اهتـمامي ينصـبّ على المواضـيع والكتب أكـثر من مـؤلفـيها -
كتب : عاصم الشيدي -
ماذا يقول أحمد المعيني عن القراءة، هل يمارس طقوسا خاصة تحيط بلحظات اختلائه بالكتاب، أم أنه يرى في ذلك ترفا كبيرا.. ومن تلك الشخصية التي قرأها في رواية ويتمنى لو يجدها في الطبيعة ويقترب منها.
في هذا الحوار نقترب من أحمد المعيني قارئا لا مترجما أو كاتبا لنتعرف أكثر على علاقته بالكتاب والقراءة والمشاريع التي تنتظره كقارئ.
• لو تحدثنا عن الكتاب الذي تقرأه الآن.. الكتاب الموجود على المنضدة المجاورة لسريرك؟
شرعتُ بالأمس في قراءة كتاب ظلّ ينتظر دوره سنوات، وهو عبارة عن دراسة في النقد الثقافي ضخمة تقع في نحو تسعمائة صفحة بعنوان «أقنعة جنسية: الفن والانحطاط من نفرتيتي إلى إميلي ديكنسون»، للناقدة الأمريكية كاميليا باليا وترجمة ربيع وهبة (دار التنوير). الشائق في هذا الكتاب أنه من ذلك النوع من الكتب التي تصدمك وتشكل مسلّماتك وتهزّ الأعراف الثقافية التي اعتدتَها. فالمؤلفة تطرح نقدًا قد يكون قاسيًا وغير مألوف للثقافة الغربية في محاولة لتتبع العلاقة بين الإبداع الفني والمرأة عبر تاريخ الفن والأدب في الغرب من منظور يستلهم الأدوات المستخدمة في علم النفس. ولعلّي لا أستطيع قول المزيد حتى الآن لأنني ما زلتُ في بداية الكتاب.
• هل تتشكل لديك توجهات قرائية بحكم الزمن أو المرحلة أو حتى الحالة المزاجية؟
بطبيعة الحال تختلف توجهاتنا أو اهتماماتنا القرائية من فترة لأخرى، وفقًا للأسئلة التي تتشكّل في أدمغتنا أو القضايا التي تطرأ وتحتاج إلى تعميق المعرفة بها، أو قد يكون لسبب أبسط من ذلك كأن نتعرف إلى كاتب لم نقرأ له من قبل. ولقد حاولتُ منذ زمن بعيد أن أبعد مسألة «الحالة المزاجية» عن قضية القراءة، وأن أدفع نفسي إلى قراءة الكتاب بصرف النظر عن المزاج الذي أمرّ به. مع ذلك، يحصل كثيرًا أن أتوقف عن قراءة كتاب ما في منتصفه مثلا، لأسباب قد يكون من بينها الحالة المزاجية!.
• ماذا عن تقاليد القراءة لديك.. متى تقرأ؟ متى تشعر أنك بحاجة لاعتزال العالم من أجل القراءة.. القراءة فقط؟
في حقيقة الأمر لا أحب «رَمْنَسة» القراءة ولا تغليفها بقناعٍ من الطقوس والتقاليد التي توحي بترفّع الذين يقرؤون عن من لا يقرؤون. المسألة وما فيها مكان تجلس فيه، وضوء، وقلم تخربش به على الكتاب. أما وقتُ القراءة فهو مفتوح؛ أقرأ أحيانًا قبل النوم، وأقرأ وأنا في سيارات الأجرة، أو في انتظار موعد، أو بعد الغداء، الخ.
وأما مسألة اعتزال العالم للقراءة فقد أصبحت ترفًا لا يمكله الكثيرون، وأضحى لزامًا علينا أن نجد وقتًا للقراءة. المسألة في رأيي ليست خيارًا، بل ضرورة لـ«تربية أدمغتنا وذائقتنا» أيًا ما كانت الظروف. باختصار، لا توجد تقاليد معينّة سوى أنني أخصّص «وِردًا» يوميًا للقراءة بحيث أنتهي من قراءة خمسين صفحة على الأقل.
• لديك متجر لبيع الكتب.. هل ساهم هذا المتجر في زيادة لهفتك للقراءة أم العكس؟
بعد افتتاح المكتبة أصبحتُ متابعًا جيدًا لما يصدر من كتب جديدة، فلا يكاد يصدر كتاب من دار نشر عربية بارزة إلا ونحرص على توفيره في المكتبة بأسرع ما يمكن، ولذلك ازداد عدد الكتب التي أعرفها وأرغب في قراءتها. تخيّل مثلا أنك شخص مشغوف بالسينما، ثم أصبحت تملك دار سينما أو محلا لبيع الأفلام يتخصص في توفير جميع الأفلام الجديدة والقديمة منها!
ولكن من ناحية أخرى ربما خفّفت المكتبة من تلهّفي على اقتناء الكتب؛ ذلك أنني أقول في نفسي الكتب أصبحت متوفرة في المكتبة وسوف أقتنيها في الوقت المناسب، بعكس ما كان يحدث في السابق حين كنتُ أراكم الكتب الكثيرة من معارض الكتب.
•هل لديك كاتب مفضل تعود لكتبه باستمرار أو تنتظر إصداراته بشكل مستمر؟
• أصدقك القول إنّ هذا الأمر اختفى مع مرور الزمن، وأصبح اهتمامي ينصبّ على المواضيع والكتب أكثر من مؤلفيها. ربما قبل خمس عشرة سنة أو أكثر كنتُ أستمتع بالقراءة لبعض الكتّاب أكثر من غيرهم (مثل عبدالرحمن منيف وعبده خال وأوسكار وايلد وعبدالوهاب المسيري ومحمد عابد الجابري ومصطفى صادق الرافعي) لكنني نادرًا ما أعود الآن إلى كتبهم مرة أخرى إلا إذا احتجت إليها لمراجعة شيء ما.
