ازدهار بناء المساكن في بريطانيا .. الوعد الكاذب - الفاينانشال تايمز - جوناثان إيلي - ترجمة: قاسم مكي - صارت تكلفةُ المساكن ووفرتُها قضيةً سياسية مؤثرة في المملكة المتحدة. فالشباب خصوصا لا يملكون القدرة على ارتياد سوق العقار السكني بسبب ارتفاع الأسعار. وفي الأثناء ينتفع آباؤهم وأجدادهم من الزيادات التي شهدتها قيمة منازلهم بما يفوق معدل التضخم على مدى عشرات السنين. ويواجه حزبُ المحافظين الحاكم (وهو تقليديا حزب ملاك المساكن) انصرافَ ناخبي الألفية (الشبابِ) عنه بعدما أحبطتهم التكاليف المتصاعدة للمسكن. أما الردُّ الرسمي على هذا الوضع حتى الآن فهو تقديمُ الدعم للمستأجرين والمشترين وحَثُّ صناعةِ البناء على تشييد المزيد من المنازل. المزيد من المنازل لا يعني خفضا للأسعار لقد تعرض وزير الخزانة البريطاني فيليب هاموند إلى ضغوط للإعلان عن تخصيص المزيد من الأموال للإسكان في الموازنة الحكومية التي قدمها يوم الأربعاء 22 نوفمبر. رغما عن ذلك، من المستبعد أن يؤدي بناء المزيد من المساكن إلى أي خفض له معنى في مستوى الأسعار خصوصا في الأجل القصير. أحد أسباب ذلك، بصرف النظر عن أية اختلالات أخرى في سوق العقار على مستوى المملكة المتحدة على الأقل، عدم وجود نقص في المساكن أصلا. إن القول بهذا يعني تحديا لفكرة سائدة ومُجمَع عليها تقريبا فحواها أن ارتفاع أسعار المساكن البريطانية يعود إلى فشل بريطانيا لأعوام عديدة في بناء منازل كافية. لقد هبط معدل تشييد المساكن الجديدة بأكثر من الثلث في أعقاب الأزمة المالية العالمية (2008). بل كانت المعدلات السابقة لتلك الأزمة أقل كثيرا من معدلات البناء في أعوام الستينات أو الثلاثينات السعيدة في القرن الماضي. وهي معدلات كانت أعلى سواء بصورة مطلقة أو قياسا بحجم السكان. المساكن الاجتماعية ونظام التخطيط وفيما يعزو أهل اليسار هذا الوضع إلى الهبوط الحاد في بناء المساكن الاجتماعية منذ أعوام الثمانينات، يتهم أنصار اليمين نظام تخطيط الأراضي بعرقلة أداء السوق الحرة. ويتفق كلا الطرفين بشكل عام على أن الحل يتمثل في بناء المزيد من المساكن. في عام 2015 ، اعتمد الوزراء هدف بناء مليون مسكن جديد بحلول عام 2020. وفي نوفمبر التزم الوزير هاموند بتشييد 300 ألف مسكن في العام على الرغم من أنه لم يحدد إطارا زمنيا (لعملية البناء هذه). يعكس هذا الرقم أصداء الوعد الذي سبق أن قطعه هارولد ماكميلان رئيس الوزراء في حكومة المحافظين في الفترة 1951-1955 والذي يحتفي بإنجازاته من ينادون في الحزب الحاكم بالتحلي بالمزيد من الطموح فيما يخص الإسكان. لقد جاءت حكومة عام 1951 إلى السلطة بوعد «وضع الإسكان في المرتبة الثانية من سلم الأولويات بعد الدفاع الوطني مباشرة». وتولت تلك الحكومة قيادة ازدهار البناء في حقبة اتسمت بحالة من التقشف شملت حتى تقنين حصص الغذاء. وترتكز تكهنات عديدة حول سوق العقار السكني على البيانات الحكومية عن المنشآت الجديدة. لكن الشيء الأثر أهمية هو صافي التغيير في إجمالي المعروض بسوق الإسكان والذي يشمل العقارات المحولة من استخدامات أخرى إلى الاستخدام السكني ناقصا العقارات السكنية التي جرى هدمها. لقد كانت الفجوة بين هذين النوعين من العقارات كبيرة في عصر ماكميلان وكذلك في أعوام الستينات عندما كان تشييد المساكن في ذروته. ولكن أيضا كانت الآلاف من المساكن