تسحرهم الروايات لكنهم لا يتجاوزون الفكر والفلسفة -
اسـتطلاع ـ شـذى البلوشـية -
يغري الكثيرين أن يعرفوا ماذا يقرأ الآخرون، في أي بحر من بحار الكتب يسبحون، ولمن من الأفكار ينصتون.
وإذا كانت القراءة مغرية فإن الحديث عنها أو الاستماع للقراء وهم يتحدثون عمّا قرأوا مغر أيضا، بل ربما شديد الإغراء. مغر أن نعرف توجهات القراءة أيضا بين الأدبي وبين السياسي وبين التاريخي أو الديني. من توجهات القراءة تستطيع أن تشكل مستوى من مستويات المعرفة بالآخرين. ومع نهاية عام 2017 نحاول أن نستقصي ماذا قرأ هؤلاء؟ أين ذهبت توجهاتهم القرائية؟ إنهم قراء وكفى.. قراء وليسوا كتابا قد يكتبون عن أنفسهم، وليسوا ممن تطالهم أضواء الإعلام في الغالب ليتحدثوا عن أفكارهم وتوجهاتهم. ولنعرف كيف أن الرواية أكثر من غيرها تختطفهم قراءة واستمتاعا ومعايشة لأحداثها أكثر من أي نوع آخر من أنواع الكتابة حتى لو كان شعرا أو تاريخا.
تنمية الذات ..
في البدء كان حديثنا مع محمد المخمري الذي بدا واضحا أن كتب تنمية الذات هي المسيطرة على توجهاته القرائية في العام المنصرم.. يقول المخمري: «توجهي القرائي للعام ٢٠١٧ كان في جانب تنمية الذات واكتشاف مواطن القوة والضعف في الجانب الشخصي، ومن أمثلة الكتب التي تصدرت قراءتي: «اكتشف القائد الذي بداخلك»، و«كيف تتخلص من القلق وتبدأ الحياة» لديل كارنيجي، و«الراهب الذي باع سيارته الفيراري» لروبن شارما. لكن حتى المخمري الذي كان منهمكا في كتب تنمية الذات واكتشاف مواطن القوة والضعف في بناء الشخصية كانت الرواية إلى جواره، ولم يغب عنها طويلا، فبين الروايات التي قرأها خلال العام الماضي رواية «طوارق» للكاتب ألبرتو باثكث فيكيروا، ورواية «نطفة» لأدهم شرقاوي.
الرواية..
أما أميرة البلوشي فكانت قارئة روائية أكثر من أي شيء آخر، وهي التي بحثت طويلا عن رواية «قمر على سمرقند» للكاتب والصحفي المصري محمد المنسي قنديل، وهي رواية نالت الكثير من الشهرة والحضور بين أوساط القراء العرب، وأميرة التي قرأت قمر على سمرقند، قرأت أيضا «قواعد العشق الأربعون» لإليف شفق. وبنفس الحب تتحدث أميرة عن القراءة فتقول: «الروايات تستهويني، لاسيما تلك التي تكون لها صلة كبيرة بالواقع أو تلك التي تأخذك مع سردها ومضمونها وإن كانت خيالية ولكنها تملك القدرة على جذبك لتعيشها كواقع، وهذا طبعاً يعتمد على مخيلة الروائي وأسلوبه الشيق ومفرداته القوية».
السياسة..
لكن رغم كل ذلك فإن السياسة لا تغيب كثيرا عن القراء وهي الحاضرة في خضم المشهد العربي المتشظي الآن. ولذلك يذكر محمد الفارسي إن حصيلته القرائية للعام المنصرم تمثلت في مزيج من الجوانب المختلفة، فقد احتلت السياسة بأبوابها الواسعة شاغله واهتمامه في معظم اختياراته، ويذكر لنا بعض النماذج من الكتب التي طالعها في العام المنصرم مثل: «كتاب ملوك النفط (كيف قلبت الولايات المتحدة وإيران والسعودية موازين القوى ف الشرق الأوسط)، وكتاب ملف الثمانينات عن حرب المخابرات»، بالإضافة إلى تخلل الرواية بين هذا وذاك، مع تركيزه على السياسة في مضمون الروايات أيضا، حيث قرأ رواية «اليهودي والفتاة العربية» لعبد الوهاب آل مرعي، و «رواية فرانكشتاين في بغداد» لأحمد سعداوي، ورواية «لا سكاكين في مطبخ هذه المدينة» لخالد خليفة.
الفلسفة..
