دار الجديد: البياض في مواجهة التطرف

28 أبريل 2021
28 أبريل 2021

خيرًا فعلت لجنة التحكيم لجائزة الشيخ زايد للكتاب بمنح «دار الجديد» جائزة فرع النشر والتقنيات الثقافية. فضلا عن الإنجازات الفكرية والجمالية المستحقة لهذه الدار، جاءت الجائزة كبادرة إنسانية مهمة - لدار نشر نوعية- تعيش وضعًا معقدًا، بعد رحيل مؤسسها لقمان سليم.

وهذه المبادرة إلى جانب بعدها الإنساني النبيل، هي اعتراف بدورها التنويري وتعزيز لأمل عودتها إلى بريقها الأول الذي عرفناه عنها يوم تأسيسها في بداية التسعينيات، حين كانت تنشر -وتعيد نشر- كتبًا تمتلك راهنيتها وتحتاجها كل مرحلة لنفض غبار العقل (إن صح التعبير) إلى جانب تكريس جماليات الأدب- كما حدث مثلا مع نشر أعمال الشاعر أنسي الحاج- بالإضافة إلى ما استنته من مد يد عون النشر لإبداعات شابة من مختلف بلدان العالم العربي، هذه المبادرات رغم أنها خفتت للأسف بسبب ما تعرضت له دار الجديد من ظروف، ولكن الأمل بعودتها سينبض بريقه بعد هذا التقدير المهم لدار نشر أثبتت رقيها في التعامل وفي وضوح أهدافها التنويرية والجمالية.

في اعتقادي أن إعطاء جائزة الشيخ زايد لدار الجديد حقق مجموعة مهمة من النقاط يصعب حصرها في مقال. ولكن من أهمها منح الاعتبار لمؤسسها الراحل لقمان سليم الذي لم يستحدث دار النشر إلا لأغراض فكرية وثقافية ذات أفق تقدمي، وهذا يمكن تلمسه بسهولة سواء من خلال التعامل المتميز والشفاف مع المؤلفين، أو من خلال نوعية الكتب التي حرصت دار الجديد على طباعتها وترويجها منذ نشأتها. كما أن صاحب الدار مساهم فعال في دقة اختيار الكتب وتدقيقها إلى جانب مساهمته في اختيار ترجمات من إنجازه. فلقمان سليم هو كذلك مفكر ومترجم عن الألمانية والفرنسية إلى جانب إجادته الإنجليزية. كما أنه مثقف من طراز خاص ولغوي، له مواقف مع فكر وحداثة اللغة العربية. إلى جانب اهتمامه حد الشغف بالعربية إلى درجة الإبداع. وحتى بالمعنى المباشر( أي المعنى الشكلي للغة) لا يستنكف لقمان من المساعدة في مراجعة أي كتاب يفد إلى الدار ،كدلالة على حرصه الخاص وحرصه- كذلك- على أن يستهلك القارئ العربي مادة مكتوبة بدون أخطاء، وفي ذلك احترام ليس للكاتب فحسب، إنما أيضا لذلك القارئ المجهول. فحين يرسل إليه أحد الكتاب مؤلفًا فإنه يحمل بنفسه القلم ويشكله، لأنه يحب أن يلامس اللغة ويعيش معها. وبذلك يمكن أن تكون دار الجديد مدرسة حقيقية في النشر، من المفيد أن تشيع وتنتشر (كطريقة) في عالم طباعة الكتب.ولقمان سليم - رحمه الله- إلى جانب ابتكاره لدار نشر بهذار المستوى، هو أيضا مترجم متميز من الفرنسية والألمانية، ونقل إلينا جملة من الكتب، مثل بعض روائع إيميل سيوران وباول تسيلان. وحين أقام في باريس درس الفلسفة في جامعة السربون وتفاعل مع مختلف التيارات والأفكار الثقافية المستنيرة.

وبالعودة إلى دار الجديد، فقد تابع لقمان وأخته رشا سليم إصدارات الدار، وكثيرا ما زارا في التسعينات معرض مسقط للكتاب، يتلمس من يجالسهما أنه بإزاء ثنائي جميل يتسم بثقافة عميقة ورؤية واضحة. وكانت البداية قوية لدار الجديد حين ركزت على إعادة طباعة بعض الأعمال المهمة في الثقافة العربية، مثل كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين. وكتب الفقيه المستنير الشيخ عبدالله العلايلي، التي حظيت بشغف من القارئ العربي، من أهمها : «المعري ذلك المجهول- رحلة في فكره وعالمه النفسي» و«مثلهن الأعلى السيدة خديجة» وكتاب «أين الخطأ- تصحيح مفاهيم» وكتاب «تاريخ الحسين نقد وتحليل» وغيرها.

ويمكن الختام بذكر إشارة دالة تتميز بها هذه الدار، وهي أنه يغلب على أغلفتها اللون الأبيض، الذي من أهم مدلولاته السلام و الصفاء والمحبة، وبهذا اللون صدرت دواوين أنسي الحاج، ورواية «أيام زائدة» للروائي اللبناني المتميز حسين داوود، و غيرها. وفيما يرتبط بالثقافة العمانية أتذكر ديوان « رجل من الربع الخالي «لسيف الرحبي، وديوان «ليلميات» لعبدالله حبيب، وديوان «سيجارة فوق سطح البيت» لإسحاق الهلالي.

هنيئا لدار البياض بهذه الجائزة وبكل الحب.