التي تقرر عدم صلاحيتها تهدم أيضا في سياق إزالة الأحياء الفقيرة. ولا تزال هذه الفجوة واسعة اليوم إنما فقط في الاتجاه المعاكس. فخلال العام المنتهي في 31 مارس الماضي، تم تشييد 183570 منزلا في إنجلترا. لكن تحويل أغراض العقارات وتغيير استخداماتها رفعا صافي إجمالي المعروض من الوحدات السكنية إلى 217350 مسكنا. ويمكن أن يكون كل هذا بدون أهمية إذا ظل العرض متخلفا بانتظام وراء الطلب. ويبدو أنه كذلك من أول وهلة. ففي الأعوام الأخيرة كان صافي الإمدادات الجديدة من المساكن أقل من عدد الوحدات السكنية التي ترى الحكومة أنها ستكون مطلوبة سنويا في الفترة من 2104 الى 2039 في إنجلترا والتي قدرتها بحوالي 210 آلاف وحدة. لكن التوقعات في الأجل الطويل فيما يخص تكوين العائلات الجديدة تستلزم افتراضات أكبر حول جوانب مثل طول العمر والخصوبة وحجم العائلة والهجرة. وهي افتراضات عُرضة لهوامش كبيرة من الخطأ. ففي عام 2008 قدَّرت الحكومة أنه ستكون هنالك حاجة لحوالي 280 ألف مسكن في المملكة المتحدة سنويا حتى عام 2016. ثم تقلَّص ذلك الرقم في عام 2012 بعد الأزمة المالية العالمية إلى 231 ألف وحدة سكنية في العام. ليست الأرقام فقط هي الهدف غير الثابت (يلزم الإحصائيين الآن وضع حساب لأثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الهجرة، على سبيل المثال) ولكنها أيضا بعيدة عن الواقع. لقد أشارت التوقعات في عام 2012 إلى وجود 27.7 مليون عائلة بحلول عام 2016 . ( العائلة لأغراض التحليل الاقتصادي وحدة اجتماعية من أشخاص يعيشون تحت سقف واحد وغالبا ما يكون هؤلاء الأشخاص أفراد أسرة واحدة - المترجم). وحسب أرقام المكتب الوطني للإحصاء يوجد الآن 27.2 مليون عائلة أو حوالي 500 ألف عائلة أقل من المتوقع. أما بالنسبة للمنازل فقد كان عددها 28 مليون وحدة سكنية في عام 2014 . وهو آخر عام تتوافر فيه أرقام إحصائية على مستوى المملكة المتحدة. منازل أكثر عددا من العائلات وحتى إذا وضعنا حسابا للمنزل الثاني للعائلة الواحدة (حوالي 200 ألف في إنجلترا انخفاضا من 300 ألف منزل ثان قبل عشر سنوات) بالإضافة إلى المساكن الشاغرة مؤقتا فمن الواضح ان أعداد المساكن المتوافرة أكثر من عدد العائلات. وربما أن السبب في ذلك يعود إلى وجود فائض في العقار السكني في بعض المناطق مثل المدن الصناعية القديمة. لكن حتى منطقتي لندن والجنوب الشرقي حسبما يقول ايان مولهيرن، مدير الاستشارات بأكسفورد إيكونوميكس، أضافتا منازل جديدة يزيد عددها عن عدد الوحدات العائلية في الفترة من 2001 إلى 2015. أحد التفسيرات الممكنة لهذا التناقض أن الأسعار المرتفعة قلصت من وتيرة الزيادة في عدد العائلات. فلا يمكن تكوين المزيد من العائلات لأن من بلغت أعمارهم 30 عاما ما زالوا يعيشون في غرف النوم الشاغرة بمنازل والديهم. ويأوي حوالي ربع (25%) من تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 30 عاما إلى منازل الأبوين. وكانت تلك النسبة حوالي 20% في عام 1996 حين كانت أسعار المنازل أقل كثيرا قياسا إلى حجم الدخول. لكن المزيد من الشباب الآن يستأجرون مساكن. فقد وجدت دراسة أجراها مركز الأبحاث «ريزوليوشن فاونديشن» في سبتمبر أن اثنين من بين كل خمسة من أبناء جيل الألفية (الذين ولدوا بين 1981 و2000) يقيمون في مساكن خاصة مستأجرة عند بلوغهم سن الثلاثين. أما بالنسبة