•هل لديك كتاب بعينه تفضل أن تعود له بين الفينة والأخرى؟
لا يوجد كتاب محدّد أعود إليه، وإنني أغبط بعض الأصدقاء الذين تنشأ بينهم وبين كتابٍ ما علاقة من نوع خاص. مع ذلك فهناك كتاب واحد قرأته ثلاث مرات في حياتي وربما أقرأه مجددا، وهو رواية شقة الحرية لغازي القصيبي. لستُ متأكدًا من السبب الذي يشدّني إليه دائمًا، لكنني مسكون بفترة الخمسينيات والستينيات التي شهدت تحوّلات ضخمة أتت بأيديولوجيات وحركات وأفكار ومفاهيم جديدة سبّبت خلخلة عنيفة في العالم العربي. وهذه الرواية تلخّص بشكلٍ أو بآخر تلك المعضلة المعرفية والوجودية التي عانى منها الشباب العرب آنذاك.
• هل توجه الترجمة التي تعمل فيها لقراءات معينة؟
بلا أدنى شك، بل إنّ أغلب ما أقرؤه يكون حول الموضوع الذي أترجمه. خذ مثلا الفترة التي ترجمتُ فيها أول كتاب لي وهو عن تاريخ إيران، كان النصيب الأعظم من قراءاتي حول إيران كي أفهم السياق التاريخي والثقافي والسياسي وأتعرف إلى الشخصيات التاريخية التي يتناولها الكتاب، وأعرف طريقة كتابة الأسماء والأماكن، الخ. وحين ترجمتُ موسوعة أشجار المانجو ظللتُ أقرأ نصوصًا كثيرة عن إنتاج المانجو وطرق الزراعة والتسميد والحصاد وغير ذلك من مواضيع تقنية صعبة. ولا أبالغ إن قلتُ بأنّ الفترة التي أقضيها في قراءة المراجع أطول من فترة الترجمة نفسها. وفي الفترة الحالية التي أترجم فيها روايتين، أجد نفسي أستزيد من قراءة الروايات العربية والكتب النثرية التي كتبها شعراء عرب على وجه التحديد لكي أتعمّق في اللغة الأدبية أكثر فأكثر.
• هل هناك كتاب قد نُدهش لو عرفنا أنك قرأته؟
لا أظنّ ذلك، ولا أجد ما يدعو إلى الدهشة في أي كتاب يُقرأ. لكنّ المترجمين خاصة قد يقرؤون أشياء كثيرة وغريبة حول الموضوع الذي يترجمونه، ولا يكتفون بالكتب بل قد يقرؤون تقارير وموسوعات ومواقع إلكترونية وصحفًا ومنتديات وأي شيء يمكن أن يفيد.
• أول كتاب قرأته وتعتقد أنك ما زلت مسكونا به؟
هذا سؤال صعب على شخص ضعيف الذاكرة مثلي، لكن دعني أقل لك إنّ من الكتب التي قرأتها باكرًا في حياتي وظلّت في ذاكرتي طويلاً رواية «صورة دوريان جراي» لأوسكار وايلد، والتي ما زلتُ مسكونًا بها وأرجو أن أعيد ترجمتها في المستقبل. شيء ما في هذه الرواية ساحر، يتعلّق بالإغواء وأزمة النفس البشرية التي تصبو دائمًا للخلود بشكل أو بآخر.
• آخر كتاب قرأته وجعلك تجهش بالبكاء؟
كان ذلك منذ سنوات مضت حين قرأت رواية «عدّاء الطائرة الورقية» للكاتب الأفغاني خالد حسيني. هذه رواية لا تُنسى وتحفر آثارها بقوة في النفس. أن تعيش مع شخصية «أمير» في الرواية بكلّ حمولتها من الإحساس بالذنب والصراع الداخلي، أمر يدفع إلى البكاء في بعض لحظات الرواية.
• كتاب ما زلت تتمنى لو تجد الوقت لتقرأه؟
كتب كثيرة من الكلاسيكيات ما زلتُ أرجو أن أجد الوقت لقراءتها، مثل «قصة الحضارة» لوِل ديورنت، «ومسخ الكائنات» لأوفيد، و»عوليس» لجيمس جويس (بلغتها الأصلية)، و»الحرب والسلم» لتولستوي، و»البؤساء» لفيكتور هوجو، و»الكوميديا الإلهية» لدانتي، و»الفردوس المفقود» لجون ملتن (بلغتها الأصلية)، ودون كيخوته لسرفانتس، وغيرها.
• من خلال قراءتك للروايات هل هناك شخصية روائية تتمنى لو تصادفها في الحقيقة وتعيش إلى جوارها؟
لا أعرف لماذا أشعر برغبة قوية في أن أرى شخصية «مرتا حدّاد» من الرواية المذهلة «أميركا» لربيع جابر. ربما لأنّ الكاتب في سرده جعلني أشعر بأنني أراها فعلا وأنا أقرأ، أتابع رحلتها إلى أمريكا ومعاناتها وانتصاراتها وخيباتها. كان تصوير ربيع جابر سينمائيًا يجعلك تشعر بكل شيء وكل مكان، ومع ذلك تودّ لو أن تعيش التجربة في الواقع.
• هل تذكر لنا خمسة كتب موجودة على الطاولة القريبة منك ينتظرها دور القراءة؟
رواية عام 3000 لسالم آل توية، ورواية جي لجون برجر، ورواية غراميات مرحة لميلان كونديرا، وكتاب سيكولوجيا العلاقات الجنسية لثيودور رايك، وكتاب حرب لبنان لعبد الرؤوف سنّو.