وحول الحصيلة القرائية لعام 2017 يقول القارئ مجاهد الحسني: «تحتل الكتب الفلسفية المرتبة الأولى في توجهي وشغفي القرائي، وتأتي بعدها الكتب الأدبية والشعرية، ومن نماذج الكتب التي قرأتها في 2017: «عزاءات الفلسفة، وحوار ساخن عن الإلحاد، وجماليات العقل الديني، ومصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام، وجنون الفلاسفة، وملحمة كلكامش، والخير والشر، وهذي هي الأغلال».
تنوع قرائي..
ويبدو أن عام 2017 كان مثريا للقارئ ضحي المنجي، فقد استطاع التنقل بين مجالات مختلفة في الكتب التي وقع عليها اختياره، حيث يقول المنجي: «كانت سنة مثرية بحق تجولت خلالها بين بساتين عدة من الكتب، وسافرت إلى بقاع شتى، وقابلت شخصيات كثيرة، ودخلت في عوالم مختلفة، وانهلت من علوم متنوعة، ففيها قرأت كتب متنوعة جلها لأدهم شرقاوي (كتاب مع النبي، ورواية نطفة، ورواية عندما التقيت عمر بن الخطاب)، كذلك رواية (موت صغير) للسعودي محمد حسن علوان.
وتحدث المنجي عن رواية موت صغير حيث قال: «الكتاب عبارة عن رواية سافرت معها بعيدا حيث رحلت في عوالم الصوفية وتجولت بين جنبات إشبيلية والأندلس والقاهرة وبغداد وزقاق مكة ودمشق وحلب، وامتزجت مع الرواية أيما امتزاج».
بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الكتب الأخرى التي كانت اختيار المنجي في 2017 منها: «كتاب الحزن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم»، وكتاب «الرسول صلى الله عليه في بيته»، وكتاب «الرحيق المختوم»، وكتاب «أشياء غريبة يقولها الزبائن في متجر الكتب»، وكتاب «لا تعش حياة غيرك» وغيرها.
كما تنوعت الكتب التي اختارها القارئ هلال الطيواني خلال العام المنصرم، حيث اتجه تارة لقراءة الرواية والكتب الأدبية، بالإضافة إلى حضور المؤلفات التاريخية، ويؤكد الطيواني على أهمية الرواية ضمن محصوله القرائي الدائم فيقول: «الروايات عادة ما تكون مشوقة، وبها الكثير من تجارب الحياة مما سبق أن عشناه ومما عاشه الآخرين تجارب قيمة».
كاتبي المفضل ..
وحول اختيار مؤلفات كاتب معين تشغل بال القارئ، وتجذب مؤلفاته تقول أميرة البلوشية: «نعم هناك كتاب كثر يحرضني قراءة كتاب واحد لهم للبحث بنهم عن باقي مؤلفاته، على سبيل المثال الكاتبة بثينة العيسى، حيث تملك القارئ بلغتها السلسة، وتنتقي الكلمات المؤثرة، كما تعكس رواياتها الواقع الذي نعيشه، فيمكنك القراءة لها دون ملل، مع حضور أسلوب التشويق بشدة في مؤلفاتها». وتضيف البلوشية: «تعرفت على (أليف شافاك) مؤخرا، فهي كاتبة ساحرة بكل معنى الكلمة، تصويرها جداً عميق، متذوقة للأدب تستمع وتتلذذ بكل كلمة تكتبها، كما تجذبني مؤلفات أدهم شرقاوي، فهو كاتب بسيط ومؤثر جدا، يلامس القلب، لغته رومانسية حالمة تبهج النفس».
ويفضل القارئ هلال الطيواني قراءة مؤلفات الدكتور علي الوردي ويعلل ذلك بقوله: «قدرة الدكتور علي الوردي على مقارنة الحياة الاجتماعية، وتفنيده لكثير من هرطقات التاريخ بمنطقية وعقلية فذة تُقنع القارئ».
فيما تجيب القارئة وفاء المصلحية حول كاتبها المفضل: «أفضل الكثير من الكتاب، ولكن أفضلهم الكاتب باولو كويلو، أغلب رواياته تحتوي على الكثير من القيم، والعبر، والقناعات العميقة، والكثير من البحث في ذات الانسان وأطباعه والحالات النفسية التي يمر بها، حيث أنه وبمجرد أن تنهي قراءة رواية له حتى تخرج بالكثير من العبر، والعضات التي تستخلصها من الأحداث التي يمر بها أبطال رواياته، كما أنه كاتب مثقف، ومفكر، ومطلع، وينعكس ذلك على أسلوبه الروائي الجميل والسلس جدا».