لأولئك الذين ينحدرون من جيل حقبة ازدهار المواليد (من ولدوا بعد الحرب بين 1946 و1965) فقد كان واحد من بين كل 10 منهم يقيم في مسكن مستأجر في سن الثلاثين. إن الوحدات العائلية المستأجرة تظل وحدات عائلية. لكن الذين يستأجرون جماعيا (وبالتالي يشكلون وحدة عائلية) ربما كانوا يفضلون شراء مساكنهم كلا منهم على حِدة. لقد وجد مركز «رزوليوشن فاونديشن» أن المستأجرين يقيمون في المتوسط في مناطق أبعد من مكان عملهم مقارنة بالماضي. تباينات في توافر السكن بين المناطق وتحذر أيضا جولي روج، زميلة الأبحاث بمركز سياسات الإسكان بجامعة يوركـ، من أن البيانات الوطنية حول الإيجارات تخفي تباينات واسعة بين المناطق. فهي تقول: «هنالك أجزاء من بريطانيا يوجد فيها فائض في عرض المساكن. (وهي مناطق) قد تَقِلُّ فيها إيجارات المساكن الخاصة عن مستوى إيجارات منازل الإسكان الاجتماعي». رغما عن ذلك ارتفعت الإيجازات في مجموعها بوتيرة أشد بطئا من الارتفاع في إجمالي أسعار المنازل. وفرة السيولة وتحول العقار السكني إلى أصل مالي وهذا ما يوحي بأن الأسعار المرتفعة تتعلق بشيء آخر وليس مجرد العرض والطلب في سوق العقار السكني. بالنسبة لتوبي لويد، مدير السياسة الإسكانية بجمعية الإسكان الخيرية شيلتر(المأوى)، فإن ذلك الشىء هو في الواقع شيئان هما «الأرض والمال». إذ ليس الائتمان الرخيص الذي أعقب الأزمة المالية العالمية فقط هو ما رفع أسعار العقار في المدن حول العالم ولكن فعلت ذلك سلسلة كاملة من السياسات على مدى عدة عقود. ففي عصر (رئيس الوزراء) ماكميلان كان يقتصر تقديم قروض الرهن العقاري على جمعيات البناء فقط. وهي تفعل ذلك وفق شروطٍ محافظة. لقد أدى تحرير الائتمان والتخفيضات الضريبية إلى «ازدهار باربر» في أوائل السبعينات حين ارتفعت الأجور والأسعار بشدة بما في ذلك أسعار المنازل. (باربر هو آنتوني باربر وزير الخزانة البريطاني وقتها والذي أبلغ البرلمان في 1972 أن موازنته ستضيف 10% إلى نمو اقتصاد المملكة المتحدة خلال عامين). وأدت إجراءات الائتمان الأقل تشددا في بداية الثمانينات إلى المزيد من التوسع في الإقراض. كما ساهم «توريق « الرهونات في المزيد من تيسير النمو. وكذلك فعلت إصلاحات بازل 2 التي قلصت من أوزان المخاطر المطبقة على العقار. لقد جعل ذلك الإقراض المضمون بالرهن أقل كثافة رأسمالية بالنسبة للبنوك. وحدث شيء مماثل في البلدان الأوروبية الأخرى خصوصا إسبانيا وإيرلندا. يقول كيران مكوين، الأستاذ الباحث بمعهد الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية في دبلن: «بعد حوالي العام 2003 ارتبط الازدهار أكثر بأسعار الفائدة والمال». ودشنت بنوك خارجية كثيرة أنشطة في إيرلندا. وصار المزيد من عمليات الشراء يتعلق بالاستثمار والتقاعد. بل حتى قروض العمل التجاري اتجهت للارتباط على نحو مطرد بالعقار» وفي عام ذروة بناء المساكن (عام 2006) شيدت إيرلندا التي يبلغ تعداد سكانها 4 ملايين نسمة ما يزيد عن 90 ألف مسكن. رغما عن ذلك ارتفعت الأسعار بنسبة 11% في ذلك العام. لقد كان التوسع في الائتمان جزءا واحدا فقط مما يدعوه المحلل في سوق العقار، نيل هدسون «تحويل العقار السكني إلى أصل مالي». في عام 1963 تم إلغاء «الجدول أ» أو ضريبة الدخل الشخصي التي تفرض سنويا على الإيجار المفترض للمنزل المملوك. ( يُقصَد به الإيجار الذي