للقهوة مفاهيم أخرى

18 سبتمبر 2021
18 سبتمبر 2021

عمر العبري -

تذهب الروايات إلى أن شخصًا يدعى «خالدي» كان يرعى ماعزه في منطقة «كافا» بجنوب إثيوبيا، لاحظ أن حيواناته تنتابها حالة من الحيوية عندما تأكل ثمرة من نبات معين، مما دفعه إلى غلي حبات من هذه الثمرة في الماء وشُربها ليكون بذلك أول من صنع فنجان قهوة، ثم جلبها الصوفيون بعد ذلك إلى اليمن ومع مرور الوقت انتشر اقتناؤها في أنحاء مختلفة من العالم، عبر افتتاح متاجر مخصصة لبيعها بداية من فيتنام في عام ١٦٤٥م، ثم فينيسيا وإيطاليا التي افتتح أول متجر لبيع القهوة فيها عام ١٦٦٠م. وفي عام ١٦٦٩م دخلت القهوة إلى فرنسا بواسطة سليمان أغا الذي قدمها هدية للملك لويس التاسع عام ١٦٨٦م، بعدها انتقلت إلى أمريكا الشمالية.

وقد اقترنت القهوة بحيوات العديد من الموسيقيين والكتاب والأدباء والشعراء والرسامين وحفز وجودها كمشروب الإنتاج الفكري حيث ألّفت حولها الكثير من الكتب والأشعار، كما أدت القهوة إلى إحداث تحول ثقافي تمثل في ظهور «بيوت القهوة» وما عُرف بعد ذلك بـ«المقاهي» لتتأسس على إثرها عادات وقيم مجتمعية ارتبطت بطريقة إعدادها وتناولها كونها أمّست عنصرًا من عناصر الثقافة وعنوانًا للضيافة كما هو في كل بيت عربي ومن بينها البيت العُماني بطبيعة الحال.

الغريب أن شرب القهوة أحدث جدلًا واسعًا بين الفقهاء بين مُحلِلٍ ومحرّم لشربها منذ أن أصبحت معروفة في حوالي القرن الخامس عشر الميلادي لدى الصوفيين في اليمن

وكان لفقهاء عُمان نصيبٌ من ذلك الجدل وهو ما تم رصده في رسائل وفتاوى بعض كبار العلماء كالشيخ درويش بن جمعة المحروقي والشيخ الفقيه سعيد بن بشير الصبحي والشيخ الرئيس جاعد بن خميس الخروصي.

والعمانيون بحكم قرب بلادهم من اليمن نجحوا في أن يكونوا حلقة وصل بين مناطق إنتاج القهوة في هذه البلاد ومناطق الاستيراد في العراق وبلاد الشام والدولة العثمانية عبر تصديرها إلى أوروبا وكان لهم دورٌ مهمٌ في ذلك عبر أسطول البُن العُماني الذي عُرف تاريخيًا بمسمى «مراكب القهوة».

والمُلفت أثناء الحديث عن القهوة وحضورها في حياة العُماني أن الرجال كانوا هم من يقومون بتحضير القهوة في بعض الأماكن خاصة تلك التي تقدم للضيوف أو في مناسبات العزاء أو التي يتناولها الجيران خلال تجمعاتهم اليومية لدرجة أن مُعد القهوة وصانعها بات يُعرف بالاسم من خلال نكهة القهوة المقدمة ولونها وكثافتها، فقد تخصص أشخاص بعينهم في القُرى عرفوا باهتمامهم بقلي وإعداد وتحضير القهوة «السيلانية» و«البرازيلية» المتوفرة آنذاك فيقال: «هذه قهوة فلان» و«هذه قلية فلان».

وارتبطت القهوة بالثقافة والأدب منذ فترة بعيدة فظهرت المقاهي الأدبية التي ذاع صيتها في عدد من الأقطار العربية وأهمها مقهى «الفيشاوي» الذي كان يرتاده مفكرون كبار كنجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ويوسف إدريس ومن الشعراء كامل الشناوي والكاتب الكبير عباس محمود العقاد إضافة إلى الممثل نجيب الريحاني والفنان عبد الحليم حافظ.

ومن هذه المقاهي مقهى «الزهاوي» الذي يقع في شارع الرشيد بقلب العاصمة العراقية بغداد ويسمى باسم الشاعر العراقي المعروف جميل صدقي الزهاوي الذي يذكر أنه استقبل فيه خلال الثلاثينيات من القرن الماضي الشاعر والفيلسوف الهندي «طاغور» وكذلك مقهى «الهافانا» الذي افتتح عام 1945 في العاصمة السورية دمشق وارتاده أدباء وشعراء وفنانون وسياسيون كبار أبرزهم محمد الماغوط ونزار قباني وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ومحمد مهدي الجواهري وغيرهم.

لقد عُرف للقهوة حضورها المميز في صباحات المدن وكذلك هي في صباحات شتاء مسقط الاستثنائي حيث تمتلئ المقاهي خاصة التي تجاور البحر بالرياضيين وهواة المشي صباحًا والذاهبين إلى وجهاتهم بعشاقها ممن اعتادوا أن يكون المقهى أول محطات نهارهم وأن يفتتحوا يومهم بالقهوة التي باتت لها طقوسها الخاصة.

إن لحضور القهوة في حياة الناس على مر الزمن مفاهيم متعددة، إنها ليست صورا تُلتقط لأكواب بـ«براندات» عالمية إلى جانبها كتاب أو قطعة من الشوكولاتة تُنشر على منصات التواصل الاجتماعي، بل هي أكبر من ذلك بكثير.