حكاية المواطن متعب مع بنك الإسكان

02 مايو 2021
02 مايو 2021

قضى متعب القريني ردحًا من عُمره لا حُلم له إلا أن يجد سقفًا يؤويه وأبناءه الأربعة الذين رحلتْ أمهم منذ عدة سنوات، وتركتْ له مهمة تربيتهم وتعليمهم والسهر على راحتهم. كان مضطرًا للسُكنى وأبنائه (ولدان وبنتان) في بيت أبيه الذي كان بمثابة الملجأ والملاذ بانتظار موافقة بنك الإسكان العُماني على قرضٍ سيُمكّنه من بناء بيت صغير على أرض صغيرة في ولايته حصل عليها بعد طول انتظار. في عز محاولات متعب المستميتة لرفد راتبه التقاعدي الضئيل بمصدر دخل آخر ولو قليل من خلال ما يسميه «الأعمال الحرّة»؛ حلّ على غفلة ضيفٌ ثقيل غير منتَظَر ولا متوقَّع اسمه «كورونا»، لم يكتفِ هذا الوباء بتعطيل رزق متعب الضئيل أصلًا، بل خطف أيضًا والده من أمام عينيه وهو ينظر بلا حول ولا قوة. يمكن القول بلا مبالغة: إنه أتى على أخضر حياته ويابسها. هو الآن يواصل السكن في ذلك البيت الصغير مع أمه وأبنائه الأربعة، وأربع أنفس أخرى. ولأن البيت أضيق من أن يتسع لكل هؤلاء فقد كان متعب يضطر أحيانا لإرسال بعض أبنائه للسكن فترات مؤقتة في بيوت عماتهم.

يحاول متعب التحلّي بالصبر الذي لم يعد له من عُملة سواه، متسلّحًا بالإيمان والحكمة، والحُلم بأن يكون له بيتٌ مستقل. يتذكر بحزن كلام موظف بنك الإسكان العماني الذي فتح له السنة الماضية (2020) ملفًّا بعد أن انتهى من دفع مبلغ التأمين (والله وحده يعلم كيف دبر ذلك المبلغ): «عليك الآن انتظار دورك». وحين سأل متعب: ومتى سيحين دوري؟ كانت الإجابة: «أربع سنوات على الأقل، وربما أكثر قليلا».

إنها مدة طويلة على كهل متقاعد تقدم به العمر وهو يرى أبناءه يكبرون أمام عينيه ويحلمون بالاستقرار تحت سقف واحد فلا يجدون. فكّر لوهلة أن يحوّل وجهته إلى بنك تجاري، ولكن حتى هذا الحلّ - إن كان حلًّا- لا يقوى عليه، لأن راتبه التقاعدي لا يتجاوز 445 ريالًا، وهو ما يؤهله لقرض بسيط لا يكفي حتى للبيت الصغير الذي يحلم أن يجمع فيه شتات أبنائه.

ظل هذا الراتب هو نفسه منذ تقاعد متعب من الجيش السلطاني العماني سنة 2013. لم يزد فيه ريال واحد رغم كل ما مر بالبلاد خلال هذه السنوات الثماني العجاف من حوادث وأحداث عصفت باقتصادها ومعيشة أبنائها، وتسببت في غلاء كل شيء تقريبا من قنينة الحليب إلى لتر الوقود، إضافة إلى الضرائب العديدة التي يتفنن واضعوها في اختيار مسمياتها من «انتقائية» إلى «أمان وظيفي» إلى «قيمة مضافة»، دون أن يراعوا تأثيرها السلبي على معيشة ذوي الدخل المحدود كمتعب وأمثاله.

يدرك متعب أن الأمل هو الأمر الوحيد المتبقي لأمثاله، لذا، فهو ما زال متشبثًا بتلابييه. وسّط عُضوَ مجلس الشورى في ولايته الذي كتب مشكورًا رسالة لرئيس مجلس إدارة بنك الإسكان العُماني، يستعطفه، ويشرح له ظروف متعب، ويطلب منه استثناءه من الدور، فَروح القانون أولى هنا بالتطبيق من بنوده الصارمة التي لا تُفرّق بين مَنْ هو محتاج وبين من هو أكثر احتياجا، لكن الرئيس لم يستجب للطلب حتى لحظة كتابة هذه السطور، ولا أدري إنْ كان مواطنٌ بظروف متعب التي شرحتُها أعلاه لا يستحق هذا الاستثناء فمن يستحقه يا تُرى؟!!، ولنلاحظ أنه مجرد قرض سيعيده متعب مرغمًا من راتبه الضئيل، وليس منحة لبناء بيت على نفقة الحكومة مثلا، رغم أن ظروفه تؤهله لذلك وأكثر.

إذا كنتُ قد سردتُ هنا حكاية متعب فلأنني عرفت تفاصيلها، وخبرتُ معاناته الطويلة، ولكني أدرك في الوقت نفسه أني لا أتحدث عن حالة فردية. فكم من «متعب» في بلادنا طحنته الحياة اليومية بطواحينها التي لا ترحم. وكم مثله ممن ينتظر دورًا في قرض أو علاج أو مِنحة تسد رمق أولاده وترحمه من ذل العوز والانتظار.

لك الله يا متعب. لكم الله يا كل «المتعبين»!.