سيكون صاحب المنزل على استعداد لدفعه في حال استئجاره لمنزله الذي يملكه - المترجم). وتم إعفاء أرباح العقار السكني من ضريبة المكاسب الرأسمالية الجديدة. وفي عام 1969 جاء نظام «ميراس». وهو إعفاء ضريبي على فائدة القرض الرهني ظل قائما حتى عام 2000. لقد قادت المبيعات الإسكانية للمجالس في أعوام الثمانينات إلى ظهور سوق الإيجارات الذي سَرَّعَ من تطويره إصلاحُ نظامِ الاستئجار لمدة محددة (يوافق بموجبه المستأجر على استئجار العقار لفترة مقررة يحق لصاحب العقار استرداده بعدها- المترجم) واستحداثُ قروضِ شراء العقار السكني بغرض إيجاره وليس للسكن في أعوام التسعينات. لقد جاءت هذه التحولات بميزاتها الخاصة. فالمُلاَّك يسددون الفائدة فقط وليس مبلغ القرض الأساسي. وحتى هذا العام كان في المقدور تغطية تكاليف الفائدة كلها بواسطة الأرباح. ومؤخرا جدا استحدث مشروع قرض الأصل العقاري «المساعدة على الشراء» وزيادة الامتيازات للعقار في ضريبة الإرث. يترتب عن مثل هذه المعاملة التفضيلية للعقار في الأنظمة القانونية والضريبية وسهولة الحصول على الائتمان الرخيص والدعم الحكومي أكثر من مجرد تغذية الانتعاش المتطاول الأمد في أسعار المنازل. فهذه العوامل أوجدت آثارا سلوكية لا يمكن لأي نموذج قياس اقتصادي لأسعار المنازل استيعابها. يقول جريج ديفيز، وهو خبير في الاقتصاد السلوكي: « يحب الناس المنازل كاستثمار لأنها شيء محسوس. هُم يشعرون أنهم يفهمونها أكثر من فهمهم لصناديق الاستثمار أو الأسهم أو السندات. فالناس يفترضون أن العقار آمن لأنه مألوف لديهم». كما قد يشعرون بأن واضعي السياسات يساندون سوق العقار. فالحكومة تنفق 24 بليون جنيه استرليني سنويا على منافع الإسكان ومؤخرا خصصت 10 بلايين جنيه إضافي لمشروع قرض الأصل العقاري المعروف باسم مشروع «المساعدة على الشراء». ويشير اندرو ليليكو، وهو اقتصادي يؤمن بعدم وجود أزمة سكنية في بريطانيا، إلى اجتماع رئيسي لبنك انجلترا في أغسطس حين «كان ضبط سوق العقار الإسكاني»، حسبما ورد في محضر الاجتماع، أحد العوامل التي حسمت التصويت بهامش ضئيل لصالح قرار خفض أسعار الفائدة إلى 4.5%. يقول ليليكو: « لقد اتخذنا قرارا لحماية أولئك الذين دفعوا أكثر مما يلزم للحصول على منازل وذلك على حساب من كانوا يريدون الشراء». مسؤولية نظام تخطيط الأراضي في الفترة من منتصف القرن التاسع عشر وحتى بداية سبعينات القرن العشرين تحرَّك سعر الأرض في توازٍ على نحو أو آخر مع أسعار المنازل، بحسب بول شيشير أستاذ الجغرافية الاقتصادية بمدرسة لندن للاقتصاد. بعد ذلك اتجهت أسعار الأرض إلى الارتفاع بمعدل يفوق الارتفاع في أسعار المنازل، مع قدر كبير من التقلب. وكان ذلك يعود جزئيا إلى ظروف الائتمان. ولكن أيضا إلى التغييرات التي حدثت في نظام التخطيط خصوصا قانون تعويض الأراضي في عام 1961. لقد أجبر ذلك السلطات المحلية على دفع سعر للأراضي يعكس استخدامها المستقبلي بدلا عن قيمتها الحالية وقلص تدريجيا من تدخل السلطات المحلية كطرف في بناء مساكن جديدة. إن الارتفاع الحاد في قيمة الأرض في أثناء انتقالها عبر مراحل عملية التخطيط محرِّك رئيسي للأرباح بالنسبة لملاك الأراضي ومشيدي المنازل الذين يملكون الخبرة القانونية والموارد المالية للصبر على إجراءات هذه العملية التي غالبا ما تستغرق وقتا طويلا. ولكن حقيقة أن الأرض