كتّاب عمانيون ..
ويبدو أن الكتب العمانية هي شاغل اهتمام بعض القراء، حيث تنجذب القارئة وفاء المصلحية لروايات وكتابات الكتاب العمانيين أمثال: هدى حمد، وسليمان المعمري، وهلال البادي، وعبدالعزيز الفارسي، وبشرى خلفان، وتقول حول أسباب اختيارها لمؤلفات هؤلاء الكتاب: «إيماني الكبير بالأسماء الروائية المذكورة، وثقتي بأسلوبهم في الكتابة، وطريقتهم في تناول المواضيع الاجتماعية بشكل مغاير، وجذاب، بالإضافة إلى حب الإطلاع، والتعمق أكثر على تجارب الكتّاب، والأدباء العمانيين، وتجربتهم في الكتابة بشتى أنواعها سواء كان ذلك في القصة أو الرواية. كما أنها فرصة رائعة للتعرف أكثر على الروايات التي حازت على جوائز أدبية سواء كان على مستوى السلطنة أو على مستوى الوطن العربي».
القراءة صحة عقلية..
وحول أهمية القراءة يقول محمد الفارسي: «تختلف أهمية القراءة لدى الأشخاص باختلاف ميولهم واهتماماتهم، فمنهم من يعتبرها وسيلة جيدة ومفيدة لقضاء وقت الفراغ، ومنهم من يعتبرها ضرورة ومنهجاً للحياة، إلا أن القراءة تتجاوز حدود المتعة والمعرفة، لما لها من فوائد عديدة تعود على الصحة العقلية والقدرات الذهنية. يقول الكاتب الأمريكي أنطون دي باولا: «أن تقرأ يعني أن تعرف أي شيء عن كلّ شيء، وكلّ شيء عن أي شيء»، لذا فإن الغاية الأولى والأساسية من القراءة هي التحصيل المعرفي وتوسيع الثقافة، وقد لا تجد هذا المطلب في المعلومات المتداولة عوضاً عن الكتب، كما أن القراءة تساعدك على رؤية العالم بطرق مختلفة».
قارئة ناشئة..
وتشكل القراءة ركيزة أساسية في حياة البعض، وهذا ما يتمثل في حياة القارئة الناشئة وسن الزدجالية، حيث أنها باحثة عن الكتاب وشغوفة بالمؤلفات العربية والأجنبية فتقول حول توجهها القرائي للعام 2017: «توجهي القرائي لهذا العام أشبه بكشك بائعة زهور في أحد ضواحي بيروت؛ متنوع ومختلف الألوان، حيث قرأت هذا العام في شتى المجالات السياسة، الرواية، العلوم وغيرها، كما كان للشعر نصيب بين رفوف مكتبتي الصغيرة بكتاب «ديوان المتنبي» الذي اعتنى به و شرحه عبدالرحمن المصطاوي، وفي مجال الرواية فقد سرقت عقلي رواية الكاتبة أجاثا كريستي المترجمة «سر جريمة تشيمنيز»، وقرأت من الموسوعات موسوعة «جبران خليل جبران» المعربة، والتي أسرت قلبي قبل عقلي وجعلتني أنهيها في محض أسبوع، وموسوعة «أشهر النساء في التاريخ الغربي» فكانت تفسر المثل الذي يقول: وراء كل عظيم امرأة».
وحول شغف «وسن» بالكتاب، واختيارها لأنواع الكتب تقول: «لا أختار نوع معين من الكتب، أحبها جميعا وأقرأ في كل نوع سواء كان بلغتي الأم أو باللغة الإنجليزية، وسبب آخر هو الأني أحب الكتابة منذ نعومة أظافري، ولكي أجد نفسي أستطيع التعبير عما يجوب في داخلي، لابد أن تكون حصيلتي اللغوية أولا والثقافية ثانيا حاضرة، ونتيجة لذلك دعمتني القراءة في كتابة كتابي الذي سأنشره في المستقبل القريب».
وتختار الزدجالية الأدب غالبا من خلال مؤلفات بعض الكتاب العرب، حيث تقول: «هناك كُتّاب وليس كاتب واحد اختار مؤلفاته للقراءة، فيلهمني محمود درويش بأعذب الكلمات، ويسحرني عباس محمود العقاد بعبقرية بلاغته وفصاحته، ولا أنسى جبران خليل جبران، وأسامة المسلم وهو كاتب معاصر يكتب في مجالي المفضل من القصص في مجال الماورائيات، والتي يحكيها بأسلوب خيالي عميق، وعذب».