رندة صادق - [email protected] - عالم الطفولة الجميل عالم البراءة المتناهية، عالم ليس كما يظهر في الحكايات ولا كما نظن انه يعيش تفاصيله، فهو عالم ملتبس ومرتبك ومركب وهو أيضا لبانة ما يكتسبه الأطفال من إدراك واع وغير واع في شخصياتهم وفي سلوكياتهم، هذا الطفل الذي نتصرف أمامه بطريقة لا تليق ونحن نردد: “صغير لا يفهم ما يحدث”. آسفة أن أقول لكم هو يفهم، هو يسجل، هو يحتفظ بسجلات وانطباعات وصور وأحاسيس يلتقطها بحواسه ويخزنها في أدراج اللاوعي، ما تقولونه ما تفعلونه ينعكس في تصرفاته، اليوم لم تعد الأمهات بالتحديد كما في السابق، بسيطات الشخصية قليلات المعرفة يتصرفن وفق التقليد الموروث لمفاهيم التربية في الأسر القديمة، فكانت تتلقى معارفها عن هذا العالم عن أمها التي بدورها ورثتها عن جدتها، فهي تقلد ولا تفكر، كانت التربية عبارة عن مجموعة من المبادئ الشعبية المتناقلة عبر المجتمعات، أما اليوم فتعليم المرأة أعطاها أصول المعرفة، ونظم وعيها وجعل منها قابلة لقياس الصح والخطأ في هذا المجال من خلال العلم والاطلاع على قواعد تربوية حديثة تتعلق في أصول التربية والتعامل مع الأطفال، ولكن هذا المستوى الذي وصلت اليه المرأة هل وظفته في تأمين حق الطفل في طفولة نقية تبعد عنه ارتفاع نسب العقد في تركيبته النفسية، وبالتالي تؤدي دورها في بناء مجتمع يتحلى بمواطنين أصحاء نفسيا إلى حد ما؟ في الحقيقة لا يمكن وفق أي قواعد نفسية أن نجد إنسانا لا يعاني من مشاكل نفسية، خاصة أن الإنسان وجد في عالم أوسع من قدرات وعيه، بالتالي ولد خائفا قلقا، يحاول أن يعقلن خوفه ويسيطر على قلقه -هذا موضوع واسع ومتشعب يحتاج دراسات مطولة- ولكن بالعودة إلى موضوع الطفل، ما توصلت اليه المرأة من تعليم لم يخلصها من تأثير العادات والتقاليد، فهي ما زالت تغضب وتصرخ وتكذب وتقوم بسلوكيات لها تأثير سلبي على الكبار قبل الصغار، ولكنها تصر على أن طفلها لا يعي ما يدور حوله. تتحدث الدراسات اليوم عن “علم النفس الجنيني” وهذا يعني أن شخصية الطفل ونفسيته لا تتكون مع الولادة، بل ما قبل ذلك، هي تبدأ تتكون وهو في رحم أمه، مما يؤكد انه يملك ذاكرة تفاعلية تؤثر في شخصيته وترتبط مباشرة بحالة الأم النفسية وسلوكياتها، لذا وجهت مقالي لها وليس للأب رغم تأثير الأب في بناء شخصية متوازنة عند الطفل، وبفضل تنظير الجوف وتقنية الصورة التي تظهر حركة الجنين، تمكن العلماء من رصد انفعالاته وبدا جليا تأثره بما تفعله الأم من تناول أطعمة ومشروبات أو من انفعالات وغضب، “ هو يفكر ويحلل ويدرك ويذكر ويحلم أيضاً، ولقد أثبت العلم ذلك من خلال التجربة، حيث وجد أنه يتنفس ويبتلع وينكمش على نفسه عندما يبلع مواد لا يحبها، كما يقوم بابتلاع أكبر للمواد السكرية مما يشتهيه الأطفال وصغار المواليد “.‏ واكتشفوا أيضاً:” أن الجنين ينكمش على نفسه معلناً انزعاجه حين تقوم أمه بالتدخين أو تسمع موسيقى صاخبة أو تغضب أو تخاف، وتظهر على وجهه مظاهر القلق وتضطرب دقات قلبه، كما ينتفض الجنين بحدة عند سماعه بوق سيارة، كذلك لوحظ أن الأمهات اللواتي يتحدثن مع أجنتهن ويغنين لهم بتمتمات بسيطة تكون استجابة الجنين أفضل بكثير”. على كل أم تحلم بطفولة سعيدة لأطفالها أن تضع نصب أعينها حياة ابنها وتدرك أن ذلك لا يرتبط بكم العمر الذي يحسب منذ الولادة، بل ما قبل ذلك من فترة احتضانها له بأحشائها، هو لا يملك القدرة على التعبير، لكن في حقيقة الأمر هو:”يعي ويشعر ويخزن”.