التي يوجد لها إذن بناء باهظة الثمن بحيث يصل سعرها إلى نصف سعر البيع النهائي للعقار السكني في بعض المناطق سبب رئيسي وراء صغر حجم المنازل البريطانية وبؤس نوعيتها وغلاء ثمنها. قليلون أولئك الذين يعترضون على صواب فكرة تشييد المنازل حتى إذا كانت البيانات الإجمالية تشير إلى عدم وجود شح حاد في عددها . يقول لويد: « كل المشاكل الأخرى تصبح أسهل إذا كان هنالك المزيد من المساكن في الأساس». لكن لا يتوقع سوى أناس قليلون أن يخفض بناء المزيد من المساكن للشراء الأسعار قبل مرور فترة طويلة (بعد ما يزيد عن خمسة أعوام). المشكلة بالنسبة لوزير الخزانة هاموند هي أن الخيارات الأخرى إما غير مؤثرة أو صعبة سياسيا. فلن يغلق أي سياسي «مضخة» الائتمان. كما تغضب الناخبين مصادرةُ الأرباح العقارية غير المكتسبة من ملاك المنازل القدامى ( الذين في جملتهم يشغلون ما يملكون من عقار سكني بأقل من سعته المفترضة). كذلك ينطوي إصلاح نظام تخطيط الأراضي لخفض تكلفة تطويرها بشكل دائم على المخاطرة بإثارة حفيظة الناخبين في المقاطعات المزدهرة التي تحيط بلندن. وتبدو التدخلات من شاكلة فرض ضرائب على الأجانب الذين يشترون عقارات في المملكة المتحدة مفيدة سياسيا لكن أثرها ضئيل. ما يجدر ذكره أن نفس هذا النمط (من التدخلات) موجود في غير بريطانيا. فالمستثمرون الأجانب الذين يشترون عقارات في هونج وسنغافورة وفانكوفر وبعض المدن الأسترالية يدفعون رسوما إضافية تصل إلى 15 %. لكن مثل هذه الإتاوات المؤلمة لم تفعل الكثير لاجتثاث الرغبة في الحصول على العقار في هذه المدن. وربما أن الطريقة الأكثر وعدا لخفض تكاليف العقار السكني ( إن لم يكن لأسعار المساكن) تتمثل في زيادة المعروض من المساكن لأغراض الإيجار. سوقان مختلفان للعقار السكني يقول مولهيرن: « يتلخص الجدل كله في اختلاف سوق أصول الإسكان عن سوق خدمات الإسكان. فأسعار المساكن لا تقرر قيمة الإيجارات. أصحاب العقارات هم الذين يفرضون ما يمكن أن تتحمله سوقُ المستأجرين». ولكن حتى هنا تفتقر الحكومة الحالية إلى براجماتية الحكومات السابقة. لقد شجع هارولد ماكميلان المطوِّرين العقاريين من القطاع الخاص ولكنه أيضا لم يفكر في حشد موارد الدولة لضمان الوفاء بهدفه في تشييد 300 ألف وحدة سكنية في العام. وفي بعض الأسواق المفتوحة في معظمها حول العالم مثل هونج كونج وسنغافورة تملك الدولة معظم الأراضي ويسكن ما يصل إلى نصف السكان في شقق مملوكة للدولة. لقد سعى البعض للدعوة إلى المزيد من التدخل الحكومي. ومؤخرا قال ساجد جاويد، وزير الدولة للمجتمعات والحكم المحلي بالمملكة المتحدة، انه سيغير الإجراءات بحيث يتم التعامل مع جمعيات الإسكان كشركات خاصة يمكنها الاقتراض بحرية أكبر. ولكن مثل هذا الإصلاح يفتقر إلى الجرأة مقارنة بالإصلاح الذي دعا له العديد من الأكاديميين ومراكز البحث وحتى الوزراء السابقون. لقد دعوا إلى التشريع لتغيير قواعد التخطيط من أجل خفض تكلفة الأراضي. ويبدو أن هاموند لم يتأثر بذلك. فتعليقاته حتى الآن تشير إلى أن الموازنة ستقدم المزيد من نفس الشيء . أي الاعتماد على المنافع ودعم قروض الرهن وإجراء تشذيبات لإجراءات التخطيط وزيادة وتيرة منشآت القطاع الخاص لتحسين مستوى توافر المساكن التي يتم تشييدها للشراء. ويبدو أن هذه المحاولة، مثلها مثل المحاولات السابقة، محكوم عليها بالفشل.