في شهر أكتوبر يتضمن طباعة وترويج الكتب، تكتمل ذروته في معرض الدار البيضاء للكتاب الذي يقام سنويًا، وهو بدوره يتضمن عددًا من المحاضرات ضمن برنامج متعدد، حيث يوزع كتيب في بداية المعرض، به جميع الفعاليات وأوقاتها. هناك كذلك حملات تقوم بها الجهات التعليمية في كل ولاية لزيارة المكتبات المتاحة فيها. ولكن يظل هذا الطموح بسيطًا ومحدودًا قياسًا بما نراه في الدول الأوروبية التي لا يشهد فيها الكتاب كسادًا، وذلك بسبب الخطة السنوية الجادة لترويجه وتشجيع القراءة للجميع، فرغم وسائط الاتصال الحديثة ومنافستها للكتاب، فإن الكتاب يشهد رواجًا واسعًا، وذلك لأنه يستفيد من وسائط الاتصال هذه في الترويج. وهذا ما عبر عنه الروائي اللاتيني ماريو باغاس يوسا الذي نشر مؤخرًا روايته الأخيرة بالإسبانية وهو في عمر 85 عامًا، وقد تحدث أن رواياتها مازالت تشهد رواجًا كبيرًا، ونتيجة لوسائل التواصل الاجتماعي فإن الجمهور ينتظر جديده دائمًا بشغف كبير، لذلك أصبح الآن يعمل سبعة أيام في الأسبوع بعد أن كان يعمل ستة أيام فقط، ويستريح يومًا كاملًا.

الخطة الثقافية السنوية، أو الدخول الثقافي، كما يسميه الفرنسيون، ليس ترفا إنما رافعة أساسية للتنمية، ويدخل في ما يسمى بالصناعة الإبداعية وترويج وتسويق الأفكار والقيم والمنتوج القيمي لكل بلد وحضارة، ناهيك عن دوره النفسي والمعنوي في توجيه الفراغ وملئه بما يفيد وينتج ويحفز، إلى جانب تفاعلات لا حدود لها تنتج عن ترويج الكتاب.